دائما في بداية الحديث عن التحليل الفني مع أحد المختصين فيه أُحب التأكيد على ما أسميه "منطق الأسواق المالية" في الأسواق المالية من يكسب لابد أن يكون مكسبه على حساب الطرف الآخر zero-sum game و بالتالي فالكل يحاول أن لا يخسر و ان يكون أسرع في معرفة ما قد يجعله يكسب من معرفة معلومة قبل الجميع او التنبؤ بحركة السعر قبل حدوثها في محاولة لأن يكون الأسبق.

يقوم التحليل الفني على فرضية ان التأريخ سيعيد نفسه و ما على المحلل الفني الا دراسة الحركة التأريخية لسعر السهم للتنبؤ بها مستقبلا و لكن هل هذا ممكن في اسواق الرابح الوحيد؟ حيث ان الجميع يحاول استغلال اي معلومة او نمط لصالحه ليكسب اللعبة على حساب غيره.

بداية منذ الثمانينات الميلادية قام بعض العلماء المهتمين بدراسة الأسواق المالية, بالبحث عن انماط لحركة الأسعار لا ترتبط بالمعلومات بل بسلوك المستثمرين كمحاولة لتحدي فرضية كفاءة الأسواق المالية the efficient market hypothesis و التي تؤكد على عقلانية المستثمرين و أنه لا يمكن استغلال المعلومات المتاحة لتحقيق عوائد غير اعتيادية.

وجد العلماء بعض الأنماط لحركة الأسعار الغير مرتبطة بالمعلومات كان أحدها "أثر يناير January effect" ترتفع الأسعار في شهر يناير بشكل أكبر من باقي الأشهر مما يعطي الفرصة للمستثمرين لأستغلال ذلك بالشراء قبل يناير و البيع عند إرتفاع الأسعار لتحقيق أرباح سهلة.

لكن ما الذي تقوله فرضية كفاءة السوق إزاء هذا الإنتهاك ؟!

Burton g. Malkiel أحد أنصار فرضية الكفاءة يحاجج بأن وعي المستثمرين سيجعلها تدمر نفسها أقتبس هذا النص مع ترجمتي له بتصرف من دراسة له عن الفرضية و الانتقادات الموجهة لها

"العديد من الأنماط حتى و إن وجدت، سوف تدمر نفسها في المستقبل، و لنفترض على سبيل المثال، أحد تلك الإنحرافات أو الأنماط التي يمكن التنبؤ بها و يبدو قويا و ذا موثوقية عالية، لنفترض وجوده فعلا و أنه يمكن الإعتماد عليه و إستغلاله لتحقيق عوائد غير عادية، كتأثير يناير، و هو نمط يمكن استغلاله لتحقيق عوائد استثنائية خلال الخمسة أيام الأولى من شهر يناير.
ما الذي سيفعله المستثمرون؟
سيتجهون للشراء في اليوم الأخير من ديسمبر و البيع في الخامس من يناير، و لكن سيجد المستثمرين أن السوق أرتفع في اليوم الأخير من ديسمبر، و لذلك سيتجهون للشراء في اليوم ما قبل اﻷخير من ديسمبر، و ﻷن هناك الكثير من 'جني الأرباح' في الخامس من يناير سيتجه المستثمرين للبيع في الرابع من يناير للإستفادة من هذا النمط، و لذلك للتفوق في هذا السباق، يجب على المستثمرين الإستباق و الشراء أسرع فأسرع في ديسمبر و البيع أسرع فأسرع في يناير و في نهاية المطاف سيدمر هذا النمط نفسه تلقائيا.
إن أي نمط متكرر و قابل للإستغلال يمكن إكتشافه في السوق المالية ستتم مراجحته و سيدمر نفسه تلقائيا !."

[The Efficient market Hypothesis and Its Critics (Burton G. Malkiel - 2003)]



بقي ان أقول التأريخ لا يعيد نفسه الا على الذين لا يتعلمون !.