بدايات أسواق المال (البورصات) في العالم كان الهدف منها التمويل، فأول بورصة في العالم كانت بورصة شيكاغو بدأت عن طريق المزارعين الذين يبيعوا الحبوب بالأجل قبل الحصاد لتمويل عمليات الزراعة (مستثمرين)، وحينما تنخفض الأسعار يسارع المزارعين لتغطية مراكزهم (مضاربين) وهكذا، وتطورت أسواق المال في العالم إلى أن دخلت بها جميع السلع والسندات ومن ثم الأسهم والخيارات والمشتقات ...الخ.
لذا أسواق المال تعتمد على جانبين مهمين جدا السيولة النقدية من المستثمرين وتدوير تلك السيولة عبر المضاربة اليومية.
اعتقد أن المستثمر الذي يشترى ولا يبيع - حسب ما يراه بعض المنظرين – ليس بحاجة لسوق أسهم فهو إما يدخل شريك في تأسيس شركات أو يشترى حصص في شركات قائمة وينقل ملكيته عن طريق كاتب العدل في وزارة التجارة، واعتقد أن عدد الشركات المسجلة والعاملة في وزارة التجارة أكثر بأضعاف مضاعفة من عدد الشركات المدرجة في سوق المال، مما يثبت أن القناعات في السعودية استثمارية بحته وليست مضاربية.
بينما في رأيي أن المستثمر هو من يبحث عن تنمية رأس ماله الشخصي بأي طريقة شرعية ومباحة خلال فترة من الزمن تعتمد على مدى حاجته للسيولة وتقديره لظروفه الاستثمارية،
وذلك لن يتأتى إلا بوجود مشتري جاهز في أي وقت،
ولن يوجد مشتري جاهز في أي وقت إلا بوجود بائع جاهز في أي وقت
وحتى تتحقق جاهزية البيع أو الشراء في أي وقت يجب أن تكون عمليات البيع والشراء يومية،
مما يعني مضاربة يومية.
والسؤال الذي يطرح نفسه.. ما دور سوق الأسهم ؟ وما الفائدة منه؟
اعتقد أن سوق الأسهم له دورين مهمين جدا:
1- دور اساسي: يتمثل في تسهيل عملية تسييل وإعادة الاستثمار في أي وقت يرغب فيه المستثمر بشكل يحقق له ربح رأسمالي مجزي، عن طريق الإدراج والتخارج وإعادة الاستثمار.
2- دور تنموي هام: تسهيل الحصول على رؤوس أموال الاستثمارات عالية الكثافة والتي يخشى من الإقدام عليها الكثير من المستثمرين الأفراد.
وحتى تحقق أسواق المال هذين الهدفين، فيجب أن تكون معدلات فترة دوران الأسهم فيها قصيرة والمقصود بذلك:
في كم يوم أو شهر أو سنة تستطيع السيولة اليومية في السوق أن تعادل أجمالي رسملة السوق،
بمعنى قسمة رسملة السوق لجميع الأسهم بما فيها الأسهم الغير حرة على معدل السيولة اليومي،
ومن هنا يتضح هل السوق عالي السيولة أم متدني السيولة.
وبالمثل يمكن قياس معدل دوران كل سهم على حدة.
يوجد قياسات أخرى لسيولة السوق ولكنها ترتبط بالاقتصاد الكلي، ولا يعتمد عليها المستثمرين في أسواق الأسهم ولكنها تعتبر مؤشرات على صحة وسلامة السوق للمخططين.
كلما قلت فترة معدل الدوران كلما ارتفعت السيولة في السوق وكلما ارتفعت كفاءته في تحقيق هدفه الأساسي والتنموي، والعكس كلما ضعفت قدرة السوق على تحقيق أياً من الهدفين، ولكن إذا ارتفعت السيولة بشكل مبالغ فيه، ارتفعت مستويات تضخم الأسعار حتى الوصول إلى مرحلة الفقاعة، لذا يجب إدارة السيولة وموازنتها في السوق بحكمة وحنكة وروية.
ويمكن تشبيه سوق المال بالدورة الدموية، فسيولة المستثمر تماثل كمية الدم، بينما عمليات المضاربة تماثل نبضات القلب.
فالمضاربة مضخة السوق ومتى توقفت مات السوق.
أعتقد أن مهمة إدارة السوق تقع على هيئة سوق المال، فنجاح الهيئة في إدارة السوق يعتمد على موازنة معدل دوران الأسهم (السيولة) في السوق بالشكل الذي يحقق الأهداف الأساسية والتنموية بدون إضرار أو إجحاف أو مبالغة في الأسعار.
ويمكن تحقيق ذلك عن طريق:
1- جدولة عمليات طرح الشركات بشكل يراعي سيولة السوق
2- تنويع الشركات المطروحة بين إدراج شركات قائمة لتحقيق الهدف الأساسي واكتتاب أولي لتحقيق الهدف التنموي.
3- تشجيع دخول السيولة في السوق بتهيئة بيئة جاذبة للسيولة وليست بيئة طاردة
المفضلات