التكييف الفقهي للتعامل بالأسهم
د. حسن العالي


الاسهم عبارة عن حصة الشريك في رأس مال شركة المساهمة، وشركة المساهمة عبارة عن شركة عنان - باتفاق جمهور الفقهاء المعاصرين- وإصدار الأسهم وتداولها بالجملة جائز، بشرط خلوها مما يستوجب الحرمة.

والغالب أن الشركات تقسم رأس مالها إلى أسهم، يكتتب فيها من يريد، وتكون أسهمه عرضة للخسارة أو الربح، تبعا لنشاط الشركة، ولا ريب في جواز المساهمة في الشركات بملكية عدد من أسهمها، لتوافر الشروط الشرعية فيها، إذ أن لها حقها من الربح، وعليها نصيبها من الخسارة، فالربح يستحق تارة بالعمل، وتارة بالمال، ولا شىء من الربا وشبهته في هذه العملية.

ويمكن أن نستشهد لصحة تداول الأسهم بيعا وشراء بقول النووي - رحمه الله تعالى - في المجموع:

المال إما دين وإما عين، والعين ضربان: أمانة، ومضمون.

أما الأمانة: فيجوز للمالك بيع جميع الأمانات قبل قبضها، لأن المالك فيها تام، وهي كالوديعة في يد المودع ، ومال الشركة والقراض في يد الشريك والعامل.

وهذا الكلام مجمل، يحتاج إلى شيء من التفصيل. ونبدأ هذا التفصيل بالكلام على أنواع الأسهم:

أ- تقدم أن الأسهم تنقسم من حيث الحصة التي يدفعها الشريك إلى:
نقدية: وهي التي تدفع نقدا.
عينية: وهي التي تدفع أموالا من غير نقد.

وقد أجمع الفقهاء على جواز الشركة بالأثمان المطلقة، التي لا تتعين بالتعيين في المعاوضات ، كالنقدين. وتعتبر الفلوس الرائجة، والأوراق النقدية في حكم النقدين.

وعلى هذا فلا خلاف في إصدار السهم النقدي والتعامل به. واختلف العلماء في جواز الشركة بالعروض إذا قومت، فذهب المالكية إلى صحتها في العروض المقومة، وأما الشافعية فذهبوا إلى صحتها في المثليات من العروض.

وعلى هذا يمكننا أن نحكم بصحة إصدار السهم العيني والتعامل به، اختيارا لمذهب من قال به، وتيسيرا على المسلمين في معاملاتهم، لا سيما أن المانعين لم يستدلوا على المنع بدليل نقلي.

ب- وتنقسم الأسهم من حيث الشكل إلى:
أسهم اسمية:وهي التي تحمل اسم صاحبها.
أسهم لحاملها: وهي التي لا يذكر فيها اسم مالكها، ولكن يذكر أنها للحامل، فيكون أي شخص يحمل هذا الصك هو المساهم في الشركة.
أسهم للأمر: وهي التي يكتب عليها للأمر، وتتداول بطريق التظهير.

أما الأسهم الأسمية، فلا خلاف في جوازها، لأنها صكوك تحمل اسم صاحب الاسم وتثبت ملكيته لها، وهذا هو الأصل في الشركة - شرعا -، ولا خلاف في عدم جواز إصدار الأسهم لحاملها، لجهالة الشريك، وذلك يفضي إلى النزاع والخصومة، كما يؤدي إلى إضاعة الحقوق. فإذا استولى عليها مغتصب أو ضاعت والتقطها إنسان آخر، فإن حاملها سيصير شريكا في الشركة من غير وجه حق.

وبالنسبة للأسهم للأمر، فقد قال الدكتور عبدالعزيز الخياط في كتابه حول الشركات في الشريعة والقانون:

ويفترق هذا النوع عن سابقه في أن الشريك يكون معروفا في مبتدأ الاشتراك إذ أن الشريك الأول صاحب السهم يكون مقيدا لدى الشركة، وهو لا يحيل السهم إلا إلى شخص آخر معروف لديه، فإذا لم يكتب التظهير باسم الشريك الثاني يبقى على ملكية الأول، ولا يعتبر الثاني مالكا له ولو حمله، فيكون صاحب الأسهم معروفا على كل حال، وهو نقل ملكية السهم إلى الشريك الثاني، أي يصبح الشريك الثاني مالكا حقيقة للسهم، بدلا من الأول ، ويكون الأول متخليا عن حقه قبل الشركة، بنقله ملكية السهم إلى الثاني.

وهو نوع من انتقال الحصة إلى شريك آخر، وهو جائز شرعا سواء أكان بعوض كالبيع، أم بغير عوض كالهبة، ولا شىء فيه، لأن الجهالة منتفية بمعرفة الشريك، ولا يفضي إلى منازعة أو ضرر، ولأن باقي الشركاء قد أرتضوا شركة الثاني بموافقتهم على نظام الشركة الذي يبيح ذلك، والمؤمنون عند شروطهم، ولا يمنع قلة تداول هذا النوع من الأسهم شرعية جوازه، إذ أنه في حقيقته نقل لملكية الأسهم وتنازل من الشريك الأول عما يمثله هذا السهم في أموال الشركة للشريك الثاني.

جـ- وتنقسم الأسهم من حيث الحقوق إلى:9B أسهم عادية: وهي التي تتساوى في قيمتها، وتخول أصحابها حقوقا متساوية.9 أسهم ممتازة: وهي الأسهم التي تختص بمزايا لا تتمتع بها الأسهم العادية، قد بيناها فيما سبق.

أما الأسهم العادية فليس في إباحتها أي تردد، لأن الأسهم إنما تمثل حصة الشريك في الشركة، هذه الحصة هي التي تعطي صاحبها الحق في الربح وغيرها، وما دامت الأسهم متساوية في قيمتها الأسمية، فليس لأي سهم الحق في زيادة الربح.

وإصدار الأسهم الممتازة بجميع أنواعها لا يجوز، لأن فيها مخالفات لأصل الشركة في الشرع. فأما إعطاء أصحاب الأسهم الممتازة حق الأولوية في الحصول على الأرباح، وذلك بأن يأخذوا 5% مثلا، ثم توزع الأرباح بعد ذلك على المساهمين، فغير جائز، ومخالف لأصل الشركة - عند تساوي قيمة الأسهم - كما بينا في الكلام على الأسهم العادية.

وأما أن يكون الأمتياز بتقدير فائدة سنوية ثابتة لبعض الأسهم، فباطل شرعا، لأن هذه الفائدة ريا.

د- وتنقسم الأسهم من حيث إرجاعها إلى أصحابها أو عدم إرجاعها إلى: أسهم رأس المال: وهي التي لم تستهلك قيمتها.
أسهم تمتع: وهي تستهلك قيمتها - بأن ترد إلى المساهم - قبل انقضاء الشركة.

أما الأسهم الأولى فجائزة، ولا شىء فيها. أما أسهم التمتع ، فالاستهلاك فيها استهلاك صوري لا حقيقي، وذلك، لأن الذي يأخذه المساهمون في مقابل أسهمهم، أو في مقابل أجزاء منها هو حقهم في الربح، وليس شيئا آخر، فهم يأخذون حقوقهم، وما يسمى هناك طريق شرعية لاعتباره مبيعا أو مسقطا، فيبقى لأصحابه إلى أن تصفى الشركة، فيؤول إليه من موجودات الشركة عند التصفية، سواء قلت أم كثرت أم انعدمت، أو يهبه للدولة إن شرط في الشركة أنها تؤول إلى ملك الدولة، وهو ما يعرف بشركات الامتياز، فالحكم على الأسهم بالاستهلاك هو حكم قانوني لا شرعي، وكل ما يأخذه الشركاء من الربح فهم حقهم، سواء أخذوه في صورة ربح ، أم في صورة ثمن للأجزاء المستهلكة من الأسهم.

قيمة الأسهم:
من المعروف أن للسهم أربع قيم هي:
القيمة الأسمية: وهي القيمة التي تكون مبينة في السهم، وذلك عندما يصدر السهم، فإنه يكون بالقيمة الأسمية، أي القيمة التي دفعت لامتلاكه ابتداء، وهذا ما يفرضه الشرع، إذ أن الصك الذي يثبت حصة الشريك في رأس مال الشركة، يجب أن يكون مطابقا للمبلغ الذي ساهم به الشريك حقيقة، خاصة وأنه يترتب على مقدار قيمته الحصة في الأرباح.

القيمة الحقيقية:وهي النصيب الذي يستحقه السهم من صافي أموال الشركة من منقولها وعقارها. فهذه القيمة الحقيقية تختلف بعد ابتداء العمل في الشركة عن القيمة الأسمية. فقد تصبح القيمة الحقيقية أكبر أو أصغر من القيمة الأسمية، حسب ما تصادفه الشركة من نجاح أو فشل في أعمالها.

واعتبار القيمة الحقيقية أمر جائز شرعا، لأنه إن صادفت الشركة نجاحا وتوسعت ونمت أموالها وموجوداتها بالطرق المشروعة ، يكون امتلاك مجموع المساهمين لهذه الزيادة من حقهم، وهو مقصودهم من الشركة. وإن صادفت الشركة خسارة في أعمالها ، فإن قواعد الشرع تقضي بأن يتحمل المساهمون الخسارة كما يأخذون الربح، ولذا فتقل قيمة هذه الأسهم، بحسب حجم الخسارة.

القيمة السوقية: وهي قيمة الأسهم عند عرضها للبيع، والقيمة السوقية تختلف عن القيمة الأسمية وذلك بحسب نجاح الشركة في أعمالها وضخامة موجوداتها، وبحسب رأس مالها الاحتياطي، وبحسب الظروف والأزمات المالية والسياسية، وبحسب الرغبة والأقبال على شرائها، أو عدم الرغبة والإحجام عنها. وهذا أمر جائز شرعا، فللإنسان أن يبيع سلعته بأي سعر يشاء، دون أي قيد عليه، إلا إذا كانت السلعة من الربويات.

القيمة الإصدارية: تلجأ الشركات في كثير من الأحيان إلى إصدار أسهم تباع بأقل من قيمتها الاسمية، وذلك كأن تكون قيمة السهم الأسمية 4 دنانير ، فتصدره الشركة بقيمة 3 دنانير، وذلك بقصد زيادة رأس المال. وهذا أمر جائز شرعا، لأنه في الغالب تكون قيمة السهم الإصدارية قريبة من القيمة السوقية للسهم، والله أعلم .

بيع الأسهم قبل الوفاء بكامل ثمنها: وهذا الأمر جائز شرعا، لأن المشتري بمجرد العقد، وانقطاع الخيارات صار مالكا للسلعة، فجاز له التصرف فيها بما شاء.