من يقصر نظره على سوقه المحلي الذي يتابعه سوف يفوت الفرصة امامه لدراسة الكثير من الحالات التي تمر بها الاسواق العالمية واستخلاص الدروس والعبر منها. ومن يؤمن أن سوقه المحلي لايشبه الاسواق فلن يتعلم اطلاقا. بطيه احد هذه الدروس من الاسواق العالمية وسبق ان تكلمنا عن درس فولكسفاجن لكن في موقع اخر فليراجعه من شاء.
سجل امس سهم الشركة في سوق لندن تراجعا كبيرا بنسبة 29% من حوالي 97بنس الى 68بنس اضافة لسلسة التراجعات التي مني بها هذا السهم بعد استمرار تراجعه من مستويات 300 بنس مطلع مايو هذا العام. وهذه بعض الدروس التي احببت ان اسجلها تعليقا على هذا الحدث:
1-هذا التراجع سلسلة في حلقة تراجع اسهم شركات السلع والمعادن والتي تعكس المشاكل التي تمر بها اسواق السلع وما تثيره من مخاوف حول النمو العالمي نتيجة لتأثيرها الثنائي على اقتصادات الدول المصدرة للسلع من جهة وعلى التضخم في اقتصادات الدول المتقدمة من جهة اخرى اضافة الى ما تحمله من اشارات صريحة حول تراجع الطلب في دول الاستهلاك كالصين وغيرها مما يعزز المخاوف من تباطؤ النمو في هذه الدول التي كانت هي محرك النمو العالمي خلال هذه الفترة.
2- الدرس الثاني، ا
ن الرافعة المالية نقطة ايجابية في أوقات الازدهار لأنها ترفع العائد على الاستثمار لكنها تشكل خطرا كبيرا في أوقات الشدة وهذا بالضبط ما أوقع جلنكور في المشاكل خلافا لشركات المعادن والسلع الشبيهة. في هذا الرسم البياني مقارنة لنسبة الديون الى حقوق الملكية (
وهو مؤشر مهم للرفع المالي) لعدد من الشركات الشبيهة وقد وضعت شركة
معادن لمقارنة حجم مديونيتها بالشركات الاخرى.
3- تهاوي سهم الشركة بهذه الحدة كان حالة غريبة من نوعها في شركات مؤشر FTSE100 حيث انه لم يحدث نتيجة افصاحات جوهرية كارثية وانما نتيجة تظافر مجموعة من العوامل كونت حالة مثالية لكرة ثلج من الخوف والفزع بين المستثمرين
وسأذكر هذه العوامل لأنها عامة ولا تخص الشركة وتتكرر في أسواق المال /
أ) الرفع المالي العالي للشركة كما سبق الإشارة إليه
ب) سوداوية النظرة المستقبلية لأسواق السلع (مجال عمل الشركة)
ت) عدم الوضوح في تصرفات إدارة الشركة حيث كانت تؤكد باستمرار متانة مركزها المالي لفترة طويلة ثم أعلنت عن خطة لتخفيض الدين قبل فترة وتلكؤها في تطمين مخاوف المستثمرين.
ث) في هذه الظروف، والشركة تحت الضوء لابد من خروج تقارير متشائمة اما بحكم طبيعة معدها ونظرته او لأسباب أخرى تحاول تعزيز تلك النظرة المتشائمة وتطرح سيناريوهات سوداوية لم تكن مطروحة سابقا مع انه لم يطرأ على موقف الشركة الأساسي أي تغيير. في حالتنا هذه، شركة أبحاث طرحت سيناريو بموجبه ستتبخر قيمة حقوق الملكية لشركة جلنكور لتصبح كامل قيمة المنشأة تساوي مطلوباتها. بل ان البعض اسمها ب ليمان برذرز أسواق السلع.
4- وكما تتهاوى الأسعار بسبب تظافر أسباب تهيء بيئة مثالية للمخاوف وليس لأسباب أساسية، فهذه البيئة نفسها تخلق الوسط المناسب لارتدادات عكسية حادة. في وقت كتابة هذه المدونة، مازال سهم الشركة يرتفع بنسبة 17% بالمئة ليقلص جزء كبير من خسائره امس. وذلك بفضل تأكيدات الشركة على متانة مركزها المالي ودحض شبهات السيناريو الذي طرحته شركة الأبحاث ودفاع المحليين الذين يرون متانة موقفها المالي وطرح إمكانية ان تشتري الشركة أسهمها وسحبها من الأسواق اذا استمرت في تقييمها المنخفض. وحسب رويترز 2 فقط من اصل 23محللا اصدروا توصيات بيع.
5- سوق الأسهم لاتعطي الصورة الكاملة للموضوع فهل هذه الاستجابات السريعة تعطي إشارات حقيقة؟ في الأسواق المتقدمة يلجأ المستثمرون أيضا لأخذ رأي سوق مهم واساسي واقل عرضة للتأثر النفسي وهو سوق الدين خصوصا لشركة تعاني من ارتفاع ديونها
وهناك اداتان مهمتان في هذا الصدد هما:
1)
العائد على سندات الشركة. حيث ارتفع العائد على سندات جلنكور الى 15% (وارتفاع العائد يعني ارتفاع المخاطرة وضعف جودة الدين) وهذا بلاشك يعني ان لاسواق الدين رأيا اخر.
2) تكلفة التأمين على الدين اومايعرف
بمبادلة مخاطر الائتمان (Credit Default Swap, CDS). وهو ببساطة الهامش الذي يدفعه حامل السند لطرف ثالث لتأمين ضد مخاطر تعثر المدين. في حالة جلنكور يبدو ان سوق الدين لم تهتم كثيرا بارتفاعات سوق الأسهم حيث مازالت تكلفة التأمين على ديون جلنكور ترتفع حتى وصلت مستويات 900 نقطة أساس مرتفعة من 700 نقطة اساس يوم امس.
المفضلات