رفضت فنزويلا العودة الى احضان التبعية للسياسة الاميركية وخرجت مرة جديدة من امتحان اخضاعها اكثر قوة وتمسكا باستقلالها السياسي والاقتصادي الذي شكل عماد السياسة التي انتهجها الرئيس الفنزويلي المنتخب هوغو شافيز.

ولكن الامر الذي فاجأ المراقبين ان الانقلاب الذي قاده فيما هو واضح رجال الاعمال او الشريحة المتضررة من سياسة شافيز لم يصمد اكثر من 48 ساعة في السيطرة على الحكم امام غضب الجماهير الفنزويلية التي نزلت الى الشوارع بكثافة لمساندة رئيسها المنتخب شافيز ولتعيده مجددا في استفتاء جديد الى السلطة .

لكن ما حصل طرح العديد من التساؤلات حول الدوافع الحقيقة وراء الانقلاب والدعم الاميركي له وسرعة الاطاحة به وعودة شافيز الى السلطة مجددا ودلالة ذلك:

اولا: في دوافع الانقلاب:

يجمع المحللون للوضع في فنزويلا على وجود عدة عوامل وراء هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة اهمها:

1- الصراع على قطاع النفط في البلاد حيث تعتبر فنزويلا من اوائل الدول المصدرة للنفط باحتلالها المرتبة الرابعة عالميا وتشكل ايضا ابرز المصدرين الى الولايات المتحدة وقبيل الانقلاب اصدر الرئيس الفنزويلي شافيز قرارا بتنحية مجلس مديري شركة النفط الحكومية في البلاد.

وكان واضحا ان هذا الاجراء يعارضه كل من رجال الاعمال والولايات المتحدة على حد سواء باعتباره يندرج في سياق الاجراءات التي اعتمدها شافيز لوضع حد لسياسات التبعية للخارج التي كانت تنتهجها الحكومات السابقة وادت الى احكام السيطرة الاميركية على قطاع النفط في فنزويلا حيث تشكل ادارة الشركة السابقة اداة هذه السيطرة التي تستفيد منها ايضا قلة من رجال الاعمال الذين يستولون على قسم كبير من عائدات النفط على حساب الشعب الفنزويلي الذي يعاني من تدني مستويات دخله بالقياس الى احتياجاته الاساسية، وبالتالي هذا ما يفسر ان الانقلاب الفاشل بدأ عبر تدبير احتجاجات وتنظيم اضراب في شركة النفط الحكومية اثر صدور قرار شافيز باقالة مجلس ادارة الشركة .

2- اعتماد شافيز سلسلة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي حدت من حجم التفاوت الاجتماعي في البلاد وادت الى تحسين وضع الفئات الفقيرة والمحدودة الدخل مما دفع الفنزويليين الى اطلاق لقب «ابو الفقراء» على رئيسهم شافيز .

3- انتهاج شافيز سياسة مستقلة ليس فقط على الصعيد الاقتصادي لجهة ازالة مظاهر التبعية للخارج بل وايضا لناحية السياسة الخارجية حيث اخذ مسافة واضحة من الولايات المتحدة عندما اقام علاقات وطيدة مع دول تعتبرها الادارة الاميركية معادية مثل كوبا وايران والعراق وكوريا الديمقراطية الامر الذي جعل من فنزويلا شوكة ثانية بعد كوبا في خاصرة اميركا .

ثانيا: غير ان سرعة فشل الانقلاب على شافيز شكل ضربة موجعة للادارة الاميركية التي سارعت بداية الى تأييد الانقلاب بقوة، فعودة شافيز تعني انه يحظى بتأييد شعبي واسع في بلاده نابع من حجم الانجازات التي تحققت في عهده على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي يؤشر ذلك الى مدى شعبية السياسات التي ينتهجها .

ثالثا: ان ما حصل يدل على ان الولايات المتحدة ليست كلية الجبروت والقدرة على اخضاع الشعوب لهيمنتها فعندما تتوافر الارادة الوطنية المستقلة التي تحظى بتأييد الشعب في اي بلد من بلدان العالم فان اميركا لا تسطيع فعل اي شيء .

وعندما حاولت تغيير نظام حكم شعبي في فنزويلا عبر انقلاب ألبسته ثوب الديمقراطية المزيف فشلت فشلا ذريعا وارتد عليها الامر بمزيد من السلبية حث عزز ذلك من اصرار شافيز على الاستمرار في سياسته الشعبية التي اعادته الى الحكم وتجلى ذلك في اقدامه مباشرة على تنفيذ قرار تنحية مجلس ادارة شركة النفط الحكومية بما يعزز استقلالية سيطرة الدولة على هذا القطاع الحيوي وتخليصه من براثن السياسات السابقة كما سوف يؤدي ذلك الى تعزيز علاقة فنزويلا بكوبا التي كانت اول الفرحين بعودة شافيز مما يعني ان حلفا قويا سوف يقوم بين الدولتين في اميركا اللاتينية يشكل سندا لحركات التحرر من التبعية الاجنبية في المنطقة ومؤشرا على تراجع النفوذ الاميركي .

وهذا يدلل على ان واشنطن تواجه المصاعب والمشاكل في كل انحاء العالم من اميركا اللاتينية الى افغانستان والفلبين والمنطقة الغربية حيث يزداد العداء للسياسة الاميركية الساعية الى بسط هيمنتها بالقوة متجاهلة حق الشعوب في التحرر والاستقلال والسعي الى التقدم والازدهار بعيدا عن الهيمنة والتسلط .