http://www.aleqt.com/2014/09/09/article_884828.html
لعبة سوق الأسهم
د. فهد بن عبد الله الحويماني
ألعاب القمار تشترك في خاصية واحدة، وهي أن مجموع الأموال الناتجة عن عمليات الفوز والخسارة يساوي صفرًا. لو أن شخصين قاما بممارسة لعبة من هذه الألعاب فيما بينهما، وفي جيب كل منهما 100 ألف ريال، فسنجد في نهاية اللعبة أن كمية المال في اللعبة لم تتغير عند 200 ألف ريال، غير أنها توزعت بين الاثنين بشكل أو بآخر. فهل سوق الأسهم تعتبر من هذه الألعاب ذات المجموع الصفري؟
نسمع أحيانًا البعض يقول إن سوق الأسهم عبارة عن مقامرة، بمعنى أن الشخص يخاطر بماله بشكل عشوائي لا تُعرف نتيجته النهائية، التي تخضع بشكل مطلق لعامل الحظ، وأنه في نهاية الأمر لا توجد قيمة مضافة، مجرد أن مكسب فلان جاء على حساب علان، فتكون السوق مجرد لعبة للتسلية، يتحدد مصيرها عن طريق الحظ، بل حتى إن تم التعامل بالأسهم بطرق علمية مدروسة، وتم انتقاء الأسهم بشكل سليم، فإن النتيجة النهائية أن أموال الرابحين تأتي من أموال الخاسرين، أي أن سوق الأسهم في جميع الحالات لعبة محصلتها المالية النهائية صفر. ما الفائدة من سوق الأسهم إذا كانت بالفعل نتيجته النهائية صفرًا؟ ولماذا يسمح بها في هذه الحالة؟ هل التسلية الناتجة عن تداول الأسهم كافية لفتح سوق للأسهم، أم أنها مجرد وسيلة لإعادة توزيع الثروة بالحظ أو الشطارة أو المراوغة؟
لمعرفة الإجابة عن هذه التساؤلات علينا أولًا تقسيم سوق الأسهم إلى قسمين: الأول هو القسم المعني بالشركات المدرجة ذاتها، التي هي عبارة عن كيانات اقتصادية تقدم سلعا وخدمات للمجتمع، وتنمو وتزدهر من خلال ما تتحصل عليه من أموال عن طريق سوق الأسهم، وهذه تعتبر من النشاطات الاقتصادية التي لا تنتهي بالمحصلة الصفرية. على سبيل المثال، عندما تقترض شركة لتنمية عملياتها، فهي تستفيد وتنمو، وكذلك من أقرضها يستفيد وينمو، فتصبح العملية مربحة لكلا الطرفين. أما القسم الآخر من سوق الأسهم، فهو السوق الثانوية التي من خلالها يتم تبادل أسهم الشركات، وتختلف ذلك عن السوق الأولية- أو سوق الاكتتابات- التي تذهب محصلاتها إلى الشركات نفسها. لاحظ أن عدد الأسهم في السوق الثانوية ثابت لا يتغير إلى أن تتم تغذيته عن طريق السوق الأولية، لذا أول نتيجة نكتشفها هنا هي أن عدد الأسهم في السوق الثانوية خاضع للعبة المجموع الصفري، حيث إن عدد الأسهم الإجمالي ثابت، وأن ما يحدث في نهاية كل يوم هو أن تتوزع كميات الأسهم بشكل أو بآخر على محافظ المتداولين، بين زيادة عدد الأسهم في محافظ وانخفاضها في محافظ وبقائها كما هي في محافظ أخرى، ولكن ماذا عن الأموال النقدية في تلك المحافظ، هل هي ثابتة كذلك أم تتغير؟
على فرض عدم دخول أي أموال جديدة في السوق، فإن كمية الأموال النقدية في جميع المحافظ لا تتغير بغض النظر عن عدد العمليات التي تتم، وبغض النظر عن أسعار الأسهم التي يتم تداولها، عدا ما يتم استقطاعه من أموال المتداولين كعمولات أو رسوم أو فوائد، نتجاهلها في هذه الفكرة المبسطة. في هذه الحالة من الواضح أن تداول الأسهم يعد عملية محصلتها المالية صفرية (لا فائدة منها)، بخلاف ما يقال عادة عن أنها من ألعاب المحصلات غير الصفرية، لذا فإن الخطأ في مقولة: إن سوق الأسهم ليست من ألعاب المحصلة الصفرية؛ (أي أن لها فائدة) تعود لعدم التفريق بين هذين القسمين: السوق الأولية والسوق الثانوية، حيث يتضح أن السوق الأولية تؤدي إلى قيمة اقتصادية مضافة لا خلاف عليها، أما السوق الثانوية فهي لا شك (في رأيي) أنها سوق لعبة محصلتها المالية صفرية. ولكن الإشكالية هنا أنه على الرغم من كون السوق الثانوية تعتمد على السوق الأولية، حيث لا يمكن تداول الأسهم قبل أن تمر على السوق الأولية، إلا أن السوق الأولية ذاتها تعتمد على السوق الثانوية، وذلك لأن الأسهم عندما تطرح للاكتتاب يقبل عليها الناس لعلمهم بأن هناك سوقا ثانوية لها، وإلا لما أمكن الاكتتاب فيها؛ أي أن الناس يقبلون على السوق الأولية؛ لأنهم يعلمون أن باستطاعتهم تداول الأسهم في السوق الثانوية. لذا فعلى الرغم من كون السوق الثانوية لعبة محصلتها المالية صفرية، إلا أنها مرتبطة بالسوق الأولية بشكل يجعلنا نقول إجمالًا إن سوق الأسهم ليست من ألعاب المحصلة المالية الصفرية.
هنا ينشأ سؤال آخر: ألا تتعاظم الثروة عندما ترتفع أسعار الأسهم؟ عندما تتجاوز القيمة السوقية للأسهم السعودية حاجز تريليوني ريال، كما هو هذه الأيام، أليس في ذلك ارتفاع لثروات المتعاملين في الأسهم؟ ثم حين تنخفض تلك القيمة السوقية بأكثر من نصف قيمتها، كما حدث في عام 2006، أليس في ذلك هبوط في مقدار ثروات المتعاملين؟
الجواب عن ذلك هو أنه لو نظرنا في أي وقت من الأوقات إلى قيمة كل محفظة أسهم على حدة، فسنجد أنها تحتوي على أموال نقدية زائد عدد من الأسهم بنسب وكميات متفاوتة، وأن إجمالي الأموال النقدية في جميع المحافظ ثابت لا يتغير، وكذلك العدد الإجمالي للأسهم ثابت لا يتغير. على سبيل المثال، عند شراء ألف سهم بسعر 50 ريالا، يتم خصم ألف سهم من محفظة وإضافتها إلى أخرى، ويتم خصم 50 ألف ريال من محفظة وإضافتها إلى أخرى، بنتيجة إجمالية تساوي صفرًا. الشيء المتغير هو القيمة السوقية للأسهم في المحفظة، التي تسمى الربح الورقي للمحفظة؛ كونها في الحقيقة ليست أموالا نقدية، ولا يمكن تحويلها إلى أموال نقدية إلا ببيعها. الخلل في فهم الثروة الناتجة عن ارتفاع القيمة السوقية للأسهم هو أننا نفترض أننا نستطيع بيع الأسهم التي في المحفظة بالسعر السوقي الظاهر، وهذا غير صحيح إجمالًا؛ لأنه لو حاولنا جميعًا بيع ما لدينا من أسهم لانخفضت قيمتها بشكل سريع وعنيف، وهو ما رأيناه في عام 2006. إذًا القيمة السوقية الكلية مضللة إلى حد كبير، ولا تعني زيادة في أموال المتعاملين؛ لذا نقول إن الربح الورقي لعبة مجموعها غير صفري، أما الأموال النقدية للمتعاملين فهي لعبة مجموعها صفري، يأتي مكسب فلان على حساب علان.
التعامل بالأسهم يحتوي على جانب يجعله لعبة عديمة الفائدة (بمعنى محصلتها المالية صفرية)، وجانب يجعل محصلته غير صفرية، غير أنه بسبب ترابط الجانبين يمكننا القول إن الأسهم بشكل عام لعبة محصلتها المالية غير صفرية.
Registered User
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ALSAADOUN
ضوابط المشاركة
رد مع اقتباس
المفضلات