http://www.alwatan.com.sa/daily/2003.../economy08.htm
نشرت صحيفة "الوطن" في عددها رقم (1021) بتاريخ 17 يوليو 2003م تحت عنوان: "دراسة تطالب السعودية بعدم مسايرة بعض أعضاء أوبك لرفع أسعار النفط"
ما يلي: "ذكرت دراسة أصدرتها غرفة تجارة الرياض حول اتجاهات أسواق النفط العالمية وتأثيرها على التطور الاقتصادي في المملكة أن السعودية يمكنها إن تستخدم ثقلها النفطي للضغط على دول أوبك إذا لزم الأمر بهدف الحفاظ على سعر معتدل للنفط " وقد حذرت الدراسة من تأثيرات ارتفاع أسعار النفط على مصالح السعودية الاستراتيجية.
هذه الدراسة لا تعدو أن تكون نموذجا واحدا لما اعتدنا أن نقرأه أخيرا في الصحف عن دراسات تصدر بين الفينة والأخرى من جهات تسمي نفسها مراكز دراسات متخصصة في اقتصاديات البترول تنادي المسؤولين عن اتخاذ القرار في المملكة بالمحافظة على بقاء أسعار البترول منخفضة بحجة أن احتياطي المملكة النفطي يقدر بربع الاحتياطي العالمي وبالتالي فإن ارتفاع الأسعار سيؤدي إلى تشجيع التنقيب عن البترول في الدول الأخرى و تطوير البدائل مما يؤدي إلى أن يصبح بترول المملكة مادة مخزونة تحت الأرض لا يستفاد منها.
وأقل ما يمكن أن توصف به هذه الدراسات التي تطالب المملكة بعدم زيادة أسعار البترول، على الرغم من توفر حسن النية في إعدادها، بأنها دراسات مضللة لأنها تتنافى مع المبادئ الأولية لعلم اقتصاديات الموارد الناضبة.
ولما كان إجماع هذه الدراسات على التوصية بزيادة الإنتاج بدلا من زيادة السعر يؤثر سلبا على اتخاذ القرار السليم فينضب بترول المملكة قبل أن تتمكن من تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة توفر لها مداخيل بديلة عوضا عن دخل البترول. لذا فإن لفت الانتباه إلى مدى الخطأ السائد في مثل هذه الدراسات واجب ولا يجوز السكوت عليه. في دراسة أعدها مركز اقتصاديات البترول تم فيها تطبيق مبادئ نظرية استغلال الموارد الناضبة على استخراج بترول المملكة توصلت إلى النتائج التالية:
ـ زيادة أسعار البترول تؤدي إلى زيادة الطلب على بترول المملكة لأن سعر نفطها يلعب دائما دور اللاحق لا السابق في مضمار صعود الأسعار.
ـ زيادة أسعار البترول ليست هي السبب في تطوير بدائل مصادر الطاقة (بل على العكس يؤدي بشكل غير مباشر لتأجيل تطويرها) وإنما السبب في تطوير البدائل هو قصر عمر البترول.
ـ المملكة لا تستطيع الضغط على دول أوبك لتخفيض السعر إلا لسنوات قليلة. تعود بعدها الأسعار إلى الزيادة بشكل حاد بعد استنزاف بترول المملكة.
ـ المملكة هي الخاسر الأكبر من انخفاض سعر البترول لأن ضخامة خسارتها بضخامة حجم احتياطيها. فانخفاض السعر بمقدار دولار واحد يؤدي إلى أن تخسر المملكة 262 مليار دولار (أي بمقدار يعادل ميزانية المملكة خمس سنوات).
هذه المفاجآت المذهلة ـ التي توصلت إليها دراسة مركز اقتصاديات البترول ـ تقلب نتائج الدراسات التي تطبق نظرية الإنتاج على استخراج البترول رأسا على عقب وبالتالي تفرض علينا إظهار الحقائق حتى لا يتمادى من يسمون أنفسهم خبراء في إصدار دراسات يتناقلون نتائجها وتوصياتها مسبقا بدلا من إجراء دراسات مبنية على التحليل العلمي.
وسنستعرض الآن على التوالي بشكل موجز التحليل العلمي للنتائج الأربع المذكورة أعلاه:
النتيجة الأولى: يؤدي ارتفاع سعر البترول ـ سواء على المدى القصير أو حتى على المدى الطويل ـ إلى زيادة الطلب على بترول المملكة وليس خفضه لأنه على المدى القصير يلعب سعر بترول المملكة دور اللاحق (وليس السابق) في ارتفاع السعر العالمي للبترول، فوفقا لـ "السيناريو" الذي يحدث في السوق هو أن تبدأ أسعار بترول الدول الأخرى في الارتفاع أولا فيتحول الطلب من بترول الدول التي زاد سعرها إلى بترول المملكة وتتجاوب المملكة بزيادة إنتاجها لتلبية الطلب بحكم إنها الدولة الوحيدة التي تحتفظ بطاقة إنتاج فائضة مخصصة لهذا الغرض. فإذا كان حجم زيادة الطلب على بترول المملكة أسرع وأحيانا أكبر من طاقتها الإنتاجية على التجاوب يبدأ سعر بترولها مضطرا إلى مسايرة ارتفاع سعر المؤشر واللحاق تدريجيا بالاتجاه العام لأسعار البترول. إذن على المدى القصير فإن كل ارتفاع في سعر البترول يؤدي إلى تحول الطلب من بترول الدول الأخرى إلى زيادة الطلب على بترول المملكة.
لكن ماذا عن المدى الطويل أَوَ ليس ارتفاع السعر "يشجع شركات النفط على التنقيب في الأماكن التي تعد مرتفعة التكلفة" ـ على حد تعبير دراسة غرفة تجارة الرياض ـ وإغراق السوق بالبترول فينخفض الطلب على بترول المملكة؟ والجواب على هذا السؤال أيضا بالنفي. لأن التنقيب لا يعني الاكتشاف، فالبترول لا يمكن للشركات إنتاجه في المصانع عندما ترغب في صناعته بل هو موجود بكميات محدودة ومعروفة أماكن وجوده (أي تم اكتشافه تقريبا) وتنقيب الشركات لن يؤدي إلى زيادة الكمية المخزونة ـ منذ الأزل ـ في قاع الأرض. ولكن قد يؤدي فقط إلى المراجعة وتجميع معلومات أكثر دقة عن: كمية الاحتياطي، ونوعية البترول، والخصائص الجيولوجية للحقول، وطرق الاستخراج الملائمة التي تتناسب مع طبيعة تكوينات المكمن وتقدير تكاليف الاستخراج. وتكاليف التجهيزات اللازمة للطاقة الإنتاجية المزمع إنشاؤها.
لكن المفاجأة التي لم يسمع بها هؤلاء الخبراء أن مبادئ نظرية الموارد الناضبة تقول: إنه ليست من مصلحة شركات البترول أن تبدأ باستخراج البترول الذي تكتشفه في المناطق عالية التكاليف بشكل تجاري قبل أن ينضب (أو ترتفع تكاليف استخراج) البترول في المناطق منخفضة التكاليف حتى لا تتعرض لخسارة كل ما أنفقته على إنشاء رأسمالها الثابت في المناطق عالية التكاليف لو لم تحافظ الأسعار على مستوى ارتفاعها على المدى الطويل.
إن مصلحة المملكة تقتضي أن ترتفع أسعار البترول إلى الحد الذي ندفع فيه الشركات دفعا إلى أن تبدأ بالتنقيب واستخراج البترول من المناطق عالية التكاليف فيصبح من مصلحة الشركات أن تدافع عن ارتفاع الأسعار حتى تتمكن من تغطية تكاليفها وتسديد ما اقترضته من أموال باهظة لتطوير حقول البترول في هذه المناطق. وبالتالي سيخف الضغط على المملكة ومطالبتها باستنزاف بترولها كلما زاد احتياج العالم للبترول بحجة أن المملكة لديها أكبر احتياطي و عليها أن تضحي بنصيب أجيالها المقبلة لإنقاذ اقتصاد العالم من الانهيار.
الدرس الأول الذي يجب استيعابه جيدا هو: أن زيادة إنتاج بترول المملكة يعني تقصير عمر بترولها وادخار بترول العالم الآخر للمستقبل. فهل رأيتم أحمق من خبير يوصي دولة بأن تبدد ثروة أجيالها المقبلة بأبخس الأسعار لينعكس الوضع وتصبح أجيالها المقبلة عرضة للتسول من الأجيال المقبلة في الدول الأخرى التي تمكنت ـ بفضل البترول ـ من تحقيق تنمية اقتصادية مستديمة؟
النتيجة الثانية: السبب الحقيقي هو ظاهرة النضوب ـ وليس ارتفاع السعر ـ لإيجاد البديل:
حتى لو تم توزيع بترول المملكة بالمجان فلن يؤدي هذا إلى أن يتخلي العالم عن إيجاد البديل بل العكس يجعل الحاجة إلى إيجاد البديل أكثر إلحاحا. لماذا؟ لأن العالم الصناعي يعرف أن البترول عمره قصير وكلما زاد معدل استخراجه كلما اقترب يوم نضوبه فإذا لم يتمكن العالم من إيجاد البديل قبل نضوب البترول سينهار اقتصاد العالم. وببساطة فإن عمر البترول مرتبط بمعدل الإنتاج، فكلما زاد معدل استخراج البترول كلما قصر عمره ودعت الحاجة إلى تعجيل الحصول على البديل. والعكس صحيح فكلما انخفض معدل استخراج البترول كلما طال عمره وقلت الحاجة إلى سرعة إيجاد البديل. إذن أَوَ ليس ارتفاع السعر يؤدي إلى ترشيد الاستهلاك و تطويل عمر البترول وبالتالي يجعل العالم ليس في عجلة من أمره لإيجاد البديل؟ وللأسف الشديد حتى هذه البدهية البسيطة في صلب نظرية اقتصاديات الموارد الناضبة لم يستوعبها معدو تلك الدراسات.
إن ارتفاع السعر ظاهرة طبيعية تقوم بدور جهاز المناعة الذي يطيل عمر المورد الناضب. وهذه الظاهرة هي من المبادئ الأولية وتعرف في نظرية الموارد الناضبة باسم: القاعدة الذهبية ولكن البروفيسور سولو (الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد) يفضل أن يطلق عليها اسم: مبدأ الأساس الجوهري وهذا الشرط الأساسي ينطبق تماما على ما نراه يحدث في أرض الواقع فكل دولار خفض ـ عن عمد مقصود ـ في سعر الخام لابد من أن يليه زيادة دولار في معدل الضريبة حتى يعود التوازن إلى سوق البترول. وهذا يعني في العرف الاقتصادي أن الضغط على الدول الأخرى لخفض سعر بترولها هو معونة (على شكل فتح الباب واسعا لفرض الضرائب على البترول) تقدمها (سواء طوعا أو كرها) حكومات الدول الفقيرة المالكة للبترول ـ على حساب نصيب أجيالها المقبلة لتزداد فقرا ـ لحكومات الدول المستهلكة الغنية لتزداد غنى و تنفق جزءاً منها على إعانة وتطوير البدائل.
وعلى الرغم من أن بعض الجيولوجيين المتخصصين بشؤون البترول (لاسيما المتقاعدين الذين اكتسبوا خبرتهم العملية من العمل في مصلحة المسح الجيولوجي الأمريكية USGS وهي أكثر الجهات مؤهلة لتقدير احتياطي البترول في العالم) يرسمون صورة أكثر تشاؤما لاحتياطي بترول العالم إذ تشير الإحصائيات المتداولة إلى أن احتياطي العالم من البترول يكفي وفقا لمعدل الاستهلاك الحالي 40 عاما. ولكن هذا لا يعني أن المشكلة لن تبدأ إلا بعد أربعين عاما لأنه ـ حتى مع افتراض صحة هذه الإحصائيات ـ فإن معدل استخراج البترول ـ لأسباب جيولوجية ـ سيبلغ الذروة خلال الـ 15 عاما المقبلة ثم يبدأ بالانخفاض القسري. ولذا فإنه إذا لم يتمكن العالم منذ الآن، بغض النظر عن سعر البترول، من ترشيد الاستهلاك و التحول التدريجي من البترول إلى مصادر الطاقة البديلة فإنه سيفاجئنا العالم في وقت أقرب مما نتصور بمطالبتنا بزيادة إنتاج البترول.
وبالرجوع إلى الكتابات العلمية الجادة فلن نجد دعوة واحدة تدعو إلى إيجاد البديل بحجة أن سعر البترول مرتفع ولكنها جميعها تدعو إلى إيجاد البديل بأسرع ما يمكن (حتى لو انخفض سعر البرميل إلى الصفر) لأن البترول معرض للنضوب. فارتفاع سعر البترول ليس إلا مجرد ظاهرة للنضوب وليس سببا كافياً للتحول عنه كمصدر ما زال يُعَدُّ أجود وأرخص وأكثر أماناً من أنواع الطاقة ذات المصادر الخطرة وتكلف أضعاف سعر البترول (حتى بعد فرض الضرائب).
إن الذي يدفع العالم إلى استخدام الطاقة النووية معرضا الحياة بكاملها إلى الخطر، والذي يدفعه إلى اجتثاث الغابات واقتطاع المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية وشواطئ البحار ليقيم في مكانها طواحين الرياح التي تشوه الطبيعة وتنتهك هدوء المتنزهات ليس هو ارتفاع السعر ولكنه النضوب.
الدرس الثاني: ليس من مصلحة الشركات الترويج إلى التحول إلى بدائل البترول طالما أنه ما زال يوجد لديها بترول لم تستخرجه بعد يدر عليها أرباحا طائلة لا يمكن أن يدرها مصدر آخر للطاقة. وليس من مصلحة حكومات الدول المستهلكة أن تتوسع باستخدام البدائل حتى لا تفقد مصدراً ـ لم تكن تحلم يوما بالحصول على مثله ـ لحصد الضرائب. ولكن من مصلحتنا نحن فقط أن يبدأ استخدام البدائل حتى لا يضطرنا العالم إلى أن ننتج أكثر من طاقة آبارنا على الإنتاج. (اسألوا مدينة الملك عبد العزيز للتقنية لماذا استماتت ذات يوم لتطوير الطاقة الشمسية عندما طالب الكونجرس الأمريكي أرامكو ـ قبل سعودتها ـ بزيادة إنتاجها إلى 20 مليون برميل في اليوم؟. الشيء الوحيد الذي يجب أن نخشاه هو النضوب وليس التحول إلى بترول بحر قزوين أو بحر الشمال أو حتى حوض أورنكو.
اطمئنوا لن يتخلى العالم عن بترول حقل الغوار وفيه قطرة ما زال من الممكن استخراجها من قاع البئر.
المفضلات