قصة البترول في الشرق الأوسط هي بداية لعصر جديد لهذه المنطقة ولا يعرف تقدم أو تطور في خلال القرن الماضي إلا وأرتبط إسم البترول فيه ، ونحن في دول الخليج نعتبر أن إكتشاف البترول في هذه المنطقة جعلنا من أهم شركاء التنمية في العالم .

ورغم إهتمام جميع القطاعات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية بوضع البترول وأسعاره وإستمرار إنتاجه ، ورغم إهتمام جميع القطاعات الإنتاجية والخدمية بهذا المنتج إلا أن تاريخ هذا الذهب الأسود يغيب عن معظم المتعاملين معه والمهتمين به . حيث أثار إهتمام الجميع .

وجدتها اليوم فرصة لأعيد التذكير بتاريخ النفط في الشرق الأوسط . حيث كان نفط الشرق الأوسط المصدر الرئيسي لتكدس الثروات في المنطقة وفي الغرب على السواء من جراء حصول الشركات النفطية على إمتيازات التنقيب، وقد حرك العجلة الإقتصادية وحفز الإنشاءات والأعمار ، فتولدت ثروات جانبية أخرى لا تقل أهمية ، لكن من ناحية أخرى فجر العديد من النزاعات والأزمات والثورات بل والحروب . كان نعمة ونقمة في آن ، بدل الوجه الإقتصادي والإجتماعي والسياسي في الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى من العالم رأساً على عقب .

تبدأ قصة النفط في الشرق الأوسط تحديداً في العام 1901م عندما حصل الممول البريطاني "نوكس دارسي" الذي كان يوصف بالـ "رأسمالي من الطراز الأول " من إيران على إمتياز للتنقيب عن النفط ، وكان الشاه "مظفر شاه" مستعداً لمنح الإمتياز لحاجته إلى المال نقداً .

وبعد سنوات من التنقيب وخيبات الأمل أكتشف المهندس "جورج رينولدز" المعروف بـ " السنديانة الإنكليزية الصلبة" في العام 1908م النفط وتم تأسيس شركة النفط الإنكليزية الإيرانية "بريتش بتروليوم حالياً" وأنطلقت عملية تطوير النفط ، في منطقة الشرق الأوسط ، وأدت المكننة السريعة لساحات القتال ، وضمنها المدرعات والطائرات ، إلى جعل النفط مادة إستراتيجية أساسية ، وفي العام 1914م حصلت الحكومة البريطانية على 51% من شركة النفط الإنكليزية ـ الإيرانية ، وفي العام 1928م تم التوصل إلى إتفاق الخط الأحمر مع شركة النفط التركية (العراقية) .

وقد أمم الشاه "رضا بهلوي" شركة النفط الإنكليزية الإيرانية فترة قصيرة ، إلا أنها أستعادت إمتيازها ، وحصلت مع شركة غولف في العام 1934 على إمتياز مشترك للتنقيب عن النفط في الكويت ، فيما كانت قد حصلت شركة ستاندرد أوف كاليفورنيا على إمتياز للتنقيب في السعودية ، وفي العام 1938م تم إكتشاف النفط فيهما وكان قد تم إكتشاف النفط في البحرين في العام 1932م.

أخذ العالم يدرك حجم الثروة النفطية في الشرق الأوسط ، وفي هذه الفترة وتحديداً في العام 1945م ، أجتمع الملك عبد العزيز بالرئيس الأميركي "فرانكلين روزفلت" على متن سفينة أميركية في قناة السويس ، وبعد عامين بوشر بإقامة خط أنابيب النفط السعودي ، وبعد عام تم تأسيس شركة أرامكو من ستاندرد أوف كاليفورنيا (شفرون) مع ستاندرد نيو جرسي (أكسكون) (وسوكوني فاكوم (موبيل) وتكساكو . وفي العام 1950 تم عقد إتفاق مناصفة بين أرامكو والسعودية .

وقد برزت في هذه الفترة أسماء تركت بصماتها واضحة على الصناعة النفطية وفي مقدمتها :

رئيس الوزراء الإيراني "محمد مصدق" الذي أمم شركة النفط الأنكليزية الإيرانية مفجراً أول أزمة نفطية .

"جي بول غيت" الذي أجتمع مع الملك سعود في الصحراء بعدما حمل معه أشرطة "تعلم العربية بنفسك" وأصبح مليارديراً بعد إكتشاف النفط .

"جورج ماك غي" الملقب بـ "الطفل الأعجوبة" الذي حث وزارة الخارجية الأميركية في العام 1950 على الإتفاق مع منتجي النفط في الشرق الأوسط لتقاسم الأرباح مناصفة لإنقاذ شركات النفط من التأميم .

الرئيس "جمال عبدالناصر" الذي أدى تأميمه قناة السويس إلى نشوب الأزمة النفطية الثانية . وفي وقت متقارب وتحديداً في العام 1956م تم إكتشاف النفط في الجزائر ، وقد أعتبر الجنرال "ديغول" أن هذه الحقول النفطية "يمكنها أن تغير كل شيء في قدرنا" بعد عام حصلت شركة النفط العربية اليابانية على إمتياز التنقيب داخل المنطقة المحادية .

في العام 1960م تم في بغداد تأسيس منظمة الأوبيك . وجاء تأسيسها رداً على قرار رئيس مجلس إدارة جيرسي بتخفيض أسعار النفط لمواجهة فورة مبيعات النفط السعودي ، وكان وزير النفط السعودي عبدالله الطريقي " الشيخ الأحمر" وزير النفط الفنزولي خوان باولو بيريز الفونسو من مؤسسي المنظمة . وفجرت حرب الأيام الستة في العام 1967م الأزمة النفطية الثالثة .

وفجرت حرب حزيران في العام 1973م الأزمة النفطية الرابعة ، وأرتفع سعر النفط من 2.9 دولار إلى 11.65 دولار ، مما جعل الأميركيين يقفون صفوفاً طويلة أمام محطات الوقود ، وحمل السناتور هنري جاكسون على إتهام شركات النفط بتحقيق أرباح فاحشة ، وقد تكررت الأزمة لدى سقوط الشاه في العام 1979م .

وفي العام 1979م أنتهت إمتيازات النفط الأجنبية في السعودية والكويت إلى جانب فنزولا . في الفترة ما بين 1979 ـ 1981م حصلت الأزمة النفطية الخامسة إذ أرتفع سعر برميل النفط من 13 دولار إلى 34 دولار ، وفي العام 1986م إنهارت أسعار النفط وفجر الإجتياح العراقي للكويت في العام 1990م الأزمة النفطية السادسة بعد الحرب العالمية الثانية والأولى بعد نهاية الحرب الباردة .

أخي القارئ .. بعد هذه النبذة التاريخية البسيطة عن النفط إلى عام 1990م عاشت المنطقة حالة ركود إقتصادي لأسباب عديدة أهما ديون حرب الخليج وإنخفاض أسعار البترول حتى بدأت الدورة الجديدة لإرتفاع أسعار البترول نتيجة السياسة الحكيمة لحكومة المملكة العربية السعودية لتقود مجموعة الدول المصدرة بخطط أسهمت في وصول الأسعار إلى الأسعار اليومية الآن وسجلت مرحلة جديدة لأسعار البترول دفعت العالم بأكمله إلى العودة إلى البحث عن وسائل وطرق إقتصادية جديدة للنزول والإكتشاف إلا أنه من الصعب جداً التكهن بالبدائل في القريب العاجل وحتى إذا وجدت البدائل فلن تكون بقوة وفعالية وقيمة البترول .