http://www.aleqt.com/2015/03/24/article_942633.html
عمولات التداول بلغت 30 مليار ريال
د. فهد بن عبد الله الحويماني
إن موضوع عمولات تداول الأسهم السعودية أمر محير، فعلى الرغم من أهميته وضخامة حجم ما يستقطع يوميا من أموال المتداولين مقابل خدمات بسيطة ومتواضعة، إلا أنه لا يبدو أن هناك من يهتم بهذا الموضوع، وكأنه أمر مفروغ منه، واجب قبوله وعدم مناقشته! ولو سألت أحد المسوولين عن سبب بقاء العمولة بهذا الشكل المخل، فلن تسمع جوابا شافيا، وربما يكتفي بمقولة هكذا وجدنا آباءنا وأجدادنا فاعلين.
بإجراء حسبة بسيطة لمقدار العمولات التي استقطعت من المتداولين في المملكة على مدى 11 عاما مضت، من 2004 إلى 2014، تبين أنها بلغت 30 مليار ريال سعودي، وقبل الدخول في أية تفاصيل، أشير إلى أن هذه النتيجة يتم التوصل إليها بجمع القيمة الإجمالية للأسهم المتداولة في كل عام، وهي عبارة عن سعر السهم في عدد الأسهم المتداولة لكل شركة طيلة العام، ومن ثم ضرب ذلك بنسبة العمولة البالغة 1.20 ريال لكل ألف ريال. ولكي أكون منصفا أكثر فقد افترضت أن الوسطاء يمنحون عملاءهم تخفيضا بنسبة 50 في المائة على العمولة، هذا على الرغم من اعتقادي أن نسبة التخفيض في المتوسط لا تصل إلى هذا الحد. على سبيل المثال، بلغت القيمة الإجمالية لجميع الأسهم المتداولة في عام 2014 (بحسب بيانات "تداول") مبلغ 2.1 تريليون ريال، وبذلك تكون العمولة الرسمية 2.5 مليار ريال، تضرب في 2 كونها تؤخذ من البائع والمشتري، فتصبح خمسة مليارات ريال. وإذا افترضنا جدلا أن هناك تخفيضا على العمولة بمقدار 50 في المائة، تكون عمولات عام 2014 مبلغا قدره 2.5 مليار ريال. وإذا جمعنا عمولات السنوات الـ 11 الماضية بالطريقة نفسها يصبح إجمالي ما تم استقطاعه من المتداولين (بتحفظ) 30 مليار ريال سعودي.
من يعلق الجرس؟ ومن يستطيع إيقاف ذلك؟ لا أعلم ولكن دعونا نستعرض تاريخ العمولات في السوق السعودية، ونراجع أنفسنا قليلا، لعل لهذا المبلغ المهول ما يبرره.
من المعروف أن سعر أي منتج أو خدمة مرتبط بشكل كبير بتكلفة المنتج أو الخدمة، وهذا هو الوضع الطبيعي في أي سوق تجارية في أي مكان في العالم، إلا إن تم وضع الأسعار بطريقة عشوائية أو كانت هناك مسببات احتكارية أو كنتيجة لغياب الأنظمة والعدالة القانونية. على سبيل المثال عندما تجد سعر جالون الحليب يباع بستة ريالات، فالسبب أن تكلفة الإنتاج ربما تكون ثلاثة ريالات، إضافة إلى ريال كربح للشركة وريال للموزع وريال للبائع، فيكون سعر البيع النهائي ستة ريالات. لكن بالنظر إلى تكلفة عمولة تداول الأسهم في سوق الأسهم السعودية نجدها غير مرتبطة بالتكلفة الفعلية لعملية البيع والشراء المنفذة من قبل أطراف العملية كالمصارف والوسطاء وشركة تداول وهيئة السوق المالية. الحقيقة أن التكلفة الفعلية لعملية التداول ضئيلة جدا، كونها تتم بطريقة آلية بحتة من خلال معدات وبرامج وأجهزة وخطوط اتصال تكلفتها معروفة ومتدنية.
حين أوكل لمؤسسة النقد العربي السعودي تنظيم تداول الأسهم وقصر تداولها على المصارف السعودية عام 1984، كانت تكلفة العمولة بحد أدنى 25 ريالا وبنسب عمولة مختلفة حسب حجم التداول، إلا أنها بشكل عام كانت ضعف ما هي عليه اليوم، وكانت المصارف تستقطع 95 في المائة من العمولة و 5 في المائة تذهب لمصلحة الشركة السعودية لتسجيل الأسهم. لاحظ أنه على الرغم من أنها تعتبر عمولة عالية جدا، إلا أنها في وقتها كانت معقولة نظرا لتدني مستويات التداول واعتماد المصارف على الوسائل اليدوية المكلفة بإتمام الصفقات. ثم تغيرت العمولة لاحقا لتصبح 15 ريالا كحد أدنى و15 ريالا عن كل عشرة آلاف ريال، شراء أو بيعا، وأخيرا في عام 2006 خُفضت بنسبة 20 في المائة عما كانت عليه لتصبح 12 ريالا كحد أدنى و12 ريالا عن كل عشرة آلاف ريال إضافية.
لضيق المساحة وكثرة ما يمكن قوله في هذا السياق، أقوم باختصار المشكلة على شكل نقاط كما يلي:
1. يقدر حجم ما تم استقطاعه من عمولات مقابل تداول الأسهم السعودية منذ عام 2004، وبشيء من التحفظ، بنحو 30 مليار ريال.
2. يأتي هذا الكسب الكبير لمصلحة المصارف في الوقت الذي يفترض أن يكون لها دور مباشر في تعويض المتضررين من نكبة الأسهم لعام 2006، فصدق فيها المثل " أَحَشَفَا وَسُوْءَ كِيلة؟".
3. إن من يقوم بالعبء الأكبر في عملية التداول –"تداول" وهيئة السوق - هما من يتحصل على الحصة الأقل من عمولة التداول، حيث يستقطع فقط 15 في المائة لمصلحتهما، على الرغم من قيامهما بمعظم الأعمال: الإيداع والتداول والتسوية والمقاصة والمراقبة والتوعية وتسجيل الأسهم ونشر الأخبار والبيانات وغيرها.
4. من الخطأ مقارنة العمولة لدينا بما هو متبع في دول الخليج والدول العربية، وذلك لصغر حجم هذه الأسواق وتواضع مستويات التداول فيها، فيجب النظر إلى المبلغ الإجمالي المتحقق، وكذلك من الخطأ مقارنة نسبة العمولة على الأسهم بغيرها من عمولات، كعمولات بيع الأراضي وشرائها، وذلك لضخامة حجم سوق الأسهم وعدد الصفقات التي تتم يوميا.
5. لا يوجد كما ينبغي أية علاقة بين مقدار عمولة التداول وتكلفتها على الوسيط، وهو الأمر المخالف للتسعير الطبيعي للمنتجات والخدمات.
6. لا توجد هناك خدمات متميزة لتبرير العمولة، ولو جزئيا، بل إن ما يقدم من برامج حاسوبية وقنوات اتصال تعد بدائية وغير مرنة ومن الصعب الاعتماد عليها من قبل المتداولين، ناهيك عن عدم توافر أي من أدوات التحليل المتعارف عليها ولا أي نوع من التقارير التحليلية والدراسات ولا الرسوم البيانية الحديثة ولا حتى خدمات عملاء معقولة.
7. بقدرة قادر تم ربط تكلفة العمولة بحجم الصفقة المنفذة، على الرغم من أن التكلفة الفعلية لتداول مليون سهم لا تختلف عن تكلفة تداول سهم واحد، كون العملية تتم بطريقة آلية لا ترهق أجهزة الحاسب ولا موظفي المصارف، كبر حجم الصفقة أم صغر، وهذا ما تم تداركه في البورصات العالمية منذ زمن طويل، حيث تم تحديد تكلفة العمولة بمبلغ ثابت بمعزل عن حجم الصفقة.
8. لسبب غير مفهوم، حددت هيئة السوق المالية مبلغ 12 ريالا كحد أدنى للعمولة، فهل يا ترى لدى الهيئة شك في مدى ربحية الوسطاء ما يجعلها تصر على عدم تخفيض التكلفة لما دون ذلك؟
9. على الرغم من وجود تنافس بين الوسطاء على استقطاب العملاء، إلا أن الحس التجاري لديهم يمنعهم من خفض نسبة العمولة بشكل يؤدي إلى الإضرار بهم جميعا، فلا يوجد حقيقة أي محفز لديهم لخفض العمولة.
10. هيئة السوق المالية مؤتمنة من قبل الدولة على أموال الناس، ومن غير المناسب أن يتم سنويا تحويل مبالغ ضخمة من الأفراد لمصلحة القطاع الخاص دون وجه حق وبغطاء شرعي حكومي.
ختاما، بحكم التجربة الطويلة وما يتوافر لدى هيئة السوق المالية من بيانات حول مبالغ العمولات وتكلفة تقديم الخدمة من قبل الوسطاء، وعطفا على التجارب الدولية، وأخذا في الاعتبار طبيعة السوق السعودية، فلا بد لهيئة السوق المالية من المبادرة وبشكل عاجل لتحديد تكلفة العمولة بشكل مطلق، ربما على هيئة جدول متدرج، بحيث لا تتجاوز تكلفة العمولة 100 ريال بغض النظر عن حجم الصفقة.
المفضلات