[frame="1 10"]
اقتصر كثير من المؤمنين فى تقربهم إلى ربهم بعد أداء الفرائض على نوافل العبادات، كقيام الليل بالصلاة، وصلاة الضحى، وتلاوة القرآن، والأذكار الواردة، وصيام الأيام الفاضلة، وتكرار الحج والعمرة


وظنُّوا أنها وحدها تبلِّغهم أرفع الدرجات، وأعلى المقامات، وهذا حقٌ ولكن هذا لمن سلكوا طريق الزاهدين، وساروا على منهج العابدين، وهذا سبيلٌ قويمٌ يحضّ عليه الدين، ويحثُُ عليه إمام الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم ولكنه ليس بالسبيل الأقوم ولا بالطريق الأكمل.


وإنما المنهاج الأكمل، والطريق الأقوم ما كان عليه محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه، الذين قاموا بالنوافل العبادية تقرباً إلى حضرة الله؛ وإكمالاً للفرائض التى أوجبها عليهم الله، ولكنهم قاموا إلى جانب ذلك: بالتقرّب إلى الله فى خلق الله: كيف؟، بالقيام بالحقوق التى أوجبها عليهم الله نحو الخلق، أفرادا ومجتمعات طلباً لمرضاة الله، ولكمال التشبه والتأسي برسول الله وحبيب الله ومصصطفاه صلى الله عليه وسلم.


وقد وسَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الباب لسالكيه حتى جعل كل عمل للعبد سواء لنفسه أو لأهله أو لمن حوله صدقة، إذا سبقه أو صحبه أو ألحقه بنيَّة صالحة لله عز وجل ولنوضح قليلاً: جعل صلى الله عليه وسلم أي قول للمرء يريد به الحق صدقة فقال: {مَا مِنْ صَدَقَةٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَوْلِ الْحَق}{1}


وجعل صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة: القول الذي ينفع الله به مسلماً، أو يفرج عنه به ضيقاً وذلك فى قوله صلى الله عليه وسلم: {أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ اللِّسَانُ، فقيل: يا رسول الله، وما صدقة اللسان؟ قال: الشَّفَاعَةُ يَفُكُّ بِهَا الأسِيْرُ، وَيَحْقِنُ بِهَا الدَّمُ، وَتُجْرُّ بِهَا المَعْرُوفَ وَإلاحْسَانَ إِلَى أَخِيكَ، وَتَدْفَعُ عَنْهُ الكَرِيْهَةَ}{2}


ولم يقصر صلى الله عليه وسلم الخير والصدقة على الفعل فقط، بل من رحمته وشفقته صلى الله عليه وسلم جعل ترك النطق بالسوء وتجنّب فعل الشر صدقة، فقال صلى الله عليه وسلم: {أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ حِفْظُ اللسَانِ}{3}
وقال صلى الله عليه وسلم فى بيان شافٍ بإسلوب تفهيمى وشرح متدرج يأخذ بالمسلم نحو الفهم الواعى والمستنير للمعنى المتكامل للصدقة فى الإسلام: {عَلى كُلِّ مُسْلمٍ صَدَقةٌ، فقالوا: يا نبيَّ الله فمَن لم يَجِدْ؟ قال: يَعملُ بيدِهِ فينفَعُ نفسَهُ ويتصدَّقُ، قالوا: فإِن لم يَجِدْ؟ قال: يُعِينُ ذا الحاجة المَلهوفَ، قالوا: فإِن لم يَجِدْ؟ قال فَلْيَعملْ بالمعروفِ، وليمْسِكْ عن الشرِّ، فإِنَّها لَهُ صدقة}{4}


وهكذا نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسَّع سبيل القربات، وكثَّر أبواب النوافل والخيرات ... لماذا؟ مراعاة منه صلى الله عليه وسلم لإصلاح المجتمعات وصلاح الجماعات فهى أسُّ جميع الخيرات، حتى جعل كل ما يوطّد العلاقات بين الأفراد عبادة يُتَقَربُ بها إلى الله ولو كان بذل السلام، قال صلى الله عليه وسلم:{يُصْبِحُ على كُلِّ سُلاَمَى مِنَ ابنِ آدَمَ صَدَقَةٌ، تَسْلِيمُهُ على مَنْ لَقِيَ}{5}


وجعل أى عون لأى مسلم بأى كيفية عبادة توازى الصدقة فى الأجر والثواب فقال صلى الله عليه وسلم: {وعوْنُ الرَّجُلِ أخَاهُ علـى الشَّيءِ صدقةٌ}{6}
بل جعل كل ما يتعارف عليه الناس فى أى زمان ومكان وطالما أنه يتوافق مع تعاليم الإسلام؛ جعله صلى الله عليه وسلم صدقة لمن يقوم به،. اسمعوا للحديث: {كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقة}{7}


هذه العبادة الخاصة التى أرسى قواعدها إمام الرسل والأنبياءصلى الله عليه وسلم. وهى والتى حرص عليها أصحابه الكرام ... وخاصة أبو بكر وعمر رضى الله عنهما، بل وهى التى سارع فيها العلماء العاملون والصالحون فى كل زمان ومكان إلى يومنا هذا ... إلى يوم الدين إن شاء الله، وهى "نوافل المقربين" التى قمنا بتوضيحها فى كتابنا هذا ، وذكرنا بتوفيق الله أبوابها، مع ذكر نماذج للسلف الصالح فى القيام بها والمحافظة عليها، علَّ الله عز وجل يمنُّ علينا فى هذه الصحوة الإيمانية المباركة بتطبيق هذه العبادات والنوافل المباركات لإصلاح أحوال المجتمعات الإسلامية كما قال الإمام مالك رضي الله عنه فيما ورد عنه واشتهر وذاع: {لا يصْلُح آخرُ هذه الأمة إلا بما صَلُحَ به أولها}{8}


والله عز وجل أسأله أن يمن علينا بفضله وتوفيقه فيُظْهِرُ بنا وفينا قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} التوبة33
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الخميس 6 جمادى الآخرة 1431هـ، 20 مايو 2010م.
فوزي محمد أبوزيد



{1} أخرجه البيهقي عن أبى هريرة
{2} أخرجه البيهقي فى شعب الإيمان والطبراني فى الكبير
{3} أخرجه الديلمي عن معاذ بن جبل
{4} الشيخان عن سعيد بن أبى بردة عن أبيه عن جده
{5} رواه أبو داود عن أبى ذر
{6} أخرجه الطبراني عن ابن عباس
{7} أخرجه البخارى عن جابر ومسلم عن حذيفة
{8} عن الإمام مالك فى مجموع فتاوى ابن تيمية والتمهيد وأضواء البيان للشنقيطى، وفى إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، وبها زيادة :{ولكن كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم، ونقص إيمانهم، عوضوا عن ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك}

[/frame]