وجه ترامب انتقادا محددا للرئيس اوباما مفاده انه لم يساند الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك، اضافة لانتقاده ما جاء في الخطاب الذي القاه اوباما في القاهرة في عام 2009 والذي سعى فيه الى اعادة تشكيل علاقة امريكا بالعالم العربي.
ليس بوسع احد القول إن السياسة الخارجية الامريكية تجاه الشرق الاوسط لم ترتكب اي اخطاء. لكن اكبر هذه الاخطاء وافدحها ارتكبت قبل وصول الرئيس اوباما الى المكتب البيضاوي. وهذا سبب غرابة الادانات التي يطلقها ترامب، إذ انه يلمح فيها الى انه كان هناك ثمة حل امريكي لمشاكل المنطقة لو اتبع لما وصل الحال الى ما هو عليه اليوم.
قد ينظر الى هذه الادانات والتهجمات (ترامب يرى ان هيلاري كلينتون هي المسؤولة عن تردي الاوضاع في الشرق الاوسط ونمو تنظيم "الدولة الاسلامية" الخ) على انها تكتيكات سياسية حصيفة اذا نظر اليها على انها جزء من هجوم سياسي على منافسته في السباق نحو البيت الابيض.
لكن ترامب مضى للقول إنه لو اصبح رئيسا للولايات المتحدة، "سينتهي عصر بناء الامم (أي مسؤولية الولايات المتحدة عن اصلاح ما تخربه حروبها) على الفور."
هل يطرح ترامب حقا سياسة "رفع اليد" في الشرق الاوسط؟ اذا كان الامر كذلك، فهو يثبت فشلا من جانب ترامب في استيعاب العوامل التي قوضت جهود الرئيس اوباما لسحب يد الولايات المتحدة من حروب المنطقة.
غراالمأساة - اذا صح القول - بالنسبة للولايات المتحدة تكمن في انها مذمومة اذا فعلت ومذمومة ايضا اذا لم تفعل. التخلي عن المنطقة تماما ليس خيارا سياسيا معقولا او مقبولا.
ولكن ترامب ضمّن مع ذلك خطابه الاخير بعض الغرائب التي اصبحت معهودة منه، رغم الجهود التي بذلتها حملته في صياغة الخطاب.
فقد ادعى على سبيل المثال انه كان على الولايات المتحدة "الاحتفاظ بنفط العراق" وانه كان على امريكا ابقاء قدر كاف من القوات في ذلك البلد من اجل حماية حقول النفط. وقال إن الاموال التي كانت امريكا ستتقاضاها من بيع النفط العراقي كان يمكن انفاقها - بنظره - في تمويل العناية الطبية بالعسكريين الجرحى واسرهم.
يبدو ان ترامب نسي - او تناسى - ان الحكومة العراقية، رغم عيوبها، هي حليفة للولايات المتحدة، اما الاساس القانوني الذي كانت ستستند عليه الولايات المتحدة في الاحتفاظ بالنفط العراقي فلم يجد له احد جوابا بعد.
اما فيما يخص حلف شمال الاطلسي، فيبدو ان ترامب قد خفف من حدة موقفه الاولي، الذي كان يشكك في فوائده.
ولكن، ومنذ تهجم ترامب على الحلف، غير هذا - حسب ترامب طبعا - سياساته واصبحت لديه فرقة خاصة لمحاربة التهديدات الارهابية. ولكن محاربة الارهاب ليست في صلب مهمة الاطلسي، وهو امر يبدو انه غاب عن انتباه المرشح الجمهوري.
وغاب اي ذكر في خطاب ترامب للتهديد الروسي الماثل للدول الاصغر حجما في حلف الاطلسي او للسياسات الروسي المزعزعة لاستقرار اوكرانيا وجورجيا - بل على العكس، يرى ترامب في روسيا حليفا محتملا في الحرب ضد تنظيم "الدولة الاسلامية."
تناقضات
كما سعى ترامب الى تخفيف خططه الخاصة بالهجرة، إذ يبدو انه تخلى عن طلبه الاصلي بحظر دخول كافة المسلمين الى الولايات المتحدة واستبدله بتعليق مؤقت للهجرة من دول معينة بينما يصار الى ابتكار نظام لاختبار المتقدمين ايديولوجيا.
كان خطابا مليئا بالتناقضات، وكان ايضا يهدف - وهذا ليس شيئا مفاجئا - الى النيل من منافسيه في الانتخابات.
ولكن الخطاب خلا كليا من اي اشارة الى ان ترامب يف
هم او يستوعب مشاكل العالم خارج الولايات المتحدة.
قد لا يكون ذلك مهما، فقد تخلى عن ترامب معظم خبراء السياسة الخارجية الامريكيين الميالين للحزب الجمهوري. اما جمهور الناخبين، فكثير منهم لن يلاحظ - او يأبه - بمواقفه المتناقضة.
على عكس العديد من التصريحات التي سبق لترامب ان ادلى بها بخصوص السياسة الخارجية، كان هذا الخطاب مصاغا بعناية، وكان الغرض منه ان يكون اكثر تأنيا ووقارا، وان يكون مؤشرا للسياسات التي سيتبعها لو فاز بالرئاسة.
وكان الخطاب يهدف الى التركيز على الفروق بين خططه وما يراها على انها السياسات الفاشلة التي اتسمت بها حقبة اوباما /كلينتون، واضفاء شيء من الواقعية على بعض من طروحاته المتهورة.
جوناثان ماركوس
مراسل الشؤون الدفاعية والدبلوماسية - بي بي سيئب
المفضلات