الوصية في تأويل رؤيا التيوس المخصية
حدث ابن هرتمة قال :
رأيت ليلة فيما يرى النائم أن امرأة دميمة الخلقة ، قبيحة اللون ، تخرج من بعض ثيابي ، فانتبهت فزعا ، واستعذت ونفثت ، ثم عاودني النوم فرأيت كأنني في سوق الإماء أتخير من حسانهن جارية ، إذ أبصرت منهن بيضاء فارعة كأن عنقها إبريق فضة ، قد انحسر صدارها عن أكثر ترائبها فبدت مصقولة كالسنجلجل ، فما ملكت نفسي أن اشتريتها ، ورأيت كأن دراهم ذهب تخرج من ...فرجات ضلوعي ، وصاحب الإماء يتلقفها ، حتى استكمل حقه ، ثم رأيت كأنه يكتب لي عقد البيع على لوح من الثلج ، فلما فرغ ، أخذت الجارية من كفها وشخصت بها جهة البيت ، وإني لفي سرور لا يشبهه سرور ، وأشد ما يجد المرء من الحبور ، فلما كنت في بعض الطريق أهويت نحوها لأرفع ثوبها ، فتمنعت بغنج وقالت : حتى نبلغ البيت
فلما جاوزنا عتبة الباب ، وثبت نحوها وثبة الهزبر ، ولويت اليد على الخصر ، فما تلبثنا قائمين حتى وقعت الواقعة ، ونحن في دعة جامعة ، حتى عزمت أن يبلغ الأمر تمامه ، لولا أنه تأخر علي الانتشار ، فكدر ما كان من السرور ، وذهب بالحبور ، واحتلت له بصنوف الحيل فما كان منه إلا إجابة الميت ، وكأن ليس معي إلا قطعة من القماش رثة ، قد أنهكتها العثة ، فلما استيأست من نفسي ، قمت خجلان أسفا ، وشغلت عن الجارية بما أصابني ، وسرحت عنها ساعة فلما التفت رأيتها لعينيها رفيفا ، وسمعت لأنفاسها حفيفا ، ففزعت نحوها ، فما أدركتها حتى أغمي عليها ، واحتلت لإفاقتها بكل حيلة فما استطعت ، وما شككت أن بائع الإماء غشني ، فباعني جارية مريضة اختبأ سقمها في مليح رسمها ، فحملتها بين ذراعي على الفور ، وقصدت البائع فلما حضرته حدثته ، فأنكر ، وكر في الخصام وفر ، ودلس وتملص ، فمازلت ألاحيه ، حتى أخرج لي قطعة بلاط ، وأشار بيده جهة البحر ، فعزمت أن أشكوه ، وحملت الجارية قاصدا الوالي ، فلما بلغت قصره ، نظرت في حائطه فما رأيت من البشر أحدا ، وما كان فيه إلا قطيع تيوس مخصية كلها ، وهتفت فما أجبت ، وناديت فما سمعت ولا رأيت ، حتى أجهدني القيام ، ولقيت من حملي الجهد حتى أوشكت أن أوافي الحمام ، فسجيت الجارية على التراب ، وبكيت بكاء من فقد الأحباب ، حتى أفقت دهشا مما رأيت ، فقصدت ابن اللبانة ، وهو خير من يؤول الرؤى ، فبلغته ومجلسه عامر بالأصحاب ، وقصصت عليه رؤياي فتبسم ثم قال :
- أخرج ما في جيبك
- فأخرجت هاتفي الجوال وكان قديما أنهكته الكسور ونهبت شاشته الخدوش، فلما وضعته قال ابن اللبانة : هذا تأويل المرأة التي تخرج من ثيابك ، وأما الجارية فهاتف ذكي صقيل جميل تشتريه بأكثر مالك ، ويبلغ من فرحك به أنك تحاول فتح علبته في الطريق قبل بلوغ بيتك فما تستطيع ، وأما ما كان من مرض الجارية فعطل يكون في هاتفك الجديد في أول أيامه ثم يأبى تاجر الهواتف أن يصلحه أو يستبدله ، وقد غشك فيه عن علم ، وما كتابته العقد على لوح ثلج إلا كناية عن ذوبان أمانته وذهاب وعوده ، وأما البلاطة والبحر فلعله أن يقول لك في جملة قوله : ( اذهب فبلط البحر ) ، والتيوس المخصية قوم يقال لهم حماية المستهلك ، لا هيبة لهم ولا أثر
قال ابن هرتمة :
فبقي أمر رابني واستحييت أن أسأل عنه ، فقلت : يا ابن اللبانة فسرت فأجدت ، إلا أنه بقي جزء لم يأت عليه تأويلك
فضحك ابن اللبانة حتى ارتخى إزاره وبدت سرته ، ثم قال : قد علمت ما أهمك يا ابن هرتمة ، وما أظنه أفزعك من رؤياك إلا ماكان فيها من تأخر الانتشار ، وعجزك عن إتيان جاريتك
فقلت : نعم والله وما أهمني غيره
قال ابن اللبانة : لا تخف فلعل عطل هاتفك يكون في بعض ملحقاته ، وأحسبه يكون في الشاحن
فما بشرت بخير مما سمعت ، وقد خشيت من قبل أن تكون الرؤيا على ظاهرها
وكان في المجلس جلكسويه المعتوه ، فقام واستقبل القبلة ، ورفع يديه ، فقال : رب إني أعوذ بك من خذلان الشاحن وعطل البطارية
فضج القوم بالضحك ، وكانت سفرجلة العوادة جارية ابن اللبانة حاضرة المجلس ، وكلما تذاكر القوم الرؤيا تتباسط في ماجن القول ، وتؤشر بيدها ، حتى إذا هدأ المجلس ، قامت تضرب على المزهر ، وتغني ( طني ورور )
وكتبه الفقير إلى عفو ربه فلان بن فلان ليلة السبت ، للاحدي عشر ليله من محرم بعد سنه القيادة
والله المستعان
المفضلات