منتديات أعمال الخليج
منتديات أعمال الخليج

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: قنبلة موقوتة في بيوتنا اسمها المراهقة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    13-Aug-2002
    الدولة
    السعودية (الرياض)
    المشاركات
    1,038

    قنبلة موقوتة في بيوتنا اسمها المراهقة

    قنبلة موقوتة في بيوتنا اسمها المراهقة
    المراهقة بركان ينذر بالانفجار في غياب القيم والأصول الإسلامية

    بقلم محمود عوض

    تقوم النظرية الإسلامية في التربية على أسس أربعة هي :
    تربية الجسم ، وتربية الروح ، وتربية النفس ، وتربية العقل ، وهذه الأسس تتكامل في إخراج نشئ قويم التربية سليم المنهج لا تفترعنه قيمة من القيم ، ولا تتخلف عنه فضيلة من الفضائل ، إذ هذه الأسس الرابعة تنطلق من قيم الإسلام ، و تصدر عن القرآن والسنة ونهج الصحابة والسلف في المحافظة على الفطرة التي فطر الله الناس عليها بلا تبديل ولا تحريف ، فمع التربية الجسمية تبدأ التربية الروحية الإيمانية منذ نعومة الأظفار ـ منذ الثالثة . بتلقين الطفل المبادئ الأولى للعقيدة الإسلامية ( الشهادتين ، والحلال والحرام ، وقراءة القرآن الكريم ، وحب الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم ، والأمر بأداء العبادات ـ منذ السابعة مثلاً ـ ) مما يبني أساساً متيناً لايتزعزع ـ بعد ذلك ـ للحياة الروحية للطفل ويضمن له مستقبلاً راشداً وحياة دينية ـ أو دنيوية ـ مستقرة ، فإذا فُزّع الطفل عن المراهقة استطاع أن يتعامل معها بقدر قد أعدّ له عدته ، ونفس حكيمة تملك زمام أمرها ، وتستطيع أن تتحرى مراكب الصلاح والتقوى ، وأن تثمر الثمرة النافعة الطيبة التي ترجى من وراء التربية الجسمية والروحية والنفسية والعقلية والصحية .
    هذا الإجمال الذي قدمنا عن التربية الإسلامية لا يروق لبعض متشدقى العلوم النفسية ، وهذا كلامهم ينطق بانحراف عن السوية وتكييف منحرف للمراهقة ، يقول بعضهم : " إن الموجود إنما يبدأ وجوده الحقيقي كنقيض لهذا الذي ولده ، فصميم وجوده هو أن يتناقض مع الذي ولده وأن يدخل معه في صراع ، وفي هذا ما يحدد اللحظة التي يعي فيها وجوده بشكل مكتمل ، البدني والنفسي جميعاً ، في عالم اكتملت بالدلالة الجنسية أبعاده، ويعي وجوده هذا متناقضاً وفي صراع مع الوجود الذي ولده ، ومن هنا فإن المراهقة هي الميلاد الحقيقي للكائن البشري ، وكل ما يسبقها يعد امتداداً لوجود آخر هو وجود الأبوين ، وجود الجيل السابق ، فوجود الأبوين يواصل الحياة في هذا الكائن الجديد الذي لم يصبح كياناً بعد ، والذي لن يبلغ إلى ذلك إلا في اللحظة التي يعيش فيها وجوده في صورته المكتملة المليئة ، يعيش فيها وحدته الكلية بكل مظاهرها متناقضة مع وجود الأبوين وفي صراع معه " .
    وبنظرة سريعة لا تحتاج إلى طول نظر أو تفحص ندرك مدى التكلف الذي يحويه هذا الكلام فهو خليط بين عبارات فلسفية وجمل نفسية وأشتات تربوية ، ولذلك حق للدكتور محمد السيد الزعبلاوي أن يتتبع هذا التناول بتعليق قوى يقول فيه : ( هذا التناول الفلسفي السفسطائي المنحرف لم أعهد له مثيلاً في كل ما قرأت من مؤلفات علم النفس التي تناولت المراهقة بالدراسة والتحليل لنفسية المراهق وسلوكه الشخصي والاجتماعي ).
    وهذا التناول بالرغم مما فيه من أباطيل إلا أنه يتفق في بعض جوانبه مع ما سوف نطرحه في هذه الدراسة وهو جانب الصراع والانفجار الذي تنذر المراهقة به صاحبها المراهق ومن حوله ، فالاتفاق في جانب الصراع والانفجار فقط أما عدا ذلك فالكلام مرفوض شكلاً وموضوعاً ، بل هو باطل في بعض جوانبه كأن يجعل الميلاد الحقيقي للكائن البشري هو المراهقة ، ثم يجعل هذا الميلاد يبني على أنقاض الشجرة التي أثمرت هذا الكيان .
    المراهقة والنمو البركاني
    إن للمراهقة والمراهق نموه المتفجر في عقله وفكره وجسمه وإدراكه وانفعالاته وعجبه وغروره وكبره وسفهه وفتوته وخوفه ورجائه وعواطفه وغير ذلك مما يمكن أن نلخصه إجمالاً في أنواع من النمو البركاني ـ إذا صح التعبير ـ وهي النمو الجسمي ، وفيه نمو الجسم من الداخل فسيولوجياً وهرمونياً وكيماوياً وذهنياً وانفعالياً ، ونموه من الخارج والداخل معاً عضوياً ثم هناك نوع أخر من النمو الاجتماعي ، وفي هذه الفترة يشب الفتى والفتاة عن الطوق يافعين ، ونلحظ أن هذا النمو سريع ومفاجئ فيزداد ويتسع الكتف والصدر لدى البنين ، ويتسع الحوض لدى البنات وهذا النمو السريع يسبب السيطرة على حركاته وانفعاله ولعل ذلك بسبب تأخر النمو العضلي عن نمو العظام ، ونلحظ كذلك النمو الجنسي في فترة المراهقة ، وهي التي تلي مباشرة عملية أو مرحلة البلوغ حيث تبدأ الخصائص الجنسية في الظهور على بناء وتكوين الجسد ، ويتبع ذلك تغيرات في الأجهزة الداخلية مثل القلب ، ونلحظ أخيراً النمو العقلي وهو من أهم أنواع النمو التي يمر بها المراهق .
    ويبدو أن الخصائص البركانية المتفجرة المتضاربة التي تكمن في المراهق ( أو المراهقة ) في فترة المراهقة قد عكست تضاربها على الدراسات التي تعنى بالنمو البدني والذهني والنفسي في تلك الحقبة بحيث أنها تكاد لا تتفق على شيء من الأسس للنمو المصاحب لفترة المراهقة ، ولعل الاتفاق الوحيد بين الدراسات هو أن هناك نمواً يحدث لجسد المراهق ، سواء كان هذا النمو طولياً أو عريضاً أو يبدأ بالرأس وينتهي إلى الساقين أو العكس فهذا خلاف عريض الذيول بين الدراسات المعنية بالمراهقة ، وحسبنا أن نقول إن المراهقة ألقت بموادها المتفجرة على كل شيء حتى دارسيها وأنها بحق مرحلة الخرق أو عمر الخرق Gowly age كما سماها ( ج . أ . هادفيك ) في كتابة "الطفولة والمراهقة " ترجمة أحمد شوكة وعدنان خالد ، وهذا الغالب في هذا السن إلا ما رحم الله من الشباب المربين تربية إسلامية عالية فإنهم لا ينطق عليهم مثل هذا الخرق ، ولذلك لا تستغرب أن تقرأ بين سير الصحابة رضوان الله عليهم عن شباب مراهقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتحملون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرون القرآن ويخرجون للجهاد ويقومون الليل ويصومون النهار ويعبدون الله عز وجل حق عبادته ، من هؤلاء عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله ابن عمرو بن العاص وغيرهم من شباب الصحابة رضي الله عنهم .
    عناية الإسلام بمرحلة النمو والمراهقة :
    اهتمت الدراسات النفسية والطبية بالجانب المادي للمراهقة ونقصد به جانب الجسد ، ولكنها لم تول الجانب الروحي شيئاً يذكر من الاهتمام ، أما في الإسلام فقد أولى الشرع الحنيف عناية كبيرة للجانب المادي الجسدي وأولى العناية ذاتها للجانب الروحي ، فعلي الجانب المادي فقط نجد أن مادة الفعل ( أكل ) وردت في القرآن الكريم في نحو مائة واثنين من مواضعه الشريفة هذا عدا عن الطعام والشراب وغيرها مما يفصّل ويؤصل منهج التربية البدنية في الإسلام بصورة عامة ، وهذا المنهج تتضح معالمه في الخطوط التالية :
    1ـ أن الأصل في الأمور كلها ومنها الطعام والشراب والإباحة إلا ما حرمه الله تعالى بنص أو جاء من طريق حرام أو غير ذلك ، بعكس العبادات فإنها لا تكون إلا بنص وما كان منها خارج النصوص فهو حرام ، ولذلك نجد الآيات التي تحث على تحرى الحلال والحرام في المأكولات والمطعومات وطلب الرزق كثير منها على سبيل المثال : ـ
    قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً (البقرة:168)
    وقوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (البقرة:172)
    و قوله تعالى: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً) (المائدة:88)
    وقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) (الأنعام:118)
    وقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ (الأنعام:121)
    والآيات التي تعرض للحرام من الأطعمة كثيرة ولكننا نكتفي بهذا حتى لا نطيل.
    والأحاديث النبوية أيضاً كثيرة في هذا منها على سبيل صلى الله عليه وسلم حديث البخاري
    عن المقداد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ) .
    وحديث الشيخين ( البخاري ومسلم ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه). وحديث أبي داود الصحيح ( صححه الألباني ) قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله في أوله وآخره " .
    وفي الصحيحين عن أبي هريرة " أن أفضل الإسلام وخيره إطعام الطعام وأن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرفت ".
    2ـ أن الأصل في التربية البدنية الإسلامية هو التقوى وطلب القوة والعزيمة ، ومنهج الإسلام في هذا الأصل يرشد إلى عدة توجيهات ومحاذير هي أصول في هذا الباب منها :
    أ ) الحث على التقوى والأخذ بأسباب القوة وفي ذلك آيات وأحاديث منها : ـ قوله تعالى : " (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ )[هود:52]
    وقوله تعالى : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ) [الروم:54]
    وقوله تعالى : (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص:26]
    وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم عن أبي هريرة ( المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ..) ، ويتضح من الآيات والأحاديث رجحان كفة القوى من المؤمنين على الضعيف منهم وإن كان الخير فيهم جميعاً .
    ب ) التوسط والتوازن في سلوكيات تناول الطعام والشراب ، والبعد عن الإسراف والتبذير ، و قد حث القرآن الكريم على هذا السلوك في غير موضع من مثل قوله تعالى : ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) [ الأعراف : 31] ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه " طعام الاثنين كافي الثلاثة ، وطعام الثلاثة كافي الأربعة " ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أحمد في مسنده عن المقدام بن معدى كرب قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " " ما ملأ ابن آدم وعاء شرّاً من بطنه ، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث طعام وثلث شراب وثلث لنفسه".
    ج) تنويع مصادر القوة بتنويع الطعام ومصادره ، وممارسة الرياضة والتداوي ، وصلة الأرحام وغير ذلك مما أرشد إليه القرآن والسنة ، قال تعالى : ( وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً )[ النحل : 14] ، وقال تعالى لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون) [ المؤمنون : 19]، وقال تعالى : ( الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها وتأكلون) [ غافر: 79] ، وقال الله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا ) [ البقرة : 195] وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء " ، وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء ، برأ بإذن الله عز وجل " ، وفي مسند أحمد وغيره جاءت الأعراب فقالوا : يا رسول الله أنتداوى ؟ فقال " نعم يا عباد الله تداووا ، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد " قالوا : ما هو ؟ قال : الهرم " ، ومن الأحاديث التي تحث على التدرب والرياضة والأخذ بأسباب القوة قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أهل التفسير عند قوله تعالى : ( وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ) قال : ( ألا إن القوة الرمى) ، ومن مجموع هذه النصوص يتبين حرص الإسلام على إخراج جيل قوى بالإيمان في بدنه وقلبه وفي ترابطه واجتماعه وحسن اتباعه وتأتيه لموارد القوة والأخذ بها سواء كانت هذه القوة مادية كما قد تقدم معنا الآن ، أو كانت هذه القوة روحية كما سنتحدث عنه الآن .
    اهتمام الإسلام بالجانب الروحي في مرحلة المراهقة
    اهتم الإسلام بالصحة النفسية والروحية والذهنية ، واعتبر أن من أهم مقوماتها التعاون والتراحم والتكافل وغيرها من الأمور التي تجعل المجتمع الإسلامي مجتمعاً قوياً في مجموعه وأفراده ، وفي قصص القرآن الكريم ما يوجه إلى مراهقة منضبطة تمام الانضباط مع وحي الله عز وجل ، ومن المعالم الرشيدة التي تهدى إلى الانضباط في مرحلة المراهقة في ضوء القرآن والسنة ما يلي :
    1) الطاعة: وتتمثل هذه الطاعة في طاعة الله عز وجل و طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة الوالدين ومن في حكمهما ، وقد أكد القرآن الكريم هذه المعاني في وصية لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه قال : " يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" [ لقمان : 13] ، وهذا تحذير شديد من الشرك ، ثم أكد على الطاعات العملية في وصيته فقال : كما ذكرت الآيات : (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ* وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان 17ـ 19 ] ، ثم إن الأمر بطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله شاع في القرآن الكريم من مثل قوله عز وجل : (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون)[ آل عمران : 132] ، وقوله عز وجل : ( وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ) [ الأنفال : 1] ، وشاع أيضا في السنة من مثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما قال " يا غلام احفظ الله يحفظك ، واحفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتب الله عليك ، ورفعت الأقلام وجفت الصحف " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ، وحديث الترمذي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا بنى إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل ، ثم قال لي : يا بني وذلك من سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحبني ، ومن أحبني كان معي في الجنة ".
    هذه الآيات والأحاديث ترغب في الطاعة وتركز على الجانب العملي في هذه الطاعة كما في وصية لقمان التي تحث على تحقيق التوحيد والحذر من الشرك وإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر وعدم التكبر على الناس وعدم الإقبال على الدنيا والقصد واللين في معاملة الناس ، وهذا كله يدخل في طاعة الله عز وجل ورسوله ، ونلاحظ في الأحاديث التركيز الشديد على توثيق الصلة بالله عز وجل والرضا بقضائه وقدره ، والعناية بالسنة النبوية وإحيائها ، وهذا من أصول التربية الروحية والعملية في الإسلام التي رغب فيها الشباب حتى ينجوا من غائلة الفواحش والوقوع في معصية الله عز وجل .
    2) ـ الاقتداء بالصالحين : وعلى رأس من يقتدى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فالاقتداء به واتباع سنته من أصول ديننا الحنيف ، قال الله عز وجل : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) [الأحزاب :21] وفي سيرته صلى الله عليه وسلم ـ خاصة مرحلة الطفولة والمراهقة والشباب ـ ما يوقف الشباب على معالم الاهتداء والطريق الصحيح للوصول إلى الحق ، فقد كانت فترة شبابه وصغره محضناً للعبادة وتوثيق الصلة بالله عز وجل والتزام الفضيلة في كل شيء والبعد عن الرذيلة من كل جانب وهذا قبل البعثة و الوحي ، أما بعد البعثة والوحي فقد اتصلت أصول التربية بأسباب إلهية جعلت من الاقتداء واجباً من واجبات الدين .
    ثم الاقتداء بالأنبياء والصالحين ، كما قال الله عز وجل : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) [ الأنعام : 90 ] ، ولعل في قصص الأنبياء ومراحل نشأتهم ما يثرى موضوع التربية الروحية للمراهق ، فهذا إسماعيل عليه الصلاة والسلام في صغره ضرب مثلاً رائعاً في الحلم والصبر والطاعة ، وقال عنه القرآن الكريم : ( فبشرنا بغلام حليم ) الصافات :[ 101] ، وقال عن يوسف عليه الصلاة والسلام : (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [يوسف:6] ، وقصة إسماعيل الذبيح معروفة ففيها المثال الرائع الذي يضرب في طاعة الوالدين وبرهما إذ قال له أبوه إبراهيم عليه الصلاة والسلام : ( يا بنى إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ) ؟ فقال الابن بدون روية ولا تلكؤ : " يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) [الصافات : 102] ، وقصة يوسف عليه الصلاة والسلام وهي تضرب في العفة والخوف من الله عز وجل وحفظ الأمانة حينما راودته امرأة العزيز عن نفسه فامتنع رغم إصرارها وآثر السجن في النهاية على الوقوع في الفاحشة ومعصية الله عز وجل ، وهي تضرب أيضاً في الصفح والحلم والمحافظة على الرابطة الأسرية حينما قال لإخوته بعدما انكشف جريمتهم معه ، قال : ( قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف:92] وكذلك قصة سيدنا إبراهيم مع أبيه وقصة سيدنا سليمان مع أبيه وقصة سيدنا يحيى وسيدنا عيسى والسيدة مريم عليهم جميعاً سلام من الله عز وجل ، وهي ـ أي هذه القصص ـ تصب في مصب الاقتداء والاعتبار كما قال الله عز وجل : (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [يوسف:111] ، ثم في قصص الأئمة والعلماء والصالحين في هذه الأمة ، والأمة غنية بأهل الفضل والعلم والقادة والفاتحين والكبار من أولى الألباب والأبصار .
    3) ـ التعاون والتراحم والتكافل:
    وهذا يجعل الفرد في خدمة المجتمع ، ويجعل المجتمع أيضاً في خدمة الفرد ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أحمد في مسنده عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مثل المؤمن كمثل الجسد إذا اشتكى الرجل رأسه تداعى له سائر جسد ه ) صورة شديدة التعبير عن العلاقة الحميمة الوثيقة التي تربط أفراد المجتمع بعضهم ببعض ، وتبين حرص بعضهم على بعض .
    على أن القاعدة في هذا الترابط والتعاون والتراحم قد حددتها آيات كثير من كتاب الله عز وجل ، ومنها قوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة:2) ، وقوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ) (آل عمران:103) ، فالبناء في هذا التعاون على البر والتقوى والاعتصام بدين الله عز وجل وهذا ينتج أفراداً بارَّين متقين متآلفين متدينين وهو ما ترجوه التربية الإسلامية الروحية في غاياتها.
    ثمرة وخاتمة:
    ونختم حتى لا نطيل بأن للمراهق حاجات بدنية وعقلية وروحية أظن أننا لو اتبعنا سنن الإسلام في التربية البدنية والروحية ـ من مثل ما تقدم معنا ـ فسوف ينشأ الفتى وحاجاته ملباة في إطار من الانضباط وعدم التفلت وبصورة ترضى ولا تخل ، على أننا ينبغي ألا نغفل أن الأسرة هي المحضن الأقرب لتفريخ هذا الزغب الناشئ ، ولذلك ينبغي النظر إلى هذا المحضن حتى نطمئن إلى أن عملية التنشئة تتم في بيئة صالحة ، وهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين ، قال : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجّسانه " يدل على أن للبيئة التي ينشأ فيها الفتى تأثيرًا كبيرًا جداً في تربيته ونشأته ، والشاعر يقول:
    وينشأ ناشــئ الفتيــــــــان منا على ما كان عــــــــــوده أبوه
    ويقول الآخر :
    إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
    إن مراعاة القواعد والأصول السابقة سوف يثمر معنا مراهقة حليمة هادئة غير متفجرة ، وباللغة التي عنونّا بها وبدأنا هذه الدراسة نقول إن هذه الأصول من شأن اتباعها أن ينزع فتيل القنبلة الموقوتة التي تضعها المراهقة في بيوتنا.
    رد مع اقتباس رد مع اقتباس

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    17-Apr-2002
    الدولة
    الخبر
    المشاركات
    483
    موضوع ممتاز
    جزيت خيرا انشاء الله
    رد مع اقتباس رد مع اقتباس

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
المنتدى غير مسؤول عن أي معلومة منشورة به ولا يتحمل ادنى مسؤولية لقرار اتخذه القارئ بناء على ذلك