https://www.alwatan.com.sa/article/1076119
أعلنت وزارة العدل عن عزمها إلغاء إيقاف الخدمات الحكومية ومنع التعامل المالي وكذلك إلغاء الحبس التنفيذي للمتعثر عن السداد في الحقوق المالية، وذلك في سياق مشروع نظام التنفيذ الجديد الذي أعدته الوزارة وطرحته للعموم لإبداء الرأي.
والحقيقة أنه قرار كارثي على الاقتصاد بعامة، وذلك لأن غالبية الأنشطة التجارية قائمة على التعاملات الائتمانية، وهذا القرار سيحد كثيرا من البيع بالآجل إن لم يقض عليه نهائيا، ما دام أنه لا توجد إجراءات صارمة تحفظ حقوق المقرِضين.
وهذا القرار -فيما يبدو- امتداد للقرار السابق الذي صدر من حوالي السنتين، والقاضي باعتبار الشركات كيانات مسؤولة تطبق عليها أحكام التنفيذ، ولا دخل للشركاء ولا لممثلي الشركات ومدرائها، وهذا القرار أدى إلى تحول كثير من المؤسسات الفردية إلى شركات لكي لا تطال أصحابها طائلة السجن وإيقاف الخدمات، وهو ما دفع بالمقرضين إلى أخذ ضمانات شخصية (كمبيالات وشيكات) من ملاك ومدراء تلك الشركات، والأن مع هذا القرار الجديد لن يصبح لتلك الضمانات الشخصية قيمة، وستلجأ معظم الشركات الكبرى والوكلاء إلى تفليص البيع بالآجل وحصره في نطاق محدود جدا، وهذا سيؤثر على حجم التداولات، وبالتالي سيؤدي إلى نتائج وخيمة على الاقتصاد، فإما التضحم وإما الكساد!
والمصيبة الأكبر ستطال البنوك وشركات التمويل التي يمثل الإقراض عماد عملهم، ولن يبقى لهم سوى الرهن العقاري، وحجمه لا يمثل نسبة تذكر بالنسبة للبنوك، خاصة إذا ما قورن بالتمويل التجاري والقروض الشخصية، أو سجل سمة الذي لا يمثل شيئا بالنسبة لسياسة التحوطات البنكية.
أيضا سيكون للقرار أثر على أفراد المجتمع ممن يتعامل مع المنشآت الصغيرة التي تقدم لهم فروضا قصيرة أو متوسطة الأجل إلى نهاية الشهر أو إلى نهاية السنة، كالبقالات والمخابز والمغاسل ومحلات الخضار ومواد البناء وغيرها..
وبعيدا عن الاقتصاد سيكون لهذا القرار بلا شك أثر اجتماعي سلبي، حيث سيشجع على التهاون بحقوق الآخرين من جهة، وسيضيع المعروف بين الناس ويقلل من مبادرات القروض الحسنة بين الأفراد، وبالتالي يؤدي إلى زعزعة الروابط الاجتماعية والقطيعة بين أبناء المجتمع، بل وربما يتجاوز ذلك إلى إثارة العنف ومحاولة استراداد الحقوق خارج مظلة القانون ما دام القانون عاجزا عن ذلك.
أتمنى ويتمنى كل عاقل أن تراجع وزارة العدل هذا القرار، فهو قرار كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وإذا كان الدافع وراءه حماية أسر من تقع عليهم أحكام التنفيذ -وهو هدف نبيل ولا شك- فإن هذا القرار إن دخل حيز التنفيذ سيفتح عليهم أبوابا من المشاكل على كافة الأصعدة، ومن الحماقة أن نعالج مشكلة محدودة بعلاج يثير مشاكل أكبر بكثير.
المفضلات