الإحصاء السكاني.. المسح الأسري.. مسح المنشآت.. نريد إحصاءات أكثر



أصبح الإعلان عن عمل مسوحات سكانية – اقتصادية - اجتماعية من قبل المؤسسات الحكومية الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي توحي بعمل وانشغال تلك المؤسسات. وبعد الإعلان عن عمل تلك المسوحات تختفي تلك المؤسسات عن الظهور الإعلامي فترة توحي مرة أخرى بأن لا وجود لها. ولكن تلك الإعلانات تظل راسخة في أذهان المهتمين بالمسوحات السكانية والاقتصادية. ففي العادة يقوموا المهتمين بالاتصال بتلك المؤسسات للاستفسار فيجدون إجابات غامضة، وقد تصل ببعض من تحدثهم في تلك المؤسسات أن لا علم لهم بذلك. ويزيد الطين بله عندما يريد الباحث أو الدارس تلك الإحصاءات أو المسوحات فيجد أن طابع "السرية" قد غلف نشر أهم ما فيها.



وباستثناء التعداد السكاني الفعلي الذي من المفترض أن يحدث كل عشر سنوات، فإن مسح الأسرة ومسح المنشآت هي المسوحات الأكثر أهمية، ولكنهما قديمتان وغير متوفرتان للراغبين في الحصول عليهما. فقد صدرت أخر (وربما هي أول) تلك المسوحات قبل ست سنوات. ولم يسمح لأي من الباحثين (خارج إطار العمل الرسمي الحكومي) في الاطلاع عليها، ولا نعتقد أن أحد استفاد منها حتى الآن. و لا نود القول لمصلحة الإحصاءات العامة أن تتوقف عن البدء في تحديث تلك المسوحات لأن مصيرها أدراج مسئولي تلك المصلحة. رغم أن المقام السامي أشار وفي كثير من المناسبات على وجوب توفر المعلومات بشكل شفاف و مفصل، ناهيك عن سهولة الوصول إليها، بل والإعلان عن توفرها بشكل واضح للمهتمين. ولعلنا نزيد في حث مصلحة الإحصاءات العامة على دعوة المهتمين لورشة عمل أو مؤتمر لمناقشة ودراسة أرقام ونتائج المسوحات السكانية والاقتصادية وتأثيرها على مسيرة الاقتصاد الوطني، وبذلك نضيف قيمة علمية لتلك الأرقام الخرساء. وبطريقة غير مباشرة، نشعر العاملين على جمع وتبويب وتصنيف تلك الأرقام أهمية العمل الذي قاموا به.



وإذا رأى القطاع الخاص أن تلك البيانات قد ساهمت في إضافة المفيد له ، فإنه سيعمل على التعاون مع المؤسسات الإحصائية الحكومية، خصوصاً إذا تم استخدام تلك البيانات بشكل فعال يخدم مسيرة مؤسساتهم الخاصة. فمعرفة الأجور والإنتاجية في الصناعات المختلفة، على سبيل المثال، أصبح مطلب ملح للمنشآت الخاصة لمعرفة تكاليف إنتاجها ومقارنتها بما يحدث في القطاع الذي تمارسه. ومن المتوقع أن يشكل ذلك بداية تعاون موثوق بين القطاعين الخاص والحكومي، وخصوصاً في الإفصاح بدقة عن البيانات والأرقام التي تحتاجها المؤسسات الحكومية المعنية. وإذا تم ذلك فإننا سنجد أنفسنا أمام مجتمع معلوماتي في عالم لم يعد يعترف إلا بلغة الأرقام والبيانات والإحصاءات.



ونود التأكيد إلى أن ذلك لن ينجح إلا باستمرارية تدفق البيانات والأرقام بشكل دوري. فالمسح الأسري ومسح المنشآت، وتحديث الإحصاءات السكانية لابد أن تتم بشكل سنوي، ولا بد من إتباع خطوات إجرائية آلية (ممكننة) تتم في أوقات محددة ومعلومة منذ بداية التنفيذ وحتى موعد النشر. إننا بذلك نأمل أن تكون تلك الخطوة الأولى والمحفزة. فنحن نأمل أن يتبعها خطوات أخرى من وزارات حكومية أخرى. نريد أرقام البطالة من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بما ينطوي عليها من إحصاءات تتمثل في المتقدمين الجدد إلى سوق العمل، ومن الباحثين عن عمل بشكل شهري. إننا نريد أرقام التراخيص الصناعية من قبل وزارة التجارة والصناعة بشكل شهري، إننا نريد أيضاً الإنتاج الصناعي بشكل شهري أو ربعي، ونريد أرقام التدفقات الاستثمارية الأجنبية بشكل شهري أو ربعي، ونريد أرقام الشركات المفلسة والخارجة من السوق إن وجدت بشكل دوري. إننا نريد من وزارة المال تقديرات العائدات والمصروفات للموازنة العامة للدولة بشكل ربعي. ونريد من وزارة الاقتصاد والتخطيط تقديرات إجمالي الناتج المحلي بشكل ربعي بما يشمله من استهلاك واستثمار و صادرات و واردات. إننا نريد من وزارة الشؤون البلدية تراخيص البناء السكنية والتجارية، وبداية إنشاء المباني، وتراخيص المخططات السكنية والتجارية بشكل شهري. إننا نريد الكثير من المعلومات من مؤسسات حكومية مختلفة، ونريدها تتسم بالتفصيل والدقة، والجودة، وأهم من ذلك كله أن تنشر بصفة دورية وأوقات محددة و معلومة.



لقد سئمنا أن تأتي تقدير أرقام البطالة للسعودية من مؤسسات خارجية، وسئمنا توقعات من يدعون الخبرة والمعرفة باقتصادنا، نريد أن تتوافر هذه الأرقام لمؤسساتنا الخاصة والعامة، و أن تتوافر للمستثمر المحلي والأجنبي. هدفنا أن يتحول مجتمعنا إلى مجتمع عقلاني لا يتعامل إلا بلغة الأرقام، فهي اللغة التي تشكل وعياً عقلانياً و علمياً لأفراد المجتمع ومن ثم سهولة تفاعلهم مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية.