لعل هذا الموضوع او المداخلة تكون من اهم المواضيع التي كتبتها في تحليل الأسواق
وقد ترددت كثيرا في طرح هذا الموضوع لشدة تعقيده وصعوبة تبسيطه ولإرتفاع نسبة الخطاً فيما جاء فيه من توقعات
ولكن حسمت أمري ورأيت أن لا بأس من أن أضع تصوري كما أراه الآن فإن اصبت فهو بفضل من الله ثم بفضل دعواتكم الطيبة، وإن أخطأت فسيكون هذا الموضوع تجربة تحفر ندباتها في جسد خبراتي فلا انساها ما حييت، فإما النجاح او التجربة الغنية، فلا فشل إنما هو منحدر قصير في طريق النجاح.
وكمقدمة لهذا الموضوع المهم لابد أن أوضح العلاقة المباشرة والمهمة بين 1- التضخم داخل الاقتصاد الأمريكي 2- وأسعار السندات الحكومية الامريكية 3- وتقييم الأسهم الامريكية
وسنبدأ بالعلاقة المباشرة والوطيدة بين نسبة التضخم في الاقتصاد ونسبة العائد (الفائدة) التي يتوقعها المستثمرون على السندات الامريكية وخاصة السندات طويلة الأجل 10-20-30 سنة
فالعائد المتوقع على السندات الامريكية يعتمد على عاملين رئيسيين:
الأول هو معدل النمو الحقيقي في الناتج القومي الأمريكي (Real GDP Growth Rate)
والثاني هو معدل التضخم المتوقع خلال السنوات التي تغطيها مدة السند (Expected Inflation Rate)
ويمكن تبسيط الامر والقول بأن ما يطلبه المستثمرين كعائد من هذه السندات لابد أن يساوي او يزيد عن مجموع العاملين السابقين
عائد السند % = معدل النمو الحقيقي للاقتصاد % + معدل التضخم المتوقع %
فإذا ما كان عائد سندات العشر سنوات الامريكية يتداول عند 2.5%، وإذا ما كانت آخر الإحصائيات تشير الى أن الاقتصاد ينمو نموا حقيقياً بمعدل 1.8، فهذا يعني بأن المستثمرين يتوقعون أن لا تزيد نسبة التضخم في الفترة القادمة عن 0.7%
2.5% = 1.8% + 0.7%
فالعلاقة بين معدل التضخم المتوقع وبين العائد على السندات علاقة طردية، فكلما ارتفع التضخم ارتفع العائد الذي يتوقعه المستثمرون من السندات الامريكية
وبعد أن وضحنا العلاقة الوثيقة بين التضخم ومعدل العائد على السندات
سنحاول أن نوضح العلاقة المباشرة بين معدل العائد على السندات وتقييم الأسهم
المؤسسات الاستثمارية المتخصصة تستخدم عدة طرق لتقييم الأسهم، ومن أشهر هذه الطرق وأكثرها دقة واحترافية طريقة خصومات التدفقات النقدية وطريقة خصومات التوزيعات النقدية
وتشير كلمة خصومات في مسميات الطريقتين الى أنه يتم إعادة احتساب التدفقات النقدية المستقبلية او التوزيعات النقدية المستقبلية لتعكس قيمتها الحقيقية في الوقت الحالي لكي يتم احتساب القيمة العادلة الحالية للسهم، وتتم عملية الخصم بقسمة التدفق النقدي لكل سنة مستقبلية على معامل الخصم الخاص بتلك السنة المستقبلية، فالعلاقة هنا عكسية، ولكن وبالمجمل فإن معامل الخصم يعتمد اساساً على تكلفة رأس المال او العائد الذي يتوقعه المساهمين على حقوقهم في حال استثمروا في شركة مشابهة، وتكلفة رأس المال او العائد المتوقع لحقوق المساهمين يعتمد بالدرجة الأولى على عدة عوامل، أهم تلك العوامل هو معدل العائد على السندات الحكومية الامريكية.
https://i.investopedia.com/inv/dicti...terms/CAPM.gif
فيظهر مما سبق بأن هناك ارتباط وثيق بين احتساب القيمة العادلة للأسهم وبين معدل العائد على السندات الامريكية، والعلاقة بينهما عكسية، فكلما ارتفع معدل العائد على السندات الامريكية انخفضت القيمة العادلة للأسهم.
ومما سبق نستطيع القول بأن معدل التضخم يؤثر على معدل الفائدة او العائد على السندات الامريكية والتي بدورها تؤثر وبشكل مباشر على احتساب القيمة العادلة للأسهم
ففي حال ارتفعت توقعات معدلات التضخم في الاقتصاد الأمريكي ارتفع العائد الذي يطلبه المستثمرون من السندات الامريكية، وإذا ارتفع العائد على السندات الامريكية انخفضت القيمة العادلة للأسهم.
ونختم هذه المقدمة بتوضيح لاهم اسباب التضخم، فأول مسبباته هو زيادة الطلب الناتج عن تسارع عجلة الاقتصاد بوتيرة أسرع من أن يتواكب معها سرعة رفع الإنتاج كما حدث لقطاع الاسمنت السعودي في الفترة ما بين 2007 و 2010 أو أن يحدث زيادة في المعروض النقدي من قبل البنك المركزي تتسبب بزيادة أسعار المنتجات، والسبب الرئيس الآخر هو ارتفاع تكاليف الإنتاج كأن ترتفع أسعار النفط والسلع الاولية والتي يتم استيرادها من خارج الاقتصاد المحلي او كإرتفاع أجور العمالة بسبب فرض رسوم حكومية جديدة او بسبب انخفاض شديد لمعدلات البطالة.
وندخل الآن في صلب الموضوع، وسأبدأ بوضع توقعاتي ثم سأوضح كيف انتهيت الى هذه التوقعات
أتوقع ان تتسارع وتيرة ارتفاع التضخم في الاقتصاد الأمريكي في عام 2018، وأتوقع ان تُـنهي السندات الامريكية سوقها الصاعدة وتدخل في سوق هابطة تنخفض فيها أسعار السندات وترتفع عوائدها، وقد يسجل عائد سندات العشر سنوات 3.5% قبل نهاية الربع الثالث من هذا العام 2018، واتوقع أن يستمر الاقتصاد الأمريكي بالتحسن والتعافي وقد يسجل نسبة نمو سنوية تصل الى 4% في الربع الثالث من عام 2018م (أي ارتفاع بنسبة 1% في ذلك الربع)، واتوقع أن يسجل سوق الأسهم الأمريكي قمته ويبدأ بالهبوط قبل نهاية الربع الأول من عام 2018م.
فالسؤال هنا هو كيف يتحسن الاقتصاد الأمريكي وتتسارع وتيرة نموه في حين تنهار أسعار الأسهم الامريكية؟
الجواب هو "بسبب ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع نسبة النمو الحقيقي للناتج القومي الأمريكي واللذان سيؤديان الى ارتفاع العائد على السندات الامريكية مما سيؤدي الى خفض القيم العادلة للأسهم"!
الارتفاعات الأخيرة للنفط والذهب وغيرهما من السلع الصناعية ينذر بعودة التضخم داخل الاقتصاد الامريكي الى مستويات اعلى من 2%، هذا بالإضافة إلى أن تحسن الاقتصاد الأمريكي الذي سيؤدي الى زيادة الطلب على المنتجات بمختلف أنواعها وبوتيرة اعلى من ارتفاع معدلات الإنتاج.
ومن ناحية أخرى فإنا نرى الكثير من الاقتصاديات حول العالم تتعافى وتعود الى نسب النمو الطبيعية كما حدث في الاقتصاد الصيني مؤخراً، وهو ما من شأنه أن يزيد الطلب على الطاقة والسلع الأولية ويرفع أسعارها.
وعلى أن الدولار الأمريكي سينخفض امام السلع الأولية وامام عملات الدول المصدرة لهذه السلع ككندا وأستراليا إلا أن مؤشر الدولار وبشكل عام سيرتفع لأن الكثير من الشركات والتجار الأمريكيين استغلوا معدلات الفائدة المنخفضة في الفترة الماضية للاقتراض والمتاجرة خارج أمريكا، ومع ارتفاع معدلات الفائدة سيحاولون أن يتخارجون من الأسواق غير الامريكية وأن يشتروا الدولار ليتمكنوا من سداد هذه القروض الامريكية بأسرع وقت ممكن وقبل ان ترتفع معدلات الفائدة لمستويات اعلى.
أحد الأسئلة المهمة التي تأتي كنتيجة لهذه التوقعات هو أين ستذهب رؤوس الأموال التي ستخرج من أسواق الأسهم الامريكية؟
عادة ما تذهب رؤوس الأموال المتخارجة من أسواق الأسهم الى أسواق السندات ولكنها هذه المرة لن تفعل لأن سوق السندات الامريكية دخلت في سوق هابطة متمثلة بإرتفاعات معدلات الفائدة في الفترة الماضية وذلك بسبب إستمرار ارتفاع التضخم وتحسن النمو الاقتصادي، ومن المرجح أن يكون الملاذ الآمن الوحيد لهذه الأموال هو أسواق السلع الأولية مما سيتسبب في رفع أسعارها مرة أخرى، مما سيؤدي الى دخول معدلات التضخم في دورة جديدة من الارتفاعات والتي سترفع العائد على السندات مرة أخرى وتخفض القيم العادلة للأسهم مرة أخرى، ومن المتوقع ان تستمر هذه الدوامة من الارتفاعات في أسعار الطاقة والسلع الأولية والتضخم ومعدلات الفائدة على السندات الامريكية حتى نصل الى منطقة توازن جديدة للأسعار والأسواق.
مرفق شارت للإرتفاعات الأخيرة في معدلات الفائدة على سندات العشر سنوات الامريكية والذي يوضح بداية السوق الهابطة في هذه السندات.
واضع هنا ايضاً رابطين لمقابلتين توضحان العلاقة بين تأثير ارتفاع العائد المتوقع للسندات الامريكية على تقييم الأسهم
Warren Buffett and Ray Dalio
https://www.youtube.com/watch?v=Z-_4QU6wzdI
https://www.youtube.com/watch?v=KM1ZYr_B-sY
المفضلات