عبد الحميد العمري

17/08/2004 /

استكمالاً لما تطرقت له في المقالات السابقة حول الفرص الاستثمارية المتوافرة في سوق الأسهم السعودية، أود بدايةً التذكير بأهمية الأهداف الرئيسة لقضية تعزيز ورفع الوعي المالي والاستثماري لدى مختلف شرائح المجتمع، الأول المتمثل في تأهيل المجتمع ممثلاً في أفراده لتدبير وإدارة أموره المالية بصورةٍ ملائمة، تتواءم وتنسجم مع القدرات المالية حسب الدخل الشهري ـ السنوي لكل فردٍ من الأفراد، بما يجنبه الوقوع في المخاطر المحيقة بالديون، والتي قد تصل به إلى إعلان الإفلاس.
والهدف الثاني يتمثل في تأهيل المجتمع ممثلاً في أفراده للاستفادة من المدخرات المالية المتحققة من فائض الدخل الشهري ـ السنوي لكل فردٍ من الأفراد، وهو ما سيعود بالعائد المأمون على تلك المدخرات بالدرجة الأولى، والاقتصاد الكلي بالدرجة الثانية.
تطرّقت في المقال الماضي إلى الجوانب النظرية والتعريفية بصناديق الاستثمار، وإلى أنواعها وفئاتها ومزاياها على المستوى الكلي والجزئي، واليوم سأركز على الفرص الاستثمارية المجزية التي يمكن للمستثمر أن يستفيد منها إذا ما خاض هذه التجربة.
فحسب أحدث البيانات المتوافرة عن صناديق الاستثمار في الأسهم المحلية بنهاية النصف الأول من العام الجاري، وصل عددها إلى 20 صندوقاً مفتوحاً، وبلغ إجمالي أصولها نحو 6.8 مليار ريال، وتشكّل نحو 12.35 في المائة من إجمالي أصول صناديق الاستثمار السعودية كما وصل عدد المشتركين في هذه الفئة إلى نحو 67.9 ألف مشترك يشكّلون نحو 39.3 في المائة من إجمالي المشتركين في صناديق الاستثمار السعودية.
أما على مستوى الربحية، فتعد الأكثر ربحية بين جميع فئات الصناديق الاستثمارية السعودية البالغ عددها الإجمالي نحو 173 صندوقاً، إذ بلغ صافي أرباحها بعد حسم عمولات ورسوم الإدارة خلال النصف الأول من العام الجاري نحو 1.4 مليار ريال، أي ما يمثل نسبة ربحية تصل إلى 20.1 في المائة من إجمالي الأصول خلال نصف عام فقط وبافتراض استمرار أداء تلك الصناديق على نفس المنوال حتى نهاية العام مع ثبات بقية المعطيات، فهذا يعني أننا بصدد تحقيق صافي أرباح يمكن أن تتجاوز 45 إلى 50 في المائة.
ومما لا شك فيه أن مثل نسب الربحية هذه تجعل المستثمر الرشيد الباحث عن زيادة ونمو ثروته ودخله يتوقف كثيراً للتمعن في جدوى الاستفادة منها، خاصةً وأنها تكفيه عناء الكثير من الوقت والجهد في متابعة تطورات السوق اليومية أو حتى لحظة بلحظة، إضافةً إلى المستثمر الذي يقف نقص خبرته ودرايته بالبورصة عائقاً بينه وبين الاستفادة من تلك الفرص الاستثمارية التي تعج بها السوق.
وكمثال عملي للمساعدة على فهم ما تعنيه نسب الربحية أعلاه، فبافتراض أنك قد قررت الاستثمار في أحد تلك الصناديق الاستثمارية الناجحة بمبلغٍ صغير يصل إلى عشرة آلاف ريال، وفي حالة بلغت نسبة الربحية المتوسطة خلال فترة الاستثمار نحو 5 في المائة فقط، يمكن لاستثمارك أن يصل إلى نحو 12.8 ألف ريال خلال خمس سنوات أما وفق معدلات نمو السوق السعودية الراهنة التي أقدر متوسطها بنحو 20 في المائة، فيمكن أن يصل استثمارك خلال الفترة أعلاه نفسها إلى نحو 24.9 ألف ريال، وإلى نحو 61.9 ألف ريال خلال عشر سنوات، وإلى نحو 154.1 ألف ريال خلال 15 سنة، وإلى نحو 383.4 ألف ريال خلال 20 سنة، وإلى نحو 954 ألف ريال خلال 25 سنة.
تلك الحقائق الغائبة عن أذهان كثيرٍ من أفراد المجتمع، يجب أن تظهر وتُبيّن لهم للاستفادة من مدخراتهم المتوافرة في حساباتهم الجارية التي لا تدر عليهم أي عائدٍ يذكر، وهي فرص يعزز استغلالها من المستويات المادية والاقتصادية والاجتماعية لأيٍ من المستفيدين.
نأتي الآن إلى آلية اتخاذ القرار بالنسبة للمستثمر بين أي الصناديق الاستثمارية التي تلائمه، فحسب آراء الخبراء الاستثماريين في هذا المجال تعتمد الإجابة عن هذا السؤال على عددٍ من المعايير التي ينبغي على المستثمر وضعها في عين الاعتبار عند اتخاذه للقرار، وهي أولاً هدف الاستثمار، حيث يعتمد اختيار صندوق الاستثمار على هدف المستثمر والذي لا يخرج عن إحدى حالتين تحقيق دخلٍ دوري أو نمو رأسمالي فالمستثمر الذي ينشد الدخل الدوري يتوقع منه أن يضع استثماراته في أوراق مالية تحقق عائداً ثابتاً، بينما الذي يبحث عن نمو رأس مالي يتجه للصناديق التي تركز على أسهم النمو الرأسمالي في سوق الأسهم.
ثانيا مدة الاستثمار، يفترض بالمستثمر أن يحدد الفترة الزمنية التي يفضلها لأجل توظيف استثماراته، وتتوزع تلك الفترات على الاستثمار قصير الأجل أقل من سنة ، أو الاستثمار متوسط الأجل ويتراوح بين سنة وثلاث سنوات، أو الاستثمار طويل الأجل أكثر من ثلاث سنوات وتشير التجارب إلى أن أفضل الخيارات لتحقيق نمو رأسمالي جيد هو الإبقاء على الاستثمارات لمدى زمني متوسط إلى طويل الأجل.
ثالثاً درجة المخاطرة، إذ أن سوق الأسهم تتعرض إلى تذبذبات بدرجاتٍ متفاوتة في الأسعار في الأجل القصير، في الأجل المتوسط والطويل يُلاحظ زيادة أسعار أسهم الشركات ذات النتائج الإيجابية وانخفاض أسعار أسهم الشركات المتعثرة، كما أن تغير معدلات الفائدة في السوق يؤثر على أسعار السندات ذات العائد الثابت، فحينما ترتفع معدلات الفائدة في السوق تنخفض أسعار السندات والعكس صحيح.
وتعتمد درجة المخاطرة التي يتقبلها المستثمر على عدة معايير، منها الفئة العمرية، الدخل، الذوق، المهنة، ودرجة التفاؤل في البيئة الاستثمارية المحيطة وفي متغيرات الاقتصاد الكلي، هذا إلى جانب بعض الموانع الشرعية التي تحد من التوجه إلى الاستثمارات ذات العائد الثابت وبالتالي على تقبل درجة مخاطرة أكبر.
خلاصة القول، إن لدينا فرصاً استثمارية متميزة تتمثل في صناديق الاستثمار في الأسهم المحلية، والتي يمكن للعديد من فئات المستثمرين الاستفادة منها بدرجةٍ كبيرة، وتحديداً من يصعب عليه فهم آلية عمل السوق، أو من لا يتوافر لديه الوقت الكافي لمتابعة حركة السوق، أو حتى من لا يحتمل نفسياً وعصبياً التعامل مع تقلبات السوق.
كما أنها من أفضل برامج أو خيارات التخطيط المالي وتحديداً للأبناء، إذ أنها مع الزمن الطويل ستنمو بصورةٍ قياسية وفق معدلات النمو المرتفعة سنوياً، حيث يمكن خلال فترة تتراوح بين عشر سنوات إلى 20 سنة أن يصل نصيب كل واحدٍ من الأبناء من خلال دفعاتٍ شهرية بسيطة طوال تلك الفترة إلى ثروةٍ تؤهله للدخول إلى الحياة الجامعية أو الزوجية أو العملية.
وحول بقية الفرص الاستثمارية في سوق الأسهم السعودية، فهذا من بقية حديثنا الذي يستمر ولا ينقطع بإذن الله.

محلل اقتصادي
abdulhamid@aleqtisadiah.com