قبل أن يتخلف أقوى الاقتصادات الشرق أوسطية عن الركب العالمي!! ( 2- 2)
د.فهد بن صالح السلطان
رأينا في الحلقة الماضية كيف أن المستقبل يبدو قاتما حسب تقرير البنك الدولي وكيف أن البطالة تمثل التحدي الأكبر لراسم السياسة الاقتصادية ومن ثم رأينا ما حققته الامارات العربية "النموذج" وفقا للتقرير، يمكن أن نخلص من خلال الاستعراض السابق الى اننا بحاجة الى ثلاث أدوات لتحقيق ثلاثة تحولات رئيسية مطلوبة حسب البنك الدولي وذلك على النحو التالي:
أولا: تنمية الصادرات:
التحول من اقتصادات نفطية إلى غير نفطية، حيث اننا بحاجة الى كسر احتكار البترول واستحواذه على حصة الأسد من مصادر دخلنا، حتى نهاية القرن الماضي لم تتجاوز الصادرات غير النفطية للمملكة 11% من اجمالي صادراتها، حيث بلغت نحو 20مليار ريال، فيما بلغت مساهمة النفط في الموازنة الحكومية اكثر من ثلاثة ارباع الدخل مما يجعل خطط وبرامج التوظيف عرضه لتأرجحات اسواق البترول العالمية، لذلك فان العمل على تصحيح واعادة هيكلة ميزاننا التجاري وتسويق منتجاتنا المحلية ذات الميزة النسبية والتنافسية، وخلق منتجات محلية قادرة على المنافسة عالميا من شأنه ان يخلق المزيد من فرص العمل الأكثر استقرارا داخل السوق السعودي، ويتطلب ذلك معالجة العديد من المعوقات المتمثلة في ضعف المعلومات المتوفرة عن الاسواق الخارجية ونقص الخبرات التسويقية المتوفرة لدينا في الخارج وارتفاع تكلفة انتاجنا المحلي وغياب الاستراتيجية الواضحة للتسويق وعدم وجود هيئات مستقلة لتنمية الصادرات، يضاف الى ذلك المنافسة الحادة التي يواجهها المنتج السعودي في الأسواق المحلية والخارجية.
ثانياً: اعادة هيكلة قطاع التجارة:
في اتجاه بناء قاعدي لتفعيل انشطة اقتصادية موجهة للتصدير بدلا من الاحلال الحمائي للواردات فنحن بحاجة الى اعادة هيكلة القطاع التجاري الذي يوفر حاليا اكثر من مليون فرصة عمل ويسهم بـ 7.5% في الناتج المحلي ويستوعب 15% من اجمالي القوى العاملة، هذا القطاع يستطيع استيعاب المزيد من قوة العمل الوطنية... غير ان الوقت ربما يكون قد حان لاعادة هيكلة القطاع حتى يتمكن من استعادة توزانه وتكييف نفسه مع متطلبات المرحلة القادمة، يستدعي هذا تطوير الأنظمة التجارية المعمول بها لدينا وتحقيق المزيد من الشفافية لها ومن أهم الأنظمة التي علينا تسريع وتائر تطويرها الانظمة التي تحكم النشاط التجاري.
المنشآت الصغيرة والمتوسطة:
يعتقد ان انظمتنا قد شجعت على تكوين المنشآت الصغيرة والمتوسطة أكثر من المنشآت الكبيرة مما جعلها تمثل أكثر من 90% من المنشآت السعودية وتوظف أكثر من 82% من حجم القوى العاملة في القطاع الخاص، غير ان هذه المنشآت ادت ما عليها طيلة العقود الماضية من التنمية التي شهدتها المملكة، ان علينا اذن تطوير اداء هذه المنشآت من جهة وايجاد هيئة ترعى شؤونها من جهة أخرى، وتشجع اجراءات تكوين شركات مساهمة وتسهيل قواعد تحول منشآتنا الصغيرة القائمة او شركاتنا العائلية الى شركات مساهمة كبيرة من جهة أخرى وكذلك تشجيع الدمج والاندماج بين المنشآت الصغيرة والمتوسطة في كيانات كبيرة، فهذا زمن الاندماجات والشركات العملاقة الأقدر على تجميع المدخرات وتوظيفها وخفض تكاليف الانتاج والتسويق والاستفادة من وفورات الحجم وبالتالي لها القدرة التنافسية عالميا ومن ثم ضخ مصادر دخل جديدة للاقتصاد السعودي يمكن من زيادة المصادر غير النفطية من جهة وتوفير فرص جديدة للعمل للسعوديين سواء في هذه الشركات أو شركات خدمية أخرى مساندة لها في التسويق داخليا وخارجيا.
إن إعادة هيكلة قطاع التجارة سيكون ذا فاعلية اكثر اذا صاحبه تدفق استثمارات جديدة مستفيدة من البيئة الجاذبة للاستثمارات والمناخ المواتي خاصة بعد التطورات الملموسة في أنظمة وقواعد الاستثمار بالمملكة وانشاء هيئة خاصة تعنى بهذا القطاع الهام، كما أن تشجيع الاستثمار هو الوجه الآخر لـ "السعودة" ذلك أن خلق فرص جديدة من خلال الاستثمارات تعتبر من الأدوات المهمة في توظيف الشباب السعودي بحث تكون رافدا لعملية احلال السعوديين في وظائف كانت شاغرة بالوافدين، هذه الاستثمارات لديها فرص كبيرة خاصة اذا كانت في قطاعات واعدة مثل قطاع التعدين والسياحة والتأمين والاتصالات وتقنية المعلومات وغيرها من القطاعات التي تحظى فيها المملكة بمزايا نسبية وتنافسية كبيرة.
ثالثا: الخصخصة:
واخير فان زيادة وتيرة الخصخصة وتفعيل دور القطاع الخاص بمنحه الفرصة لتملك وادارة المزيد من المنافع الاقتصادية وتقليص دور القطاع العام في كافة أوجه النشاط التي يمكن للقطاع الخاص الاضطلاع به من شأن ذلك ان يحد من الأنشطة التي تتولاها الدولة، كما ان ادارتها على أسس تجارية يزيد من كفاءتها وقدراتها على المنافسة الخارجية، والخصخصة من جانب آخر ستزيد من الكفاءة الانتاجية.
وختاما فان التحديات كبيرة وماهو أخطر منها هو عدم مواجهتها او التقليل من حجمها، لذا فان الامر يتطلب قراءة معطيات الفترة الحرجة التي يعيشها الاقتصاد العالمي بوجه عام واقتصادنا الوطني على وجه الخصوص والتعامل معها باسلوب عملي منهجي يقوم على تقديم المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، املا في ان يمتد بحر الخير والرفاه الذي نهل منه جيلنا ومن سبقنا منذ تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه والله الهادي إلى سواء السبيل.
@أمين عام مجلس الغرف السعودية
المفضلات