دبي “الخليج”:

توقعت صحيفة “فاينانشال تايمز” أن تشهد أسواق المال في الشرق الأوسط استمرارا لموجة النشاط التي سادتها في الآونة الأخيرة خلافا لما هو عليه حال أسواق المال العالمية من تذبذب نظرا لبعد أسواق المنطقة عن دائرة تأثير أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 ومعززة بارتفاع أسعار النفط. وأشارت الصحيفة في تقرير لها الى أن المستثمرين من القطاع الخاص يعيشون فترة نشاط غير مسبوقة بعد أن كان المستثمرون العرب من بين أكبر الخاسرين في أسواق المال العالمية بعد الأحداث المذكورة. وقدرت مجموعة سامبا المالية السعودية الأمريكية المشتركة ان 80 ألف مواطن سعودي خسروا ما يقرب من 50 مليار دولار في الولايات المتحدة وأوروبا.
لكن ما خسره هؤلاء في الغرب في طريقهم لاسترجاعه في أسواق المنطقة النشطة، حيث تتجاوز مؤشرات أسواق الأسهم الإقليمية كل الأرقام القياسية التي سجلتها في السنوات السابقة من خلال الأداء الاستثنائي لأسواق دول مجلس التعاون الست التي تتجاوز غيرها من الأسواق الناشئة. وقد دحضت حركة الرساميل البينية تنبؤات البنك الدولي الذي أكد ضرورة اقتناص “الفرص الضائعة” نتيجة للعراقيل البيروقراطية أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الشرق الأوسط. وقد ظهر الطلب القوي على الأسهم خلال عدد من عمليات الطرح على الاكتتاب العام المبدئي. فقد بلغ إجمالي الطلب على أسهم شركة “بيت التمويل” في أبوظبي 75 ضعفا من القيمة الاسمية المطلوبة للأسهم. أما شركة صحارى السعودية للبتروكيماويات فضربت رقما قياسيا آخر عندما تلقت عروضا بنحو 10 مليارات دولار أي ما يعادل 125 ضعفاً من قيمة أسهمها. وقال وليد الشهابي من شركة “شعاع كابيتال” الاستثمارية في دبي “لقد انعكست مفاهيم المخاطر ليصبح سوق الولايات المتحدة هو الأشد خطرا وينعدم الخطر في السوق المحلية”. وقد شهد عام 2003 ارتفاعا في أداء أسواق الأسهم الإقليمية مسجلا 29% في الإمارات و101% في الكويت، والصورة هذا العام أكثر تلونا مع احتفاظها بقوتها. فقد تصدرت أسواق الامارات القائمة، حيث رصدت شركة شعاع ارتفاع مؤشرات أداء سوق الامارات بنسبة 54،8% تلتها سوق السعودية بنسبة 41،8%. والمحرك الأساسي وراء هذا النشاط غير المسبوق في أسواق المنطقة هو ارتفاع أسعار النفط لمستويات قياسية. لكن الشهابي يقول إن هذه الطفرة سببها أرباح قطاع الشركات المرتفعة والتي بدأت الآن تقترب من التقييم المبالغ فيه. إلا أن هناك عنصرا آخر مهما في دفع التغيير الطارئ. وهناك من يرى أن الدفع الأمريكي باتجاه الإصلاح والديمقراطية دفع الكثير من حكومات المنطقة لإعادة النظر في توزيع الثروات. ويقول كريم الصلح المدير التنفيذي لشركة المستثمر الوطني في أبوظبي “تنظر الحكومات في المنطقة الى أسواق الأسهم والخصخصة اليوم على أنها وسيلة لدمقرطة الملكية فهي لا تريد جمع الأموال جراء بيع الأصول الحكومية وإنما تريد توسيع دائرة توزيع الثروة”. وحتى عهد قريب كانت عمليات الطرح على الاكتتاب العام محدودة ومتباعدة. وخلال أزمنة السيولة القوية ومعدلات أسعار الفائدة المعدومة تقريبا كانت القروض المصرفية تمنح في منطقة الخليج بهوامش ربحية ضعيفة. ودأبت يومها الشركات على الاعتماد على القروض المصرفية وأرصدة المساهمين. كما أن معظم شركات الملكية العائلية لم تكن مرتاحة للشفافية ومكاشفة المعلومات التي تتطلبها أسواق المال والأسهم. ولعبت قوانين الإدراج المعقدة دورها في عرقلة نمو أسواق المال الى جانب الحواجز في وجه مساهمات الرساميل الأجنبية. ويقول الصلح إن معظم هذه العراقيل قد زالت اليوم، وقد ارتفعت أسعار أسهم شركة الاتصالات السعودية وشركة قطر للصناعات وهي إحدى كبريات الشركات الصناعية في المنطقة بنسبة 147 و257% على التوالي العام الماضي بعد أن فتحتا للملكية العامة، وفي الوقت نفسه تستعد شركة داماس للمجوهرات وهي شركة عائلية في الامارات للطرح على الاكتتاب العام ضمن مجموعة أخرى من الشركات، في إطار سعيها لتمويل خطط توسعها. ومما يعزز القناعة بأن الأسواق سوف تزداد نشاطا القوانين السعودية الجديدة حول انفتاح السوق المحلية. فحتى هذه اللحظة لاتزال تداولات الأسواق السعودية حكراً على نحو عشرة مصارف تجارية وطنية. وخلال الأشهر القليلة المقبلة سوف تفتح سوق تداول أسهم جديدة للاعبين مستقلين يعملون تحت إشراف هيئات تنظيمية مستقلة. ولا تزال معظم أسواق الأسهم الخليجية مغلقة أمام مشاركة الأجانب في تداولاتها أو مفتوحة على نطاق ضيق. وفي الوقت الذي تتجمع كميات ضخمة من أموال النفط في الاقتصادات المحلية بانتظار ملاذ ما، فإن محفزات تغيير الوضع القائم تبقى صغيرة.