إعادة هيكلة أمريكا
لماذا ستمكن الأزمات الحالية في نهاية المطاف من تقوية اقتصادات كل من الولايات المتحدة وأوروبا؟
في الولايات المتحدة، سيحصل ازدهار ملحوظ بسبب تعافي قطاع الإسكان الواعد، والثورة في إنتاج الطاقة، ونظام مصرفي نموذجي وكذا زيادة فعالية قطاع التصنيع. وفي الوقت نفسه، زادت إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما لولاية ثانية، وكذا "الهاوية المالية" (fiscal cliff)، التي تلوح في الأفق، من حظوظ خوض صفقة كبرى للحد من العجز وإيجاد حل لمشكلة الديون في البلاد.
قبل الأزمة الأخيرة، تضخّمت فقاعة الإسكان بنسبة هائلة لدرجة أن القطاع انهار كلياً حين انفجرت تلك الفقاعة. صحيح أن انهيار الإسكان كان كارثياً بالنسبة إلى ملايين أصحاب المنازل الذين ما عادوا يستطيعون دفع رهونهم، لكن انتهت بذلك أيضاً الانتهاكات والتجاوزات التي طبعت هذا القطاع طوال سنوات. نتيجةً لذلك، أمضت البنوك الأميركية السنوات الأخيرة وهي تحسّن معايير اكتتاب الرهون وأسواق التوريق، وأصبحت مواقف الأسر تجاه الرهون وتعزيز المساواة بين العائلات صحية أكثر من السابق. اليوم، بدأ قطاع الإسكان أخيراً يتخذ منعطفاً مختلفاً، فقد ارتفع بنسبة 8% منذ مارس 2012.
ثانياً، تنتج تقنيات تكنولوجية جديدة تحولاً مدهشاً في قطاع إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة. ساهمت التقنيات المتقدمة والمقاربات المبتكرة في التصديع الهيدروليكي والحفر الأفقي في استكشاف رواسب الطاقة التي كانت مجهولة أو يصعب الوصول إليها في السابق. نتيجةً لذلك، كان التعافي هائلاً في قطاعَي الغاز الطبيعي والنفط. في المرحلة المقبلة، تشير توقعات وزارة الطاقة الأميركية إلى أن إنتاج الهيدروكربون السائل الأميركي سيرتفع بمعدل 500 ألف برميل إضافي في عام 2013، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تتفوق الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية باعتبارها أكبر دولة منتجة للنفط في العالم بحلول عام 2017 تقريباً.
ثالثاً، رغم الحملة الدعائية السلبية، جرت إعادة رسملة النظام المصرفي الأميركي وأُعيدت هيكلته بشكل مكثّف منذ عام 2008. تجاوزت أبرز البنوك أصعب الاختبارات والضغوط بكل ثبات تحت إدارة الاحتياطي الفدرالي الأميركي، وكان من المفاجئ أن تؤمّن تلك البنوك معدلات الرساميل المطلوبة وفق الإطار التنظيمي الدولي «بازل 3» قبل الموعد المحدد. وقد أصبحت البنوك المتوسطة الحجم أفضل حالاً أيضاً.
رابعاً، أدى «الركود العظيم» ضمناً إلى تعزيز الفاعلية في قطاع التصنيع الأميركي. تراجعت تكاليف وحدات الإنتاج بنسبة 11% في الولايات المتحدة مقارنةً بالتكاليف التي كانت قائمة قبل 10 سنوات، مع أنها تتابع ارتفاعها في بلدان صناعية أخرى. على صعيد آخر، بدأت الاختلافات بين تكاليف العمالة في الولايات المتحدة والصين تتقلّص تدريجاً. أضاف الاقتصاد الأميركي نصف مليون عمل في قطاع التصنيع منذ عام 2010 ويُفترض أن يستمر هذا النمو لعدد من السنوات.
وأولاً وقبل كل شيء، وبعد تعرضه لانهيار كارثي، يستعد سوق الإسكان الأمريكي الآن لنمو كبير وعلى مدى سنوات. تاريخيا، فقد سجل قطاع الإسكان الأمريكي تراجعا كبيرا، وعلى مدى سنوات طويلة، لكنه استطاع في نهاية المطاف، أن يستعيد عافيته ويقفز إلى مستويات عالية جدا. قبل اندلاع الأزمة الأخيرة، تضخمت فقاعة الإسكان بشكل كبير، وعندما انفجرت هذه الفقاعة أخيرا، انهار القطاع بشكل كامل. فبين سنة 2000 و2004 ، تم بناء ما معدله 1,4 مليون مسكن للأسرة النووية في السنة الواحدة. لكن هذا الرقم تراجع إلى 500,000 وحدة سكنية بعد الأزمة، ليبقى على حاله حتى سقوطه إلى الثلثين ببلوغ متوسط المبيعات 900,000 سنويا. وعموما بلغ مجموع الاستثمار السكني، الذي يمثل 4 % من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، من 1980 إلى 2005، متوسطه بــ 2,5 % منذ 2008.
المفضلات