تخبط أساسيات سوق النفط
وليد خدوري
من المعروف أنه عندما ينخفض المخزون التجاري النفطي الأمريكي في الموسم الذي من المفروض فيه أن تبدأ الشركات بملء المخزون، من المتوقع أن ترتفع اسعار النفط. الا ان الذي حدث في 19 مايو/أيار كان غريبا، فبعد لحظات من نشر بيان إدارة المعلومات في وزارة الطاقة الامريكية والذي دل على انخفاض مخزون النفط الخام، ولأول مرة منذ أسابيع، انخفضت الأسعار في الأسواق المستقبلية بدلا من ارتفاعها.
ومن المعروف ايضا أنه عندما تعلن الأوبك عن نيتها زيادة السقف الانتاجي، فإن الأسواق تأخذ هذا التصريح عادة بأنه سيزيد من الامدادات النفطية. ومن المفروض في هذه الأحوال ان ينخفض سعر النفط، الا أن الذي حدث قبل 10 أيام تقريبا، وبعيد اعلان وزير النفط السعودي عن نية المملكة اقتراح زيادة السقف الانتاجي للمنظمة حوالي 1،5 مليون برميل يوميا، ارتفعت الأسعار بدلا من أن تنخفض .
ومن المعروف كذلك ان أسعار النفط ترتفع عندما تحاول الشركات شراء حاجتها من النفط ولا تعثر على الكميات اللازمة ومن ثم تحاول أن ترفع من السعر المطلوب الى ان تحصل على مبتغاها، الا ان واقع السوق اليوم، ومن الممكن سؤال أي شركة نفطية، هو أن الدول المنتجة تلبي معظم ان لم يكن كل طلبات الشركات وحسب العقود المبرمة معها. كما لم نسمع في الأسواق عن حصول شحة أدت الى اضطرار التجار إلى زيادة الأسعار من أجل الحصول على البراميل المطلوبة.
هذه هي الوقائع في الأسواق هذه الأيام، وهي حقائق محيرة لا أجوبة واضحة لها، وبالذات في ظل الارتفاع الهائل في الأسعار. لكن هناك حقائق أخرى بدأت تتجلى أمامنا مؤخرا.
فقد أخذ يعترف العديد من الخبراء المعنيين بشؤون الطاقة أن سبب ارتفاع الأسعار الحالي هو الزيادة الكبيرة والسريعة في ارتفاع الطلب على النفط، بالذات في الصين والولايات المتحدة، أكبر دولتين مستهلكتين للنفط في العالم. طبعا السعر النهائي لأي سلعة هو نتيجة توازن العرض والطلب على نقطة معينة. بمعنى آخر انه إذا ازداد الطلب فيجب ان ترتفع كمية الامدادات من أجل المحافظة على استقرار الأسعار.
هذا الكلام صحيح، لكن الذي نشاهده الآن في الأسواق النفطية هو ارتفاع مذهل في الطلب على النفط. وقد فاقت الأرقام المتوافرة في الاونة الأخيرة كل ما كان ينوه عنه في الأشهر بل الاسابيع الماضية، ومن قبل جميع الجهات المختصة.
وعلى ضوء هذا الارتفاع في الطلب، ومن ثم زيادة الأسعار، أخذت تعلو النداءات والانتقادات من قبل كبار المسؤولين الاقتصاديين في الغرب لأعضاء منظمة الأوبك لزيادة الانتاج.
ويتوقع ان يعلن وزراء الأوبك في الأيام القليلة المقبلة زيادة الانتاج. لكن السؤال: ما معنى ذلك؟ وماذا سيحقق؟
الحقيقة ان معظم أقطار الأوبك تنتج اليوم بطاقتها القصوى أو ما هو قريب من ذلك، فالمتوافر من الطاقة الفائضة قليل جدا، ما عدا ما هو موجود في المملكة العربية السعودية ودولة الامارات. أما بقية الأقطار الأعضاء، فيمكن القول إنهم قد وصلوا الى كامل طاقتهم الانتاجية، الشيء نفسه يمكن تأكيده بالنسبة لجميع الأقطار المنتجة من خارج الأوبك. والسبب في صحة هذا القول أنه من غير المتوقع لهذه الدول تفويت الفرصة وعدم الانتاج الى آخر برميل في ظل الأسعار الحالية.
إن الأسواق تعرف هذا الأمر، ولهذا لم تكترث لإعلان المملكة عن زيادة السقف الإنتاجي لمنظمة الأوبك، فالأسواق تريد أن تسمع إعلانا واضحا من الرياض نفسها حول كمية الإنتاج الإضافية التي ستوفرها هي للأسواق، لأن في نهاية المطاف هذا الأمر هو الذي سيقرر ثقة الأسواق بالحصول على كميات جديدة من النفط وبالذات بعد أن أصرت المملكة في الفصل الأول من هذا العام على ان تتخذ منظمة الأوبك قرارا في الجزائر في أوائل شهر فبراير/شباط بسحب الكميات الاضافية من الأسواق وبتخفيض الحصص الانتاجية لأقطار المنظمة ابتداء من أول ابريل/نيسان رغم ارتفاع الأسعار في حينه. لقد غيرت المملكة من تصوراتها حول الأسواق النفطية في الأيام الماضية وتتوقع الأسواق أنها ستزيد مرة أخرى من انتاجها لإعادة الاستقرار الى الأسواق وذلك على ضوء بيانها الأخير، وهذا ما ستراقبه الأسواق بدقة في الأيام المقبلة.
ان السؤال الذي لا يتم التداول فيه كثيرا هو: لماذا انخفضت طاقة الأوبك الانتاجية في الآونة الاخيرة؟ والجواب جاهز: الحروب والصراعات الداخلية وتقليص ميزانيات شركات النفط الدولية وتأكيد المحللين الغربيين تقلص الطلب على النفط وقصف المنشآت النفطية وحالة الإسهال عند بعض أعضاء الكونجرس في تشريع القانون تلو الآخر في مقاطعة الدول النفطية، آخرها سوريا، هذه هي بعض الأسباب لتقليص الطاقة الانتاجية لدى بعض أقطار الأوبك.
كذلك، يجب الا ننسى ما يحدث في العراق، وكيف يمكن ان ننسى ونحن نشاهد المناظر المفجعة يوميا في التلفزة عن مقتل عشرات المواطنين العرب في هذا البلد او ذاك وكأن العرب ليسوا بشرا تنطبق عليهم نفس القوانين الدولية التي تنفذ في بقية أنحاء العالم، ان حالة الفوضى والانسياب والفلتان والعجز والاحتلال التي تهيمن على المنطقة تؤثر على الاستثمارات، ولا يمكن نكران هذا مهما ارتفع الريع النفطي نتيجة لزيادة الأسعار.
فما دامت حالة الحرب في المنطقة، وهناك ثلاث حروب قائمة: ضد الإرهاب وفي العراق وفلسطين، فما دامت هذه الحروب دون أي نتائج ملموسة، فيجب ان نتوقع هذا المستوى من الأسعار، الا أنه في الوقت نفسه يجب أن نعرف ان احد أسباب زيادة الأسعار هو تركيز المضاربين في سوق نيويورك على شراء البراميل النفطية الورقية، وقد بلغت كمية النفط المشتراة أضعاف ما هو اعتيادي في الفترات السابقة. ومن الممكن في أي لحظة لهؤلاء المضاربين، ولأي سبب، ان يبيعوا ما عندهم ويخرجوا من السوق. وهم يتحركون كقطيع الماشية، اي يتبع الواحد الآخر، فمن ثم هناك احتمال لانخفاض الأسعار بشكل كبير في أي لحظة، وهذا ما يجعل سوق النفط اليوم في مهب الريح ومن دون بوصلة.
رئيس تحرير نشرة “ميس” النفطية قبرص
المفضلات