مقال رائع اليوم في جريدة الرياض للكاتب عبدالله بن بخيت
عطهم من الرخيص
قبل أعوام انطلق كاتب سعودي في فضاء الكتابة الصحفية بعد أن كان «كحالنا» قابعاً في ظلامات الصفحات الثقافية، بعد أشهر من انطلاقته الميمونة فاقت شهرته شهرة عتاة كتاب الأعمدة الصحفية الذين أمضوا جل حياتهم يكابدون من أجل ربع الشهرة التي حصل عليها صاحبنا في أشهر وجيزة.
لم أتابعه في البداية، كان عدد كتاب الزوايا بالعشرات، قليل منهم من تفرض عليك جودته متابعته خصوصاً أن مساحة النقد أفضل.
قرأت له أول مرة بالصدفة في رحلة على الخطوط السعودية، والحق يقال نال إعجابي. طالب في ذلك المقال بمضاعفة رواتب الضمان الاجتماعي وخصوصاً النساء. خص موضوع النساء بنصف مساحة المقال. لم أنتبه للمأزق الذي دفع وزارة الشؤون الاجتماعية للوقوع فيه. مسألة مضاعفة رواتب الضمان الاجتماعي مطلب عالمي، يتمناه الأغنياء قبل الفقراء، من ذا الذي يكره الخير للناس جميعاً، ولكن من أين ستأتي الوزارة بالفلوس؟
تابعت قراءة مقالاته بعد ذلك، بعد عدة أسابيع اكتشفت السر، يكمن في كلمة واحدة كنا نتداولها. «عطهم من هالرخيص» والمقصود بالرخيص هنا «الكلام المجاني»، وعود ومطالب دون أي اعتبار لإمكانية تحققها. ككاتب في الجريدة أو إعلامي على منبر أو حتى خطيب في مسجد أستطيع أن أحقق أكبر شعبية مجاناً. أنبري لأي مسؤول يصرح بأي تصريح واقعي وشفاف، إذا قال على سبيل المثال: لا تتوفر الاعتمادات اللازمة لإنجاز هذا المشروع هذا العام: «أطمر» في حلقه بتساؤل عريض: نحن دولة فاء الله عليها بالنعم، وحكومتنا لم تقصر، كيف لا يوجد اعتمادات؟ مشروع كهذا يشكل أولوية عند كل الشعوب وليس الشعب السعودي فقط. إذاً أين ينام الفقراء يا معالي الوزير. في الفلل الفارهة أم في شققهم في باريس ولندن؟ وهكذا أتعرض للمسؤول باللمز والهمز وخصوصاً أن مقالي سوف يصل للناس سواء قبلت الجريدة نشره أو رفضت. في كلا الحالتين سوف ينزل في السوشيال ميديا، سيصبح الأكثر تدويراً في الوتس أب، والأكثر رتويتاً في تويتر وحديث المجالس، وسأحصل على أكبر كمية من التبريكات، مع أن أبسط تحليل للمقال سيكشف أن كاتبه إنسان غير مسؤول، أو أنه لا يدرك الحقائق، أو أن الشعبوية التي ينشدها أهم من بناء بلاده.
في زمن التحول الذي نعيشه اليوم ثمة مجالات واسعة للمتاجرة بالكلام الرخيص، لا يوجد إنسان بلا مطالب، تستطيع أن تخرج علينا كل صباح بمقالات تطالب فيها بتوزيع فلل فاخرة على المواطنين، وغداً تطالب بصرف رواتب لربات البيوت، وبعدها تطالب بمضاعفة رواتب المتقاعدين أربع مرات، أليسوا آباءنا الذين أفنوا أعمارهم في خدمتنا، ثم المبتعثين ويليهم العسكريون. الكلام مجاناً ولله الحمد.
المفضلات