التاريخ : 10/1/1425 هــ
الموافق : 1/3/2004 م
العـدد : 988
شؤون اقتصادية ( جريدة عكاظ الأسبوعية)
أغنى أغنياء العالم .. قيراط حظ ولا قنطار معرفة..!
المصدر : د. طلال صالح بنان - جدة:
عندما طالب الفيلسوف اليوناني أفلاطون قبل ألفين وخمسمائة سنة بأن تكون السلطة, لا الثروة,
من نصيب أصحاب المعرفة فانه كان ينوه, في واقع الأمر, لحقيقة صعوبة ان لم تكن استحالة,
اجتماع الثراء والعلم. وقد تكون محاولته لربط السلطة بالمعرفة من قبيل العزاء بالعائد المعنوي للعلم,
أكثر منه الاعتقاد بأن المعرفة تشكل مصدراً لشرعية ممارسة السلطة.
نقضاً لنظرية أفلاطون: تاريخياً كانت هناك خصومة بين العلم والسلطة في العديد من المجتمعات,
كما كانت هناك جفوة بين الثروة والمعرفة.
العلم, مهما كان الدافع له, فانه ليس بالضرورة أن يكون عائده مادياً... دعك من الزعم بكونه مصدراً للثراء.
نظرة سريعة لقائمة العشرين لأغنى أغنياء العالم, التي أوردتها مجلة فوربز الأمريكية, لهذه السنة,
تُظهِر أن نسبة كبيرة من الاغنياء لم تكمل تعليمها الجامعي,
بل أن نسبة لا يستهان بها ليس لهم سجل تعليمي..
وهناك واحد, على الأقل, لم يكمل تعليمه الثانوي..!
في المقابل نجد واحداً فقط من بينهم يحمل رسالة دكتوراه..
وثلاثة فقط يحملون رسالة ماجستير, بينما لا يتعدى عدد من أنهوا تعليمهم الجامعي أصابع اليد الواحدة..!
كذلك فان التعليم, بمفهومه الرسمي التقليدي, لا يعكس مستوى الذكاء الطبيعي عند الانسان,
ولا ملكاته الذهنية الفطرية... ولا حتى يوفر امكانيات الاستفادة منها.
يأتي في قمة أغنياء العالم أربعة من عباقرة صناعة البرمجيات,
مجموع ثروة هؤلاء الأربعة تبلغ 80 مليار دولار أي ما يوازي خمس ثروة العشرين
الذين جاءوا في مجلة فوربز...
ثلاثة من هؤلاء لم يكملوا تعليمهم الجامعي وتتجاوز ثروتهم 67 مليار دولار, من بينهم, بالطبع,
بل جيتس الذي يتصدر القائمة ويحظى بأكثر من عشر ( 46,6 مليار دولار) من ما يملكه جميع من هم في القائمة..!
ولكن قائمة مجلة فوربز, من ناحية أخرى, تدحض مقولة أن المال لا يساعد على الاستقرار العائلي.
جميع من جاءوا في القائمة عندهم أولاد من زيجات قائمة أو سابقة, اثنان منهم فقط انتهت زيجاتهم بالطلاق..
وقد لا يكون مستغرباً أن هناك سيدة واحدة من بين حالات الطلاق الاثنتين..! المال,
اذن, قد يساعد على استقرار الحالة الاجتماعية, وان كان ليس بالضرورة ان يعكس المستوى الثقافي لصاحبه.
ولكن مثل التعليم, تماماً, تتساوى ملكات جمع المال مع قدرات التحصيل العلمي.
بعيداً عمَّن كان للوراثة دور في تكوين ثروته, من بين قائمة العشرين,
أكثرية القائمة تضم رجالاً عصاميين بنوا ثروتهم بجهدهم.
بالمناسبة السيدات الثلاث في القائمة: حصلن على ثروتهن عن طريق الوراثة.
اشارة أخرى الى أن التعليم لا يقود ـ بالضرورة ـ الى الثراء, أو حتى ضمان عائد مادي كافٍ, ما بالك بالنساء...!
ملاحظات لا تعني بالضرورة عدم جدوى التعليم..
وان كان التعليم بمعناه التقليدي ليس المجال الوحيد لاظهار ملكات الانسان وقدراته الفطرية.
الحظ يمكن أن يكون له دور كمصدر للثراء... الأمر الذي يختلف في حالة التعليم.
الانسان يمكن أن يرث الثروة, ولكن لا ينتقل اليه العلم عن طريق الميراث...
ولعل هذه ميزة التعليم الأساسية,
التي حاول الفلاسفة من أمثال أفلاطون أن يبرزوا من خلالها ثروة العلم التي لا تُقدر بمعايير الثراء المادي التقليدية.
ترى هل يكفي هذا عزاءً للمتعلمين..!?
والله الموفق .
المفضلات