فقاعة الدينارمانيا


قبل أن نبدأ مقال اليوم من حقك - كقارئ - أن تفهم أولاً ما هي الدينارمانيا!!

فالدينارمانيا كلمتان اصطدمتا ببعضها قسراً لسبب وجيه.. فالجزء الأول "الدينار" يشير الى العملة العراقية التي تداولها الناس سراً هذه الأيام. والثانية "مانيا" كلمة لاتينية (mania) تعني هوس أو "جنون جماعي" وتلحق بأي ظاهرة تتحول الى هوس جماعي بين الناس - مثل "التيلوبمانيا" و"الببلومانيا" و"التكنومانيا".. بل وحتى "الأسهم مانيا" و"الكورة مانيا" و"الشات مانيا".. !!

والهوس الجماعي - بكافة أنواعه - يبدأ صغيراً ثم ينتشر بين الناس بسرعة قياسية. وكلما زاد انتشاره ارتفعت سمعته (بسبب مبالغات الناس ومزايداتهم) وبالتالي يجذب اليه المزيد من الضحايا. ولكن عند لحظة معينة تصل الفقاعة الى حجمها الأقصى فتنفجر فجأة فيجد الناس أنفسهم وقد خسروا كل شيء.. وهذه الأيام أرى فقاعة جديدة في طور التضخم اسمها "الدينار العراقي" ستصل قريباً لمرحلة الانفجار.. وهي فقاعة تغذيها الشائعات والأمل بالربح السريع بدون ملاحظة الوضع المنهار للاقتصاد العراقي وأحتمال ثبات الدينار عند أرقامه الكبيرة حتى بعد تحسن الأوضاع (وهو ما حصل مع الليرة اللبنانية التي تضخمت قبل عشر سنوات ثم ثبتت عند أرقامها الكبيرة حتى اليوم!!).

@ ومراجعة التاريخ تثبت أن الهوس الاقتصادي - بسلعة ما - ظاهرة تكررت في أكثر من بلد وتاريخ؛ فقد تسببت بانهيار بورصة نيويورك عام 1929؛ وسوق المناخ الكويتي في الثمانينيات، وانهيار الأسواق الآسيوية في التسعينيات، وشركات توظيف الأموال في مصر، وانهيار أسهم شركات الانترنت والاتصالات قبل ثلاثة أعوام.. بل وحدثت في المدينة المنورة قبل عامين حين اشترك معظم الناس في جمعية المليون ثم (بووووم) تبخر كل شيء.

وجميع هذه الحوادث تبدأ كمشروع تجاري ناجح يبشر بالثراء والربح السريع؛ وسرعان ما يلفت انتباه الناس فيروجون له ويتسابقون للاشتراك به (كما حصل مع شركة الريان بمصر التي اعترف رئيسها بأنه في فترة من الفترات كان يستلم ما لا يقل عن 15مليون جنيه في اليوم الواحد).. وما يشجعهم على هذا التصرف رؤية اقربائهم وأصدقائهم وقد حققوا أرباحاً مجزية في وقت قياسي فيشعرون بالثقة والاطمئنان - وقد يساهمون لأكثر من مرة. وبتضخم الهوس لا يلاحظ أحد أن العرض أصبح يفوق الطلب بأضعاف أضعاف - وبالتالي لاتستحق السلعة ما يدفعها فيها. وعند لحظة معينة ينكشف السوق فجأة فتضيع ممتلكات الناس واستثماراتهم (والشاطر من ينسحب قبل انفجار البركان بثوان)!
@ وأول كارثة من هذا النوع - لفتت انتباه الخبراء - حدثت في هولندا بين عامي 1635و 1637.ففي تلك الفترة جلبت من اسطنبول زهرة رقيقة تدعى الـ "توليب" وبسبب ندرتها وشكلها المميز احتكرها تجار الورود وباعوها بسعر كبير. وبارتفاع الأسعار دخل العامة الى السوق وبدأوا يزرعون ويتاجرون بهذه الزهرة الجميلة.

غير أن زهرة التوليب لم تكن تنمو بسهولة في هولندا وكان وصولها للحجم المعتاد حدثا استثنائياً.. أضف لهذا أنها تتميز بظاهرة فريدة وهي أنها (في كل مرة) تنمو بألوان مختلفة ونقوش مميزة يصعب تكرارها.. هذه العوامل الفريدة جعلت اسعارها تقفز بجنون لدرجة أصبح الناس يشترونها بخمسين وستين وسبعين الف جيلدر.

أما الفقراء - ممن أغرتهم المكاسب السريعة - فأصبحوا يقايضون بيوتهم وأبقارهم وممتلكاتهم مقابل زهرة أو زهرتين لا تعيشان لأكثر من أسبوع أو أسبوعين. واليوم لو زرت أمستردام ورأيت بعض البيوت منقوشاً فوق بأبها زهرة التوليب فاعلم أن المنزل بأكمله بيع ذات يوم مقابل زهرة واحدة فقط.. وفي تلك الأجواء المحمومة نسي الناس القيمة الحقيقية للزهرة (التي لا تتجاوز اليوم الثلاثة ريالات) ولم يروا غير الأرباح السريعة والثروات الطائلة التي تتناقلها "الأسماك الكبيرة".. كان بالفعل جنوناً جماعياً (يعرف حتى اليوم بالتيلوبمانيا) انكشف فجأة في فبراير1637فأفلس معظم الشعب بمن فيهم أعضاء الحكومة!

أيها السادة.. أرجوكم.. لا تشاركوا في هوس مشابه!!؟


فهد عامر الاحمدي
الرياض