http://www.aleqt.com/2015/05/19/article_958661.html
الخلل في قصر سيولة الأفراد على الشركات الكبيرة
د. فهد بن عبد الله الحويماني
أبواب السوق المالية السعودية موصدة في وجوه المنشآت الصغيرة والمتوسطة، هذا هو واقع الحال. ما سبب هذا الخلل؟ وإلى متى تبقى السوق المالية ناديا خاصا للشركات الكبيرة، أو تلك التي تطبخ قوائمها المالية بشكل يكفي لجعلها كبيرة في عين النظام؟ وهل استفدنا بالفعل من السماح للشركات "الكبيرة" دون غيرها بالاستحواذ على سيولة الأفراد؟ وهل الشركات الكبيرة أقل خطرا وأكثر أمانا من الشركات الصغيرة والمتوسطة؟ هل نحن بحاجة إلى تقديم جرد كامل بالشركات "الكبيرة" التي سُمح لها بالاستيلاء على أموال الأفراد، والتي اكتشفنا في نهاية الأمر أنها مجرد شركات عادية، معرضة للمخاطر التجارية والاقتصادية كغيرها من الشركات؟ هل إذا المخاطر القانونية والإدارية في هذه الشركات "الكبيرة" أقل منها في الشركات الصغيرة والمتوسطة؟ مرة أخرى، بمجرد نظرة سريعة إلى تاريخ الاكتتابات لدينا، يأتينا الجواب دون عناء أو تفكير. ثم أليست الشركات الصغيرة والمتوسطة هي التي بالفعل بحاجة إلى التمويل، الذي لا تجده بسهولة من مصادره التقليدية، وليست الشركات الكبيرة القائمة التي لديها مصادرها المتنوعة؟ كيف يمكن معالجة هذا الخلل؟
تتوافر لدى المستثمرين الأفراد في المملكة سيولة مالية عظيمة، قلما تجد لها مثيلا في العالم، حيث يتأكد لنا يوما بعد يوم أن شهية الأفراد نحو الاكتتابات لا تزال كبيرة. فما أن تطرح شركة "كبيرة" للاكتتاب الأولي، أو الإضافي عن طريق حقوق الأولوية، إلا وتتم تغطية الاكتتاب عدة مرات. هذه في الواقع نعمة عظيمة يغبطنا عليها كثير من الأسواق المالية حول العالم، إلا أنه مع الأسف غير مسموح لكائن من كان بالاستفادة من هذه السيولة المباركة، إلا من كانت لديه شركة "كبيرة"، ولا يهم إن كانت لديه مشاريع كبيرة قادمة وفرص استثمارية توسعية أم لم يكن، كون التنظيم القائم يمنح هذه القطط السمان فقط حق الظفر بسيولة الأفراد. لذا رأينا كيف أن كثيرا من الشركات "الكبيرة"، ممن سارعت في الدخول إلى هذا النادي الخاص، قامت بذلك لاستغلال هذه الثغرة التنظيمية ليتخارج مؤسسوها من استثماراتهم، لا لكون السوق المالية وسيلة تمويلية للتوسع والنمو، كما ينبغي. هنا خلل كبير لا شك.
تعاني المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة محدودية فرص التمويل، التي إن وجدت فستكون عن طريق المصارف المحلية، التي لا تألو جهدا في فرض شروط وضوابط صارمة قبل أن تتكرم على هذه المنشآت بالموافقة على تمويل متواضع وبفوائد عالية. أمر مؤسف أن تلجأ الحكومة بنفسها لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، أو في أحيان أخرى تقوم بتقديم ضمانات مالية لتلك المنشآت لكي توافق المصارف على إقراضها. على سبيل المثال، يقوم صندوق التنمية الصناعية بتقديم ضمانات تصل إلى 80 في المائة من قيمة القرض للمصارف لتتمكن المنشأة الصغيرة أو المتوسطة من الحصول على ما تحتاج إليه من تمويل، أي أن المصارف السعودية لا تقبل بأي درجة من درجات المخاطرة، في تحد صارخ لطبيعة عمل المصارف، إلا أن تمت إزالة المخاطرة بشكل شبه كامل. لذا لجأ صندوق الاستثمارات العامة أخيرا، بإيعاز حكومي، إلى إنشاء صندوق صناعي برأسمال مليار ريال بهدف دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
ما الحل؟
الحل يأتي عندما نستوعب أن السوق المالية ليست ناديا حصريا لكبار الشركات، بل إنها ساحة وطنية لالتقاء رؤوس أموال المستثمرين في المنشآت التجارية الباحثة عن تمويل، وإن الهدف من التمويل هو فقط للنمو والتوسع، لا للتخارج أو لمجرد السماح بالمشاركة الجزئية في ملكية الشركة. هذا يعني أننا بحاجة إلى سوق مالية حديثة، غير حكومية، قائمة على أسس تجارية وخالية من الوصاية المضللة، تفتح أبوابها لجميع المنشآت التجارية الوطنية، وتعمل وفقا لأفضل الممارسات العالمية في هذا المجال. تشكل المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة نحو 75 في المائة من عدد الشركات العاملة في المملكة، 29 في المائة من هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة أغلقت أبوابها أخيرا بسبب صعوبات مالية وتمويلية، بحسب تقرير صادر من مجلس الغرف السعودية.
الحل يأتي عندما ندرك أننا في غنى عن الوصاية المزعومة على أموال الأفراد، وهو النهج الذي تتخذه هيئة السوق المالية منذ إنشائها. فالهيئة تفتح باب التمويل للشركات الكبيرة بحجة غير مثبتة أن الشركات الكبيرة آمنة أكثر من الصغيرة والمتوسطة، على الرغم من أن الدلائل تشير إلى عدم صحة ذلك. ماذا استفاد اقتصادنا الوطني عندما تم الزج بمليارات الريالات في بطون شركات محدودة، تحصل مالكوها في بعض منها على عدة مليارات لكل واحد منهم؟ وهل هذا أفضل مما لو أن هذه المليارات ضُخت في مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة التي هي بالفعل العمود الفقري للحركة الاقتصادية في المملكة؟ إن ممارسة هذا النوع من الوصاية خطير جدا، كونه يمنح إحساسا مضللا بأمان لا وجود له في واقع الأمر، في حين من المفترض أن يقتصر دور الهيئة على إجازة الشركة من ناحية نظامية والإقرار بصحة بياناتها المالية، فقط لا غير.
لا يوجد ما يمنع من إنشاء أسواق مالية منافسة للسوق المالية الوحيدة لدينا، وإتاحة الفرصة لعدد كبير من الشركات الوطنية في الحصول على ما تحتاج إليه من تمويل، لا سيما أن لدينا شركات كثيرة تعمل في مجالات متنوعة ومتميزة، من صناعية وتقنية وزراعية وخدماتية، ولديها نتائج مالية مبهرة، فقط ينقصها التمويل الكافي للنمو والتوسع في نشاطاتها. هل المستثمرون في المملكة في حاجة إلى هيئة السوق المالية لتختار لهم ما يصلح من الشركات؟ هل الهيئة تعرف الأسس التجارية للشركات أفضل من المستثمرين أنفسهم، وبالتالي فهي من يقرر من له الحق بدخول السوق المالية دون غيره؟ أعتقد أننا في حاجة إلى إعادة النظر في طريقة عمل السوق المالية، وتفعيلها بشكل أفضل مما هي عليه اليوم، ليتم بالفعل تحقيق الأهداف الرئيسة من إيجاد سوق مالية في المملكة.
المفضلات