( المبادلات التجارية بين العرب وأمريكا لا تزيد على 3% )
( المقاطعة لن تفيد واستخدام سلاح النفط يضر بالعرب قبل غيرهم )
كثرت في الآونة الأخيرة المطالبة في الشارع العربي بمقاطعة البضائع الأمريكية واستخدام سلاح النفط والتي ترددت أصداؤها في الفضائيات وحتى تلك التي خاضت في اتجاهات بعيدة عن أحوال الأمة..!! ولكن هل تلك الدعوات التي تنطلق في الشارع العربي مدركة لمغبة استخدام النفط كسلاح وهل هو مجدٍ لصالح قضايانا ولتحقيق الأهداف المرجوة من ورائه أم إنه يخفي خسائر وأضرارا تضر بالعرب على كافة المستويات وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي من أجلها تتجدد المطالب حيال كل اعتداء يقع ويُمارس من قبل السلطات الإسرائيلية مع المدنيين من الفلسطينيين لن يكون آخرها مجزرة " جنين"، وكذلك هل سُتحدث المقاطعة للبضائع الأمريكية المأمول من ورائها أم إنها سلاح معنوي لا أكثر نشهره من باب "أضعف الإيمان"؟
ترى د. هيفاء جمل الليل عميدة كلية عفت الأهلية أستاذ مساعد إدارة عامة سياسة عامه أن استخدام النفط كسلاح يضر بالعرب قبل غيرهم حيث إن لكل عنصر موازينه في العصر الحالي والعوامل المكونة له ومؤثراته المختلفة عن العصر الذي استخدم فيه النفط كسلاح في حرب 73 م حيث توافق مع المعطيات والظروف العالمية آنذاك حيث كان العالم الصناعي يعتمد اعتماداً كلياً على النفط في صناعاته، كما أن العالم الغربي لم يكن مستعداً لهذه المفاجأة من الدول المصدرة لذلك كان تأثير النفط كسلاح قوي وفعال في تلك الآونة.
أما الآن في عصرنا الحاضر فالعالم الغربي استفاد من هذه التجربة وتبنى خططا بديلة ومصادر أخرى للطاقة ورفع احتياطات المخزون النفطي بطريقة تمكنه من مواجهة مثل تلك التحديات فقل اعتمادهم على البترول كمصدر وحيد للطاقة.
أما من ناحية الدول المصدرة للبترول فعائد الدخل النفطي يمثل الأساس إن لم يكن المصدر الوحيد لدخلهم، ولقد استخدمت عائدات هذا النفط في وضع خطط تنموية طويلة الأجل للنهوض باقتصادها ومصالح شعبها ولرفعها إلى مصاف الدول المتقدمة، هذا أدى إلى اعتماد معظم هذه الدول على التعامل مع العالم الصناعي خاصة لعدم وجود الإمكانات المادية والخبرات البشرية ذات الكفاءة في الميادين المطلوبة، هذا ناهيك عن التقلبات الاقتصادية والسياسية التي عاشتها المنطقة في الحقبة الزمنية الماضية وما تعيشه حالياً مما ساهم في تكوين مديونيات وأعباء على هذه الدول وأصبح استخدام النفط للضغط على الدول الصناعية الكبرى سلاحا ذا حدين إن لم يكن أكثر حدة على العرب منه على الدول الأخرى الصناعية!
وتؤيد د. نورة اليوسف رئيسة قسم الاقتصاد في جامعة الملك سعود ومستشارة لوزارة النفط نفس التوجه مبررة ذلك فيما له علاقة بالسعودية بوجه خاص: بأن السعودية تعتمد على النفط كمصدر رئيسي للدخل وتلعب واردات النفط دوراً أساسياً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للسعودية، وللتعامل مع النفط كسلاح يجب مراعاة العواقب التي تترتب على ذلك، حيث تمثلت صادرات السعودية من النفط حوالي 12% من مجموع النفط في العالم لعام 2001م، وحسب تنبؤات الوكالة الدولية للطاقة فإنه يتوقع أن يرتفع نصيب السعودية من الإنتاج العالمي إلى حوالي 19% في عام 2020م، كما تملك السعودية ما يقارب ثلث احتياطي العالم، من هذا نتبين أنه من صالح الأجيال القادمة على الحفاظ على النفط كمصدر رئيسي للطاقة.
وإذا عدنا للماضي القريب فان ارتفاع الأسعار في السبعينات أدى إلى زيادة الاستثمار في قطاع إنتاج البترول واستخراج النفط من المناطق الصعبة ومرتفعة التكاليف (البرازيل - بحر الشمال- ألاسكا- غرب إفريقيا) والتي كانت غير مجدية اقتصادياً قبل ارتفاع الأسعار، كما جرت محاولات لتطوير بدائل للنفط وترشيد استهلاك النفط، مما أثر على الطلب على النفط وأدى إلى انخفاض السعر إلى مستويات منخفضة أدت إلى أن تعاني الدول الرئيسية لتصدير النفط من عجز في الميزانية وانخفاض في إيراداتها النفطية، ولهذا فإن أي صدمة أخرى لسوق النفط سوف تؤدي إلى عواقب عكسية من آثارها ازدياد عملية الابتعاد عن نفط دول الشرق الأوسط باعتبارها مناطق غير مستقرة مما سيفضي إلى محاولة لتطوير مصادر أخرى للنفط وبدائل للطاقة وسوف تكون السعودية أكثر الدول معاناة من هذه السياسة.
لذا فانه من الصالح العام أن تسعى السعودية إلى تمديد فترة استخدام النفط كمورد رئيسي للطاقة لسنوات طويلة وذلك لما ذُكر أعلاه من معلومات تختص بأهميته كمصدر أساسي للدولة.
وبالعودة إلى صوت الشارع العربي المطالب بمقاطعة البضائع الأمريكية وما جدوى تلك المطالبات وتجددها من حين لآخر أشارت د. اليوسف: بأن لسياسة المقاطعة تأثيرا معنويا بأكثر من كونه تأثيرا اقتصاديا والسبب يعود لكون اقتصاديات العالم في تداخل، كما إن الاقتصاديات المحلية أكثر اتصالاً بالاقتصاديات العالمية نتيجة لزيادة حجم التعاون بين الحكومات المختلفة ونتيجة لقوانين تحرير التجارة العالمية.
وأضافت أن هذا التداخل يشمل كل الدول معاً وأن السلع في حركة، فقد يتم تصنيع قطع في دولة وتكمل صناعتها في دولة أخرى، كما أن هذا التداخل لا يشمل فقط ما نستورده من قطع بل يتضمن ما نصدره وأن نسبة التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة تساوي 17%، أي أن مجموع ما نصدره ونستورده من أمريكا إلى مجموع صادراتنا ووارداتنا الكلية يساوي 17% وتمثل أمريكا الشريك التجاري الأول للسعودية تليها اليابان ثم بريطانيا فرنسا ثم ألمانيا.
وبالإضافة إلى التبادلات التجارية فهناك استثمارات ضخمة واذا ألقينا نظرة اقتصادية لوجدنا أن من أهم العوامل التي تؤدي إلى النمو الاقتصادي ألا وهي الاستثمارات الأجنبية والتي تؤدي إلى نقل التكنولوجيا والتطور الصناعي وتوفير الفرص الوظيفية. كل ذلك يعتمد على فتح الباب لتلك الاستثمارات وتشجيعها كما أنها تزيد من أهمية دولتنا ومكانتها الاقتصادية والعالمية والتي تفضي إلى ثقل سياسي وأهمية أكبر في القرارات الدولية ومن ثم فإن سياسة العزل التجاري عن المناطق الاقتصادية المهمة تجعلنا في معزل اقتصادي غير واقعي.
ومن جهة أخرى ترى د. هيفاء جمل الليل بأن مبدأ مقاطعة البضائع الأمريكية كوسيلة لمواجهة الأزمة الحالية مبدأ يحتاج إلى تحليل علمي سليم نخرج منه بنتائج تساعدنا على الاقتناع أو عدم الاقتناع بفائدته الداخلية والخارجية لكل من الدول العربية ومدى تأثيره على سياسة الإدارة الأـمريكية تجاه القضية الفلسطينية فالمنتج والموزع لهذه البضائع سواء في السعودية أو غيرها من الدول العربية هم مواطنون لهذه الدول لهم حقوق وعليهم التزامات تجاه إخوانهم وحكوماتهم، فما ذنب الموزع أو المنتج لشركة كوكا كولا الأمريكية في السعودية ودول الخليج أو أي دول عربية؟؟ وما ذنب ومصير الموظفين في هذه المصانع والمؤسسات المنتجة لهذه البضائع الأمريكية داخل الدول العربية؟ بل وما ذنب اقتصاد هذه الدول؟
إن التأثير السلبي لهذه المقاطعة لا يقتصر على شخص واحد ولا على مصنع واحد بل يشمل الاقتصاد الوطني العربي ككل، بل قد نرى في معظم الأحيان أن مساهمات المنتجين والموزعين لهذه البضائع الأمريكية هي من أكبر المساهمات والتبرعات للقضية الفلسطينية، وإذا نظرنا للوجه الآخر من العملية ومدى تأثير هذه المقاطعة على الاقتصاد الأمريكي والضغط على قرارات الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية نجد أن نسبة الاستهلاك العربي للمنتجات الأمريكية ضئيلة عند مقارنتها بما يستهلكه العالم كله.
مشيرة إلى أن حجم المبادلات الأمريكية مع العالم العربي لا تمثل أكثر من 3% من الحجم الإجمالي للمبادلات الأمريكية"، ولهذا فإنه من الأحرى النظر والتفكير في بدائل أخرى تستطيع بها الشعوب العربية التأثير على الإدارة الأمريكية، فتحديد تبرعات مالية ومساهمات دعائية كنسبة من مبيعات هذه الجهات يتم الاتفاق بها مع الشركة الأمريكية الأم هو بديل يساهم في تكوين حملة إعلامية تستطيع بها الدول العربية التأثير في الإعلام الغربي الأمريكي المسيطر عليه من قبل الصهيونية، وبالتالي يؤثر ذلك على قرارات الإدارة الأمريكية لصالح القضية الفلسطينية، فتحديد هذه النسبة بين الدول العربية للمساهمات الدعائية في سبيل القضية الفلسطينية كمطلب وطني عربي إسلامي على المنتج والموزع المحلي للمنتجات الغربية يضمن فعالية هذا التأثير خاصة إذا ما عرفنا العدد الكبير لهذه المنتجات ومدى تأثيرها الاقتصادي داخل هذه الدول العربية وتأثير هذه المساهمة على الإدارة الأمريكية و قراراتها تجاه القضية الفلسطينية إلا إنه من الواجب - بعد مرور الوقت- من التوزيع والاستهلاك لهذه المنتجات التفكير في منتجات محلية وطنية تحمل مواصفات ونوعية أفضل من هذه المنتجات وبسعر أقل لتشجيع الصناعات والمنتجات المحلية وتخفيف حدة التأثير الاجتماعي والاقتصادي على الدول العربية على المدى البعيد في حالة إذا ما تعرضت لأزمات مشابهة.
الوطن
المفضلات