المصدر : د. محمد محمود أحمد شمس
تقلبات أسعار الأسهم بأنها تتشابه فى ركودها و غليانها تفاسير أحلام اليقظة . فتفاسير الأحلام وتفاسير أسواق الأسهم غالبا ما تتعدد جوانبهما و تتضارب زواياهما و قلما إقتربتا من الصواب فالقلق رداؤهما و الغموض أقنعتهما فهما فى كلا الوضعين لا يخرجان من صندوقهما الأسود.
فبعد 19 مارس 2003 أى بعد سقوط النظام العراقى ققفزت الأسعار إلى نحو ضعف حجمه أو ما يزيد بقليل خلال ستة أشهر فقط وهى قفزة قياسية فى إقتصاد لا ينتمى لحد كبير الى أسواق أسهم عالمية أو مساهمين على درجة عالية من إدراك الأركان الرئيسة لمقومات أسواق الأسهم الإقتصادية والمالية. فغياب الشفافية و قلة القدرة أو إنعدامها على دراسة و تحليل البيانات المالية للشركات المساهمة و العجز المتوقع بالميزانية الحكومية والذى قدر بنحو 39 مليار ريال فى عام 2003 و إرتفاع الدين العام و أحداث الرياض وما تبعها من تطورات لا تبرر بأى حال من الأحوال النشاط المفاجيء الذى أصاب سوق الأسهم. و لعل الشكل رقم (1) يلخص التطور الذى شهدته أسعار الأسهم خلال الفترة المذكورة حيث بدأ المؤشر فى شهر مارس بنحو 2,600 نقطة ثم قفز و إرتفع الى أكثر من 4,500 نقطة فى أكتوبر من نفس العام بزيادة تقدر بنحو 73 بالمائة. الجدير بالذكر أن هذا المؤشر إرتفع من 1,531 نقطة فى عام 1996 إلى فقط 2,600 نقطة فى مارس 2003 أى بنسبة 69 بالمائة فقط خلال سبع سنوات طوال. فما هناك من تفسير اقتصادى مقنع و حاسم يفسر هذا سوى التكهنات العشوائية أو الإلهامات المتضاربة أو إحتلال العراق !? . إن ما يتعرض له سوق الأسهم السعودى من تقلبات و مزايدات قد تنتهي الى موجات عنيفة من السقوط الفورى أو انفجار مفاجئ فى فقاعته المنتفخة بالهواء الساخن. شكل رقم (1) مؤشر أسعار الأسهم السعودية لعام 2003
نسبة سعر السهم للعائد عليه
إن الفجوة بين بين أسعار الأسهم و العائد الربحى عليها أو مايسمى بنسبة السعر للعائد كبيرة جدا ولا تبرر هذا الإرتفاع الضخم فى أسعار الأسهم حيث بلغت فى المتوسط لجميع الأسهم نحو 23 خلال العام الحالى بمعنى أن متوسط أسعار جميع الأسهم يفوق متوسط العائد عليها بنحو 23 مرة وهى نسبة كبيرة جدا لا تعكس الوضع الإقتصادى و المالى للشركات المساهمة البالغة 67 شركة. وقد بلغت متوسط هذه النسبة فى القطاع الصناعى 23 مرة أيضا لكن سعر شركة سافكو فى أكتوبر فاق قيمة العائد على سهمها بنحو 92 مرة أى أكبر من متوسط القطاع الصناعى نفسه بنحو 300 بالمائة أما سعر سهم شركة سابك فقد فاق قيمة العائد عليه بنحو 34 مرة و هناك زيادة بنحو 46 مرة لسعر سهم شركة التصنيع هذا غير الشركات الأخرى التى حققت خسارة كبيرة.
إن هذه الفجوة العميقة التى تعكس العلاقة بين سعر السهم والعائد الربحى عليه تنذر بقرب إنفجار فقاعة فى أسعار الأسهم أو ضمور عنيف فى غلافها خلال الأشهر القليلة القادمة الأمر الذى يؤدى الى إحداث خسارة كبيرة فى حجم السيولة النقدية و بطبيعة حال إنكماش كبير فى مدخرات المساهمين. و بالرغم أن حالات إنفجارات فقاقيع أسعار الأسهم ليست بغريبة فى أسواق الأسهم العالمية و غالبا ما يتم إحتوائها بواسطة البنوك المركزية إلا أن وضع الإقتصاد السعودى و مقوماته من سياسة مالية ونقدية لا يستطيع إمتصاص هزات إستثمارية عنيفة كما ليس لديه القدرة لحماية مدخرات المساهمين من الضياع كما هو متبع فى الإقتصاديات العالمية.
القيمة السوقية للأسهم
يشير الجدول رقم (1) بأن عشرة شركات مساهمة فقط إقتنصت 77 بالمائة من القيمة السوقية لعدد 67 شركة مساهمة خلال عام 2003 الأمر الذى يوضح تمركز أنشطة المساهمين بسوق الأسهم على عدد قليل من الشركات المساهمة مثل شركة الإتصالات و شركة كهرباء السعودية. فالمساهمين يلتفون حول هذه الشركات المساهمة لشراء أسهمها بلهفة نتيجة لتكهنات معينة لكن الخطورة تكمن هنا عندما تنهار إحدى هذه الشركات يكون تأثيرها سلبيا على السوق كله فتنهار أسعار الأسهم كلها فى دفعة واحدة الأمر الذى قد يتمخض عنه مشكلة كبيرة بسوق الأسهم المحلية. الجدير بالإنتباه بأن ثلاث شركات فقط من العشر شركات المذكورة وهم الإتصالات وكهرباء السعودية وسابك تلتهب نحو 52 بالمائة من القيمة السوقية لإجمالى القيمة السوقية لجميع الشركات المساهمة. لتقييم نشاط سوق الأسهم بعيدا عن تأثير تقلبات الأسعار المستمرة فإن جدول رقم (2) يشير إلى أن 77 بالمائة من حجم تداول الأسهم يتركز أيضا فى عشر شركات مساهمة فقط. تتربع شركة كهرباء السعودية على عرش السوق بإمتصاص 25 بالمائة من حركة التداول بالرغم من أن سعر سهمها يفوق 77 مرة العائد الربحى عليه و يمثل ضعف قيمة نسبة سعر سهم قطاع الخدمات للعائد الربحى عليه وهو 34 مرة وهذا يمثل خطر كبير قد يداهم شركة كهرباء السعودية فى أى لحظة ويدمر مؤشر أسعار الأسهم بدون إنذار مسبق. يلى ذلك شركة المواشى مكيرش التى تقتنص 18 بالمائة من حجم التداول ثم شركة الإتصالات التى تحتل المركز الثالث بنسبة 8 بالمائة فقط. هذا بالرغم من أن شركة الإتصالات تتربع على عرش القيمة السوقية بالمركز الأول عند بروز سعر سهمها بالمعادلة المالية وذلك نتيجة للتوازن المنطقى من الناحية المالية بين نسبة سعر سهمها للعائد الربحى عليه ( 34 مرة ) إلى نسبة سعر سهم قطاع الخدمات الى ربحيته ( 38 مرة ).
يفتقر الإقتصاد الوطنى الى القنوات الإستثمارية الجذابة و الواعدة التى تشد المدخرات إليها لتغذى محافظها بالإستثمارات المثمرة بالرغم من غزارة السيولة النقدية التى تفيض بالأموال الموجودة من السابق وكذلك الأموال العائدة من الغرب. لكن التأثر على أسعار الأسهم لم يكن بسبب زيادة السيولة النقدية وذلك لأن معدل السيولة النقدية خلال العام الماضى 2002 إرتفعت بنسبة 4,5 بالمائة ولم يكن لها تأثير على أسعار الأسهم فى العام الماضى بينما فى هذا العام 2003 فإن معدل السيولة النقدية إرتفع فقط بنحو 3,7 بالمائة أى أقل من العام الماضى فلابد و أن يكون تأثير حجمها قليل أو معدوم على أسعار الأسهم بالمقارنة للعام الماضى. من ناحية أخرى فإنه يمكن القول بأن الإرتفاع فى أسعار الأسهم جاء نتيجة الإنخفاض الكبير فى أسعار الفائد على السندات و العملات والأرصدة بجانب ندرة القنوات الإستثمارية الأخرى إضافة إلى الشعور بنوع من التفائل المغلف بوعود الهيكلة الإقتصادى أدى إلى الإنجراف بالمدخرات الى أسواق الأسهم فى محاولة فرار يائسة لا ترى إلا مخرجا وحيدا لتلج إليه إلى سوق الأسهم خاصا بعد إنتهاء حرب العراق.
تاريخ فقاعات سوق الأسهم
من أجل تأريخ ما يجب تأريخه فى خضم الحديث عن فقاقيع أسواق الأسهم فقط لتنشيط الذاكرة وجلبها نحو آخر الأحداث فإن يوم الاثنين 19 أكتوبر من عام 1987 يعتبر من أسود الأيام التي مرت بأسواق الأسهم العالمية حيث انخفض مؤشر داو جونز سخدت طد بنحو 508 نقطة أو بنسبة 22,6 بالمائة. هذا الانخفاض فاق ما حدث في الكساد الاقتصادي الأعظم الذي انخفض فيه مؤشر داو جونز بنحو 33 نقطة أو بنسبة 12,8 بالمائة في يوم الثلاثاء 28 أكتوبر من عام 1929 حيث أطلق على هذا اليوم مسمى الثلاثاء الأسود. و تعتبر أحدث الفقاعات انفجارا خلال القرن الحالى هو ما حدث في 12 مارس من عام 2001 حيث انفجرت فقاعة صغيرة نتيجة المغالاة الشديدة في ارتفاع أسعار أسهم الأجهزة التقنية مثل التليفون الجوال وأجهزة الحاسب الآلي والإنترنت إنخفض على أثرها مؤشر داو جونز بنسبة 4,1 بالمائة و مؤشر نازداك رءسءخ بنسبة 6,3 بالمائة الذي خسرت بعض أسهم شركاته ما قيمته ثلاثة آلاف مليار دولار. إن أشد أسواق الأسهم خطورة تلك التى ينحصر حجم التداول فيها على عدد قليل جدا من الشركات المساهمة التى تسيطر على إتجاهاتها سواء إلى أعلى أو إلى أسفل مثلها فى ذلك مثل الشركات الإحتكارية. وهذا وضع سوق الأسهم المحلية التى تلعب فيها عدد محدود جدا من الشركات المساهمة بمقدراتها و بمدخرات المواطنين وتسيطر فيه على حصة عالية من إجمالى القيمة السوقية وحركة التداول مما يرفع من مؤشر أسعار الأسهم و يعطى إشارة خاطيء للمساهمين. والخروج من هذه المشكلة العضال هو العمل على زيادة التخصيص لإشراك أكبر عدد ممكن من الشركات فى سوق الأسهم خاصا تخصيص شركات ضخمة مثل بعض مشاريع شركة أرامكو لكسر النزعة الإحتكارية بها و تحسين المستوى الإدارى. إضافة إلى أنه لضمان وجود سوق أسهم فاعلة فإن الأمر يجتاج إلى مستوى وعى عالى من المساهمين بفعاليات سوق الأسهم لمعرفة كيف ومتى يتم تداول الأسهم لتجنب الخسائر هذا بجانب ضرورة وجود إدارات شركات مساهمة مخلصة وإدارة سوق أسهم عالية المستوى وأجهزة أعلام على درجة رفيعة من التوعية الاقتصادية وعلى ادراك واستيعاب لعمل سوق الأسهم. فالتخصيص يعنى طرح أسهم جديدة في سوق الأسهم تنافس الأسهم الحالية وتستقطب رؤوس أموال من نوافذ مالية أخرى الأمر الذي يشعل لهيب التداول بين المساهمين. إن وجود سوق أسهم عريضة الرقعة و فاعلة و واضحة الأساليب و سهلة الاستيعاب سوف ينمى الاستثمار المحلى بواسطة الأموال الضخمة المكتنزة لدى المواطنين و التي تأكلها الزكاة السنوية عام بعد عام و التى يجب أن تضخ فى قنوات الاقتصاد الوطنى. إنى على يقين بأن هناك كثيرا من المواطنين لديهم أموال ضخمة إما مكتنزة أو مستثمر بالخارج يرغبون في إستثمارها محليا لما تتمتع به السوق المحلية من انخفاض كبير في المخاطرة الاستثمارية. هذا بالإضافة الى ضرورة إحكام الرقابة من قبل مؤسسة النقد على التداول لمنع التلاعب فى أسعار الأسهم و ضرورة إحلال شفافية المعلومات محل ضبابيتها و العمل على تثقيف المواطنين بالمعلومات اللازمة التى تجعلهم مدركين لطبيعة عمل سوق الأسهم من أجل تنمية مدخراتهم وتحريرها من الإكتناز
المفضلات