منتديات أعمال الخليج
منتديات أعمال الخليج

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: العناية بالجسم وسلامته

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    13-Aug-2002
    الدولة
    السعودية (الرياض)
    المشاركات
    1,038

    العناية بالجسم وسلامته

    العناية بالجسم وسلامته

    من خصائص الفكر والتشريع الاسلاميين هي الاتزان والاعتدال والتوازن ازاء الجسم والعقل والروح والنفس. فقد كانت عنايته بالجسم ورعايته للصحّة البدنية فائقة، لذا شرّع للبدن حقوقاً طبيعية أوجبها على الفرد نفسه، وعلى الدولة والهيئة الاجتماعية في حال عجز الفرد عن أداء واجباته تجاه البدن. فللبدن حقّ الطعام والشراب واللباس والعلاج والسكن، إضافة إلى الراحة والنوم والوقاية...الخ.

    ويتحدّث القرآن عن الطعام والغذاء والعناية بحاجة الجسد فيثبت أنّ توفير الأمن الغذائي حقّ للانسان، وأنّه جزء من نظام الوجود، وقد بيّنت الآية الكريمـة هذا المعنى بنصّها الذي تحدّث عن الأرض والرزق فيها فقال:

    {وقدَّر فيها أقواتها في أربعةِ أيّامٍ سواءً للسائلِين}.(فصّلت/10)

    وفي مورد آخر من كتاب الله نجد توضيحاً لهذه الحقيقة لآدم أبي النوع البشري بقوله:

    {إنّ لكَ ألاّ تجوعَ فيها ولا تَعرى * وأنّك لا تظمأُ فيها ولا تضحى}.(طه/118 ـ 119)

    شرّع كلّ ذلك ووضع القوانين والأنظمة اللازمة لتوفير الحاجة الغذائية للانسان، كأحكام الزكاة التي فرضت في الموادّ الغذائية، والقمح والشعير والتمر والزبيب والأغنام والأبقار والإبل كما فرضت في النقد واستحبّت في باقي الحبوب والثمار…الخ. وحمل القرآن على الذين يكنزون الذهب والفضّة والمال، ويحرمون الآخرين من التمتّع بما يحتاجونه من طعام وشراب، وسمّى الفقراء بالمحرومين، وأثنى على الذين يجعلون جزءاً من مالهم لحلّ مشاكل المحرومين فقال:

    {وفي أموالهِم حقٌّ للسائلِ والمحرومِ}.(الذاريات/19)

    ولكي لا يتلاعب الجشعون وأعداء الانسانية بقوت الطبقات الفقيرة حرّم الاسلام احتكار الطعام، وأعطى الدولة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والعاملين في حقول الحسبة صلاحية المنع من الاحتكار وإرغام المحتكر على عرض الطعام المحتكَر في الأسواق لتتوفّر المادّة الغذائية، وتنخفض الأسعار بكثرة العرض.

    ومما نقرأ من توجيهات صحّية وعناية بالغذاء نكتشف عناية التشريع والفكر الاسلاميين بالثقافة الغذائية والتربية الصحّية، فنجد الحثّ على تناول الأطعمة والأغذية التي تحقق نموّ الجسم نموّاً صحّياً وتوفّر له المناعة ضدّ الأمراض وعوامل الضعف.

    ويمكننا أن نلخّص منهاج الاسلام وعنايته بالصحّة البدنية بالآتي:

    1 ـ العناية بالتغذية وحثّ الأبوين لاسيما المرأة الحامل والمرضع على تناول بعض الأغذية للحفاظ على صحّة الحمل واكسابه الصفة الجمالية، والتأكيد على العناية بغذاء الصبي لما للتغذية من أثر في صحّة الحمل وسلامة بنية الناشئة وجمال الصورة.

    ونستطيع أن نلمس حقيقة حضارية هامّة، وهي أنّ اهتمام الاسلام بفقه الأغذية لا يقل عن اهتمامه بفقه العبادة والتنظيم الاجتماعي، نجد ذلك واضحاً فيما ورد من روايات وأحكام(1).

    وهناك عشرات التوصيات تتناول الفواكه والخضراوات وأنواع اللحوم والبقول، داعية إلى الاهتمام بتغذية البدن والحفاظ على التوازن الغذائي والبنية البدنية.

    ــــــــــــــــــــ

    1 ـ للتفصيل والاستزادة: راجع بحار الانوار للعلاّمة المجلسي/ ج104، ووسائل الشيعة للحرّ العاملي/ ج7 / ص133 وغيرهما من كتب الفقه والحديث.

    [ 2 ]

    2 ـ تحريم المأكولات والمشروبات والممارسات الضارّة بصحّة الجسم، ولعلّ أبرز ما في المنهاج الاسلامي وفقهه الصحّي لحفظ الصحّة وتوفير الأمن الصحّي هو تحريمـه للأطعمـة والأشربة والممارسات الضارّة بالجسم.

    فقد حرّم الاسلام الخمر والمخدّرات والزنى واللواط والمساحقة وسمسرة الفواحش الجنسية والدم ولحم الخنزير وكثيراً غيرها، كما حرّم كل ما من شأنه الإضرار بالبدن عملاً بقاعدة (لا ضرر ولا ضرار) التي وردت في قول الرسول الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله).

    وفي جواب الامام الباقر (عليه السلام) لأحد سائليه نجد تحليلاً علمياً لحكمة الاباحة والتحريم، قال السائل: قلت: لِمَ حرّم الله الخمر والميتة ولحم الخنزير والدّم؟ فقال:

    (إنّ الله تبارك وتعالى لم يحرّم ذلك على عباده، وأحلّ لهم ماوراء ذلك من رغبة فيما أحـلّ لهم ، ولا زهـد فيما حرّمه عليهم، ولكنّه خلق الخلق فعلم ماتقوم به أبدانهم ، ومايصلحهم، فأحلّه لهم وأباحه لهم، وعلم مايضرّهم فنهاهم عنه، ثـمّ أحلّه للمضطرّ في الوقت الذي لايقوم بدنه إلاّ به).

    وإذن فملاك الاباحة هو: (ماتقوم به أبدانهم، ومايصلحهم فأحلّه لهم). وملاك التحريم هو: (وعلم مايضرّهم فنهاهم عنه).

    وقد أثبتت الدراسات والابحاث العلمية أنّ أخطر أمراض البشرية المعاصرة سببها الخمر والممارسات الجنسية الشاذّة وغير المشروعة، كالزنى وغيره من أنواع الفساد الاخلاقي.

    ولعلّ كارثة الايدز أو مرض (السيدا) هو أفدح كارثة مرعبة تهدد حياة البشرية والتي سببها الممارسات الجنسية الشاذّة.

    أمّا أمراض الخمر والمخدّرات وأضرارها الصحيّة فتعتبر من أفدح أنواع الأمراض وأخطرها على الصحّة وسلامة المجتمع. وتلك الأمراض لا تضرّ بالصحة وحسب بل وتضرّ بالوضع الاقتصادي والأمني، فكثير من جرائم القتل والاغتصاب وحوادث السيّارات سببها الخمور والمخدّرات.

    وكم تبذل الدول والحكومات من جهود وأموال لمكافحة الخمر والمخدرات دون جدوى.

    3 ـ النهي عن الاسراف: ومن الممارسات الخطرة على صحّة الجسم هو الاسراف في الطعام والشراب والجنس... الخ، فكثير من الأمراض الجسدية سببها الشراهة والانسياق وراء الشهوة، والاسراف في تناول الأطعمة والأشربة، لذلك نهى القرآن عن الاسراف في الطعام والشراب وغيره، فقال تعالى:{ كلوا واشربوا ولا تُسرِفوا }.

    وورد عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله):

    (ما ملأ ابن آدم وعاء شرّاً من بطنه).

    كما ورد عنه (صلى الله عليه وآله)المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء).

    وبهذه التشريعات الصحّية وتوعية الانسان أضرار الاسراف ونهيه عنه وضع الاسلام أبرز الوصايا للحفاظ على الصحّة، وهي وصايا الوقاية من المرض، عملاً بالحكمة المشهورة:

    (الوقاية خيرٌ من العلاج).

    4 ـ الحفاظ على الطهارة والنظافة: وبتشريع الطهارة والدعوة الى النظافة وضع الاسلام منهاجاً واسعاً لحماية الانسان والبيئة من التلوّث والقاذورات، ومصادر الاضرار بالصحّة. ويمكننا أن نلخّص المنهاج الاسلامي في هذا المجال في مرتكزين أساسين هما:

    [ 3 ]

    أ ـ لقد اعتبر الاسلام بعض الأشياء نجسة، وألزم بالتطهّر منها.

    وهذه النجاسات هي المصدر الأكبر للجراثيم والميكروبات المرضية، كالغائط والبول وفضلات كثير من الحيوانات والميتة والدم والمني والأشياء المتنجسة بها…الخ، فتلك الفضلات والمواد تشكّل مصدر التلوّث والاصابة بالأمراض، وبالتطهّر والتوقي منها نوفّر أُسساً هامّة في الوقاية من الأمراض وحفظ الصحّة.

    ب ـ النظافة: تشكل النظافة مظهراً من أبرز مظاهر الانسان المتحضّر الذي يعني بصحّته وذوقه ومظهره، وجاء الاسلام ليحقق المصالح ويدرأ المفاسد، وفي مقدمة تلك المصالح حفظ صحّة الانسان والتسامي بذوقه ووعيه الصحّي والحضاري.

    وتتركّز اليوم اهتمامات الانسان وبحوثه العلمية على حماية البيئة وحفظها من القاذورات ومصادر التلوّث التي أصبحت من أبرز مشاكل العصر. والالتزام بمنهاج الاسلام في النظافة والطهارة يحقق لنا حماية البيئة وحفظ الصحّة، والتخلّص من الأمراض التي تنتج عن إهمال النظافة والتلوّث بالقاذورات، فقد جاء التأكيد على النظافة والدعوة إلى التخلص من القاذورات والأوساخ، نجد ذلك واضحاً في بيان القرآن الكريم:

    { ما يريدُ اللهُ ليجعلَ عليكمْ منْ حرجٍ ولكنْ يُريدُ ليُطهّركُمْ وليُتمّ نعمتهُ عليكم لعلكُمْ تشكرون}.(المائدة/6)

    فبالتأمّل في آية الطهارة هذه نجد القرآن قد اعتبر التطهير من القاذورات اتماماً للنعم الالهية على الانسان التي تستحق الشكر، وذلك لأنّ الطهارة إحدى مصادر الصحّة، والصحّة إحدى النعمتين اللتين ذكّر الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) الانسان بهما، بقوله:

    (نعمتان مكفورتان ـ مجهولتان ـ الأمن والعافية).

    وفي التوجيه النبوي الشريف نجد الدعوة إلى التخلص من الأوساخ والقاذورات، وتحقيق النظافة في الملبس والبيت والبدن...الخ.

    فقد جاء ذلك بقوله (صلى الله عليه وآله):

    (تنظّفوا إنّ الاسلام نظيف).

    (إنّ الله يبغض الوسخ الشعث).

    (بئس العبد القاذورة).

    5 ـ الرياضة: الرياضة مجموعة من الفعاليات والتمارين التي تصعّد قدرة البدن وقوّته وتحقق للانسان اللياقة البدنية كالسباحة وركوب الخيل والمشي والمصارعة وغيرها من الفعّاليات الاُخرى.

    ومثل هذا الاعداد الرياضي يزيد من قدرة الجسم على العمل والانتاج، كما يزيد من قدرته على مقاومة الأمراض وظروف البيئة التي تتسبب بجلب الأمراض. وقد مرّ ذكر الآيات والأحاديث التي تثبت اهتمام الاسلام وتأكيده على الرياضة وتصعيد قدرة الانسان وقوته.

    ومن الواضح في مبادئ التشريع الاسلامي أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قدوة في كل شيء وعندما يفعل شيئاً إنّما يثبت بذلك شريعة للبشرية ومنهجاً للعمل، ما لم يكن ذلك الفعل خاصاً بشخص النبي الكريم(صلى الله عليه وآله).

    6 ـ العمل والتخلص من الفراغ:

    [ 4 ]

    {فامشُوا في مناكِبِها وكُلُوا مِنْ رزقهِ وإليهِ النُّشورُ}.(الملك/15)

    في هذه الآية الكريمة حثّ القرآن الانسان على السعي في الأرض لطلب الرزق والكسب الحلال، والسعي حركة وعمل، والحركة والعمل مصدران مهمّان من مصادر النشاط والقوّة.

    وجاء عن الرسول (صلى الله عليه وآله) قوله:

    (العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال).

    وجاء أيضاً:

    (إنّ الله يبغض العبد الفارغ النوّام).

    والعمل لا يعطي فوائد اقتصادية وتنموية وحسب، بل ويحقق للانسان فائدة صحية أيضاً، فالعمل جهد عضلي، ينمّي قدرة الانسان وقوّته البدنية، ويكسبه صحّة وحيوية وقدرة عضلية تفوق في بعض جوانبها التمارين والنشاطات الرياضية. وكما أنّ للعمل آثاره الايجابية على بنية الجسم ولياقته الصحية، فإنّ له تأثيره على الوضع النفسي للانسان، فكثير من مشاكل الانسان النفسية سببها البطالة والفراغ، فتنعكس حالات مرضية وآلام نفسية يتحوّل الكثير منها إلى آلام وأمراض جسدية. وكما يكون العمل مصدراً مـن مصـادر القوّة والنشـاط النفسي والجسـدي ، فـإنّ البطالـة والفراغ يكونان مصدراً من مصادر ترهل الجسم وضعفـه وانحلال قواه.

    7 ـ العلاج والوقاية من الأمراض: إنّ التشريعات والتوجيهات التي تحدثت عن الصحّة والوقاية والعلاج وحقوق البدن، تشكل مساحة واسعة من الفقه والثقافة والآداب الاسلامية، وقد شدّدت الأحكام والوصايا الاسلامية على العناية بالبدن وحفظ الصحّة والمعالجة من الأمراض إلى درجة الوجوب، إذا كان المرض لا يزول إلاّ بالعلاج، لذا اعتبر الاسلام أنّ ما يحتاجه الانسان للعلاج والرعاية الصحية لنفسه ولأفراد أُسرته من مصروفه السنوي المعفو من فريضتي الخمس والزكاة.

    ولاهتمام الاسلام بالعلاج والتداوي اعتبر التشريع الاسلامي توفير الأدوية والخبرات والمؤسسات الطبية في المجتمع واجباً كفائياً كما اعتبر العلاج واجباً عينياً على الطبيب المعالج الذي لا يوجد غيره.

    وإذا كان وجوب توفير الخبرات الطبّية واجباً على عموم أفراد المجتمع، فإنّ معالجة النفس وبذل المال اللازم واجب عيني على الشخص لعلاج نفسه، ولعلاج من كلّف شرعاً بالنفقة عليه، كالزوجة والأبناء الصغار والوالدين العاجزين عن النفقة، فإذا عجز عن ذلك أُعطي من الفرائض المالية للتداوي والعلاج، وبالاضافة الى ذلك فإن الدولة مكلّفة بتوفير العلاج ومستلزماته للمواطنين العاجزين عنه.

    والاسلام ينطلق في وجوب العلاج من مبدأ أساسي في فهم الصحّة والمرض والعلاج ومن رؤيته العقيدية ونظرته الفلسفية العامّة للحياة.

    فالفكر الاسلامي يؤمن بأنّ العالم بأسره هو عالم يقوم على أساس مبدأ العلية (مبدأ السبب والنتيجة) وفلسفة الترابط العام بين الأشياء، فهو عبارة عن سلسلة من الأسباب والنتائج، فالمرض نتيجة لأسباب وعلل، وانّ الشفاء منه يأتي لازالة تلك الأسباب والعلل بواسطة أسباب ووسائل أُخرى (العلاج)، وانّ العلاقة بين المرض والعلاج هي جزء من نظام الصراع القائم في عالم الطبيعة والاحياء وفي اطار الجسم البشري، والمرض في معظم حالاته هو جزء من هذا الصراع، لذا فإنّ العلاج يسير وفق نظام الصراع وقانون العلّة والمعلول (السبب والنتيجة)، وهذا الفهم العلمي نقرأه في ما ورد عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) من ارشادات طبّية وأوامر بطلب العلاج.

    [ 5 ]

    وإنّ اللجوء الى العلاج يتفق والعقيدة الاسلامية التي تجمع بين الايمان بقانون العلّية الطبيعية والاعتماد على الله سبحانه. ذلك لأنّ عمل العلل والأسباب الطبيعية يجري ضمن سياق القدر الالهي والاستعانة به، فالأسباب والعلل كما عبّر الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) عنها هي جزء من القدر الالهي.

    لذا جاء الحث على العلاج والتداوي، وجاء توضيح العلاقة بين السببية العلاجية والقدر الالهي. فعن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) انّه قال:

    (ما أنزل الله داء إلاّ أنزل له شفاء)(1).

    وعن جابر بن عبد الله الانصاري أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال:

    (لكلّ داء دواء، فإذا أُصيب دواء الداء، برئ بإذن الله عزّ وجلّ)(2).

    وجاء في الاخبار:

    (أنّ موسى بن عمران اعتلّ بعلّة فدخل عليه بنو إسرائيل فعرفوا علّته، فقالوا له: لو تداويت بكذا لبرئت. فقال: لا أتداوى حتى يعافيني الله من غير دواء. فأوحى الله إليه: وعزّتي وجلالي لا أُبرئك حتى تتداوى بما ذكروه لك. فقال لهم: داووني بما ذكرتم فداووه، فبرئ. فأوجس في نفسه في ذلك فأوحى الله إليه: أردت أن تبطل حكمتي بتوكّلك عليّ، فمن أودع العقاقير منافع الاشياء غيري)(3).

    وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده أن أُسامة بن شريك قال:

    (كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله) وجاءت الاعراب فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: (نعم يا عباد الله تداووا، فإنّ الله عزّ وجلّ لم يضع داءً إلاّ وضع له شفاء غير داء واحد)، قالوا: ما هو؟ قال: «الهرم»)(4).

    وكما أمر بالعلاج والتداوي أوضح أنّ لكلّ مرض علاجاً غير أنّنا نجهله، لذا أوجب البحث عنه واكتشافه، جاء ذلك في قوله (صلى الله عليه وآله):

    (إنّ الله عزّ وجلّ لم ينزل داء إلاّ أنزل له شفاء، عَلِمَه مَنْ عَلِمَه، وجَهلَهُ مَنْ جَهلُهُ).

    بل اعتبرت الشريعة الاسلامية كتم المرض وعدم بيانه للطبيب ليعالج معالجة دقيقة هو خيانة للبدن، لذا ورد الحديث عن الامام الصادق (عليه السلام): (من كتم عن الطبيب مرضه، فقد خان بدنه).

    ولتشخيص العلاقة بين السببية العلاجية وبين القدر الالهي فلنقرأ ما رواه أبو خزامة من الحديث النبوي الذي اعتبر العلاج من قدر الله سبحانه، قال: (قلت: يا رسول الله أرأيت رُقى نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ فقال: «هي من قدر الله»)(5).

    وهكذا يثبت الفقه الطبّي في الاسلام وجوب رعاية البدن وتوفير العلاج والأمن الصحّي. وهذه القيم التشريعية، وهذا التفكير العلمي أوجد منهاجاً علمياً للبحث الطبّي؛ فتقدّم الطبّ على يد العلماء المسلمين، وارتقى الى مستوى البحث العلمي والمنهجية التجريبية، واكتشاف النظريات الطبّية في الأمراض والعلاج ونظام الجسم وتكوينه.

    ــــــــــــــــــــ

    1 ـ البخاري / ج7 / ص12.

    2 ـ مسلم / كتاب الطب.

    3 ـ النراقي / جامع السعادات / ج3 / ص228 / ط3.

    4 ـ مسند أحمد بن حنبل / كتاب الطب.

    5 ـ ابن ماجة / كتاب الطب.

    [ 6 ]

    8 ـ وضع منهاج للصحّة النفسية: الحياة البشرية بمختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والأمنية والعقيدية والصحّة البدنية والنفسية والعلاقات الاجتماعية والعائلية... الخ، كلّ متكامل يؤثّر بعضها في بعض، ويتأثّر به، فالصحّة النفسية التي هي مصدر سعادة الانسان وشقائه يؤثّر فيها مجمل الوضع المحيط بالانسان. فالفقر والبطالة والارهاب السياسي وانعدام الأمن ومشاكل الاُسرة، كلّها عوامل تؤثّر على الصحّة النفسية سلباً أو إيجاباً. والمنهاج الاسلامي منهاج علمي متكامل أتقن في مختلف مجالاته ومعالجاته، وبشكل يحقق للانسان الصحة والطمأنينة النفسية، إضافة إلى منهاجه التربوي في مجال الحفاظ على سلامة الوضع النفسي من العقد والأمراض النفسية. فقد كرّس الاسلام جانباً كبيراً من فكره وتشريعه لحماية الوضع النفسي من الخوف والقلق والحقد والأنانية والحسد والغيرة عند المرأة...الخ.

    وبذا رسم للنفس البشرية خطّ السير ومنهج الحركة الذي يحميها من الأمراض التي تصيبها وتفتك بها وبالجسد عن طريقها.

    9 ـ مكافحة الفقر: الفقر هو سبب خطر من أسباب المرض وفقدان الصحّة النفسية والجسدية، ولقد غدا الفقر رغم التقدّم العلمي والتطور الآلي مشكلة الانسان الكبرى، ذلك لأنّ تطوّر العلوم والصناعة لم يؤثّر في إصلاح الجانب الانساني والأخلاقي من الانسان، فكلّما تقدّم الوضع المادّي للانسان المتكبّر انهار وضعه النفسي والأخلاقي، فازداد ظلماً وجشعاً وحباً للمال وسيطرة على خيرات الانسان المستضعف، ممّا زاد في محنة الفقراء واتّساع مساحة الفقر.

    ولعلّ من أبرز أمراض الفقر هو مرض سوء التغذية، وعدم توفّر الغذاء المتوازن صحيّاً للانسان.

    فللجسم حاجته من البروتين والفيتامينات والنشويات والسكّريات والدهنيات...الخ، فما لم تتوفّر الحاجة الغذائية للجسم يصاب بالعديد من الأمراض وضعف المقاومة وانهيار الصحّة والقوّة.

    وعندما تحلّ مشكلة الفقر يتحقق القضاء على أمراض الفقر هذه.

    وكما يفرز الفقر أمراضاً غذائية مباشرة بسبب سوء التغذية فإنّه يتسبب في إضعاف المؤسسات والاجراءات الوقائية، وتوفير الحياة الصحّية للانسان أو انعدامها.

    والاسلام عندما وضع منهاجه الاقتصادي راعى فيه توفير حاجة الانسان من الغذاء والسكن واللباس والدواء...الخ، وانقاذ المجتمع من الفقر.

    والملاحظ في المنهاج الاقتصادي الاسلامي أنّ فريضة الزكاة تركّزت في الموادّ الغذائية، كالقمح والتمر والشعير والزبيب والحيوانات، إضافة إلى النقود، ممّا يوفّر الأمن الغذائي، ويساعد على مكافحة أمراض سوء التغذيـة.

    10 ـ الراحة والنوم: والجسم آلة حيّة مليئة بالحركة والفعّالية والنشاط فيصيبها التعب والارهاق، وما لم تحصل على الراحة واستعادة النشاط يصيبها العطب والانهيار والمرض.

    وقدر الله سبحانه نظام النوم راحة للفكر والنفس والبدن، ولتنظيم الحياة البشرية، كما وضع قانوناً علمياً للعمل وبذل الجهد وللراحة، بشكل متوازن، فقال تعالى: {وَجَعلنا نَومَكُمْ سُباتاً * وَجَعلنا الليلَ لِباساً وَجَعلنا النهارَ مَعاشا}.(النبأ/9 ـ 11)

    وبذا قسّم الوقت بين الراحة والعمل والحركة والنشاط.

    وجاء في الارشاد النبوي الحثّ على التقليل من متاعب البدن، وقيمة الراحة، والحدّ من دوافع الطمع والجشع التي تدفع الانسان الى إرهاق جسمه وفكره ونفسه. فالارهاق سبب من أهم أسباب تعكير الحياة النفسية، والتوتر العصبي، إضافة إلى الاضرار بالجسم. كما انّ النوم والراحة هما أفضل وسيلة من وسائل العلاج العصبي، وإعطاء الجسم فرصة لاستعادة النشاط. نجد ذلك الارشاد في قول الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)أجملوا في الطلب فإنّ روح القدس نفث في روعي لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها).

    وبهذا التنظيـم وتقسيم الوقت بين الراحة والجهد والعمل وضع الاسلام منهجـاً عملياً دقيقاً لحفظ الجسـم والنفس والفكر من الارهاق والمرض.
    رد مع اقتباس رد مع اقتباس

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    17-Apr-2002
    الدولة
    الخبر
    المشاركات
    483
    اخي الغالي
    جهد عظيم تقوم به
    زادك الله من العلم والمال
    رد مع اقتباس رد مع اقتباس

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
المنتدى غير مسؤول عن أي معلومة منشورة به ولا يتحمل ادنى مسؤولية لقرار اتخذه القارئ بناء على ذلك