أسباب القفزة الكبرى لأسعار النفط


وليد خدوري *


استمرت اسعار النفط على مستوياتها العالية في الاسبوع الماضي، بل ارتفعت بعض الشيء بعد الحادث الارهابي في مدينة ينبع السعودية، بحيث قاربت اسعار النفوط الامريكية مستوى الاربعين دولاراً. كما استمرت دون هوادة جميع العوامل التي دفعت بهذه الاسعار الى الارتفاع: الطلب العالي على البنزين في الولايات المتحدة والمشاكل الصناعية لتوفير البنزين هناك بعد القوانين البيئية العديدة التي تم تشريعها في السنوات الماضية، هذا بالاضافة الى الطلب العالي على النفوط في الصين نتيجة للنمو الاقتصادي الهائل هناك، وطبعا القلاقل السياسية في الشرق الاوسط وتخوف تجار السوق من الانقطاع المفاجىء للامدادات نتيجة لهذا الحادث او ذاك. الا انه طرأت في الاسبوع الماضي عوامل جديدة لم تكن متواجدة سابقا تركت آثارها في الاسعار وفي التفكير العام المهيمن على الاسواق .

اولا، كان هناك النقاش العلني من قبل مسؤولين امريكيين وسعوديين حول الاسباب وراء ارتفاع اسعار النفط والطرق والوسائل التي يجب اتباعها من اجل استقرار الاسعار على مستويات معقولة اكثر. وهنا برز للمرة الاولى خلاف واضح في وجهات النظر ما بين اهم دولة مصدرة في العالم واهم دولة مستهلكة للنفط دوليا.

ففي ندوة عقدها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ذكر وزير النفط السعودي علي النعيمي اربعة تحديات اساسية تواجه الصناعة النفطية العالمية، وهي:

الارتفاع المستمر وغير المسبوق في الطلب العالمي على الطاقة.

نضوب موارد الوقود الاحفوري التقليدية في العديد من مناطق الاستهلاك الرئيسية.

التشدد المتزايد في الانظمة والقوانين الذي يزيد من تعقيدات وتكلفة انتاج الطاقة واستهلاكها.

الحاجة الى ضخ كميات كبيرة ومستمرة من الاموال في موارد الطاقة.

اما فيما يتعلق بالوقت الحاضر، فقد كرر النعيمي ما قاله في مناسبات سابقة، وهو انه “لا توجد هناك شحة في امدادات النفط الخام اليوم، فهناك نفط كاف في الاسواق”. وقال الوزير السعودي ان المشكلة تكمن في النقص الفاضح في طاقة التكرير الامريكية وعدم تمكن اصحاب المصافي من توفير الانواع الجديدة والمتعددة من البنزين لهذه الولاية او تلك، مما يدفع بالاسعار الى الاعلى ومما يؤثر بدوره في اسعار النفط الخام العالمية. ومما يزيد من الازمة طبيعة الاسواق المفتوحة في أمريكا والمضاربات على النفط كسلعة لجني الارباح السريعة دون الاخذ بنظر الاعتبار اهمية النفط الاستراتيجية وكمية الاستثمارات التي تتطلبها صناعته .

كما ذكر النعيمي، وللمرة الاولى، ان السبب وراء مبادرة الاوبك لاتخاذ قرارها لتخفيض الانتاج في بداية هذه السنة هو اعتمادها على الارقام التي نشرتها وكالة الطاقة الدولية وادارة المعلومات في وزارة الطاقة الامريكية والتي تنبأت بالانخفاض الكبير في الطلب على النفط في الربع الثاني من العام. ولكن، وكما ذكر النعيمي قامت هاتان المؤسستان المهمتان بتغيير توقعاتهما حول الطلب خمس مرات في الاشهر الاخيرة وبعد فوات الأوان.

ورد على النعيمي وكيل وزارة الطاقة الامريكي كايل ماكسلارو الذي قال ان السبب وراء ارتفاع اسعار البنزين هو تخفيض “الأوبك” لانتاجها وليس العكس. واضاف ان ارتفاع الاسعار لا يشجع اصحاب المصافي على القيام بالتخزين اللازم للمنتجات مما يضيف اكثر فاكثر على ارتفاع اسعارالنفط الخام.

والعامل الثاني هو الحادث الارهابي في ميناء ينبع المطل على البحر الاحمر حيث تم الهجوم على شركة هندسية دولية تعمل في مجال الصناعة البترولية ومقتل عدة افراد من الاجانب والسعوديين. فهذا الحادث، الى جانب العملية الفاشلة التي سبقته قبل ايام بمحاولة الهجوم على محطة البصرة النفطية في شمال الخليج، خوّفا الشركات العالمية وتجار السوق من ان العمليات الارهابية اخذت تطاول للمرة الاولى المنشآت النفطية والعاملين فيها. ونتيجة لهذه الحوادث، وبالذات عملية ينبع، اخذت الاسعار ترتفع وتزداد الشكوك حول ضمان الامدادات وسلامة العاملين في الصناعة النفطية في الشرق الاوسط. وعلى ضوء الفلتان الامني الحاصل في الشرق الاوسط عموما والصراعات القائمة هنا وهناك لا يوجد اي بصيص من الامل ان هذه العمليات ستنتهي قريبا او ان الدول المعنية ستستطيع ايقافها بنجاح في كل مرة، وهذا طبعا يوثر في مستوى الاسعار.

اما العامل الثالث والاخير فهو التقرير الاقتصادي الذي نشرته وكالة الطاقة الدولية في 3 أيار / مايو حول تأثير ارتفاع اسعار النفط في اداء الاقتصاد العالمي. وقد صدر التقرير، الذي فيه انتقادات واسعة لمنظمة الاوبك، بعد سنوات من التعاون والتقارب ما بين المنظمتين والتقاء وجهات النظر حول ضرورة استقرار الاسعار وتأمين الطلب، وفيه ادانة واضحة للمنظمة .

تقول وكالة الطاقة الدولية ان “ارتفاع اسعار النفط منذ عام 1999 يعود الى حد ما الى سياسة الاوبك في التحكم بالامدادات النفطية والذي ادى الى انتكاسة الاقتصاد العالمي في عامي 2000 و2001 والذي يؤدي في الوقت الحاضر الى الحد من النمو الاقتصادي في العديد من الدول”. كما يضيف التقرير ان ارتفاع اسعار النفط قد ادى الى انخفاض الناتج القومي الاجمالي العالمي بحدود نصف نقطة نسبية نتيجة لذلك.

هذه جميعها تطورات سلبية جديدة وفي ايام معدودة. والسبب الوحيد انها لا تأخذ ابعاداً سياسية دولية هو ان دول الشرق الاوسط، ومعها الدول الكبرى، لديها ما فيه الكفاية من المشاكل في الوقت الحاضر، الا ان هذا لا يعني ان موضوع ارتفاع الاسعار سيتم نسيانه او انه سيتم التغاضي عنه في المستقبل المنظور.



* رئيس تحرير نشرة ميس النفطية قبرص