بسم الله الرحمــن الرحيــم


يمكننا القول بأن العام الميلادي الحالي 2003 هو عام الخير والإزدهار الإقتصادي للمملكة العربية السعودية. فلقد شهد إرتفاعاً هائلاً إن لم يكن جباراً في الناتج المحلي السعودي لم تشهد البلاد مثله منذ عام 1981 ميلادية. وأرتفع معدل دخل الفرد ليبلغ أعلى نسبة له منذ عام 1982. وسأبين لكم بالإرقام إن شاء الله قيمة الناتج المحلي ودخل الفرد لهذه السنة مقارنة بالسنوات السابقة حتى نعلم ما نحن فيه وما كنا عليه من نعمة ورخاء وندرك بذلك مسيرة إقتصادنا. ولنرى بعدها ماذا فعل السعوديون في هذه السنة بما حققه إقتصادهم من أرباح.

وقبل أن أكمل موضوعي أحب أن أحمد الله أولاً وأخراً على ما حققه الإقتصاد السعودي هذا العام , وأود أن أنسب ما حققناه من خير إلى الله وحده لأن السبب الرئيسي خلف هذا الأداء الإقتصادي العالي هو إرتفاع أسعار البترول. ولا ننكر أن هناك أسباباً إضافية مثل عودة رؤوس الأموال السعودية التي كانت في الخارج بعد أحداث سبتمبر وإنتعاش قطاع الخدمات والعوائد الناتجة من خصخصة بعض الشركات الحكومية وغيرها من الأسباب والعوامل ولكنها كلها تعتبر عوامل ثانوية في نمو الإقتصاد إذا ما قورنت بعوائد قطاع النفط.

أسعار النفط خلال العام 2003 و الناتج المحلي السعودي لعام 2003

إستناداً إلى مقالة بعنوان "الإقتصاد يتجه إلى أحسن سنة منذ عام 81" وردت في جريدة عرب نيوز الناطقة بالإنكليزية والصادرة بتاريخ 29 يوليو 2003 , وإلى تقرير إقتصادي أوردته قناة العربية الإخبارية في نشرتها الإقتصادية خلال شهر أكتوبر الحالي ذكرا فيه أن الجهات الإقتصادية في المملكة توقعت أن يبلغ معدل سعر البرميل 17 دولاراً خلال هذا العام ولكن الله شاء أن ننعم ببعض الرخاء إذ بلغ معدل سعر البرميل 27 دولاراً , وبهذا لا يمكننا القول إن التخطيط السليم كان هو وراء هذا النمو الإقتصادي , بل هذا هو فضل الله علينا لأن إرتفاع الطلب على النفط السعودي وإرتفاع أسعاره شئ خارج عن تخطيطنا وإرداتنا وهو من تفضل الله.

أما الناتج المحلي لهذه السنة فلقد كان مبشراً جداً إذ بلغ إجمالي الناتج المحلي إلى شهر إكتوبر وحسب توقع المحللين له 210 بليون دولار مسجلاً بذلك أعلى معدل له منذ عام 1981 ميلادية. فلقد كان الناتج المحلي في عام 1981 يساوي 184 بليون دولار

ملاحظات عامــة:

لقد كان سعر صرف الريال مقابل الدولار في عام 81 هو 3.383 ريال لكل دولار و 3.745 لباقي السنوات. أما الناتج المحلي فهو مجموع قيمة السلع والخدمات التي تنتجها الدولة خلال مدة معينة وإحدى الطرق لحسابه تتم عن طريق جمع الإستهلاك المحلي والإستثمارات والإنفاق الحكومي والصادرات ومن ثم طرح قيمة الواردات من المجموع السابق والناتج المتبقي هو قيمة الناتج المحلي.

دخل الفرد لعام 2003

أما بالنسبة لدخل الأفراد فلقد زاد معدل دخل الفرد عن الأعوام السابقة ولكنه لا يزال أقل بكثير عما كان عليه في عام 1981 و 1982 ميلادية حيث كان دخل الفرد عاليـاُ جداً. ودخل الفرد هو عبارة عن القيمة الناتجة عن تقسيم الناتج القومي الكلي للدولة على عدد السكان الكلي للدولة. والناتج القومي يعرف أيضاً بالدخل القومي وهو عبارة عن قيمة كل السلع والخدمات التي ينتجها الإقتصاد المحلي بالإضافة إلى الدخل الذي يتلقاه المواطنون من الخارج , ولا يدخل فيه قيمة دخل الشركات والأفراد الأجانب الذي يعيشون أو يستثمرون في البلد. وأما معدل دخل الفرد فهو في الحقيقة عبارة عن معدل وقيمة تقريبية يعكس مدى ثراء الأفراد في الدولة ومستوى معيشتهم والتنمية الإقتصادية التي يشهدونها وما يجب أن يأخذه كل فرد منهم من الدخل القومي. أي بمعنى أخر نصيب كل فرد الإفتراضي من الثروة العامة للبلد. ولكنه لا يبين في الحقيقة كم يأخذ كل فرد فعلياً بناءاً على أنه إفتراضي وليس فعلي. لأنه بالطبع لن يتقاسم كل الناس ثروة البلد بالتساوي , وخصوصاً ما إذا كانت الحكومة فاسدة وسيطر على البلد طبقة حاكمة أو طبقة رأسمالية فاسدة. عموماً مسألة المداخيل هذه مسألة تتعلق بالرزق من الله فلا بد أن يكون هناك أغنياء وفقراء في أي مجتمع ويجب أن يكون هناك تفاوت في الدخول. المهم هو أن نعرف معدل دخل الفرد من أجل معرفة الزيادة في الدخل العام للناس والمستوى المعيشي الذي يعيشون فيه ويجب أن نعرف معه عدد السكان حتى نعرف كم من الناس سيتقاسمون الثروة. المهم هو أن دخل الفرد لهذه السنة هو 9200 دولار مقارنة ب8400 للعام الماضي و18000 دولار عام 1981.

ماذا فعل السعوديون بالزيادة في دخلهم؟

كما رأينا من خلال إحصاءات الناتج المحلي والدخل القومي التي أوردتها بالأعلى فإن المملكة العربية السعودية تعيش حالياً إنتعاشاً إقتصادياً لم تكن تحلم به منذ فترة طويلة , وكما إن الفرد السعودي شهد أرتفاعاً في الثروة العامة وأدت إلى زيادة في دخله سواءاً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وإن كان هذا الإرتفاع طفيفاً. صحيح إن الفرد السعودي في بداية الثمانينات شهد طفرة وزيادة في دخله لم تتكرر على مدى عشرين سنة ولن تتكرر مرة أخرى بالسهولة التي حدثت فيها في الماضي ولكن يجب أن نحمد الله على كل حال.

والمهم هو ماذا فعل السعوديون هذه السنة عندما إنتعش إقتصادهم وزادت مداخيلهم؟ بالتأكيد وبدون أي شك أن إستهلاكهم قد زاد وأزدادت معه رغبتهم في الرفاهية وحرصهم على الكماليات , عوضاً عن أن يدخروا أكثر ويستثمروا هذه الأموال في شراء أسهم أو إستثمارها بطرق أفضل. لأن عقلية المواطن السعودي للأسف ليست عقلية إقتصادية بل هي عقلية مترفة تعودت على وجود المال وتوفيره من قبل الحكومة. وهذه العقلية يقول عنها الشهيد سيد قطب في كتاب "المجتمع المصري جذوره وآفاقه" صفحة 48 مايلي: "ومن عادة الأذهان المترفة أن تعنى بالمظاهر والأشكال وأن تؤثرها على القواعد والأصول". وعليه فمن المتوقع أن يزيد إنفاق السعوديين على التفاهات ويتجنبون ضروريات الحياة والإقتصاد.

فلقد فرح السعوديون بما حققه إقتصادهم هذه السنة وأنطلقوا على متن طائرات الخطوط الجوية السعودية متجهين إلى مشارق الأرض ومغاربها ليبشروا العالم بعودة زمن الطفرة ولينفقوا كل ما لديهم من أموال في الخارج كما أعتادوا في زمن الطفرة وزمن الترف وزمن الجهل. والدليل على ما أقوله هو ما أوردته الخطوط السعودية بنفسها في مجلة "أهلاً وسهلاً" التي توزعها الخطوط السعودية مجاناً على الركاب. ففي العدد الصادر للشهر الماضي رجب 1424 هجرية الموافق شهر سبتمبر 2003 أوردت الخطوط السعودية في الصفحة الثانية عشر ما يلي: "خلال شهر يوليو من صيف هذا العام نقلت "السعودية" مليون و567 ألف و621 مسافراً وهو أعلى معدل لنقل الركاب خلال شهر واحد منذ تأسيس الخطوط السعودية قبل حوالي ستين عاماً". فكما نرى لقد شهد الإقتصاد السعودي إعلى نمو منذ عشرين سنة وشهد الفرد السعودي نمواً في معدل دخله القومي فكان لابد إذن أن تشهد الخطوط السعودية معدلاً عاليا لنقل الركاب في شهر واحد منذ تأسيسها , وكان لابد أن يشهد العالم كله عودة السائح السعودي الذي أعتاد على أن يبذر المال في الخارج ويعود إلى وطنه لكي يتندم مستقبلاً على ما أضاعه تماماً مثلما حدث في عهد الطفرة عندما تبخرت رؤوس أموالنا في الخارج وشهدنا نحن أزمات إقتصادية خانقة لم ننجوا منها إلى اليوم إلا بصعوبة. أنا لا أكره السفر ولست ضده ولا أمنع الناس من السفر ولكن عوضاً عن أن نضيع كل ما كسبناه هذه السنة من رؤوس أموال على الرفاهية والسفر , فلنستثمرها في بلدنا حتى ينمو الإقتصاد ومن بعد أن ينمو إقتصادنا ويصبح قادراً على تحقيق عوائد أعلى فلننفق هذه العوائد بدلاً من أن ننفق رؤوس الأموال لأن الأزمة التي تعيشها كل الدول النامية هي أزمة بسبب قلة رأس المال. فالإنسان المعاصر الذي يريد أن يطور إقتصاده ويرفع من مستوى معيشته يجب أن يفكر بعقلية غير العقلية المترفة ويجب أن يتحلى بالصبر ولا يستعجل النتائج وأن ينفق من عوائده لا من رأس ماله. والله الموفق