شركات الاستثمار تحرك العالم .. فمن يحركها وكيف ؟

اخذ ت العلاقة بين اعضاء مجالس الادارات وبين المساهمين تخضع في الاونة الاخيرة لمزيد من الرقابة عن كثب، وبات واضحا ان مجالس الادارات ليست مسؤولة تجاه اولئك المستثمرين الذين يفترض انها تمثلهم. وقد ساعد هذا التملص من المسؤولية الى ايجاد عدد متزايد من الرؤساء التنفيذيين المستبدين، والرضا العام في صفوف الاعضاء نتيجة التفاهم القائم بينهم اثناء الاجتماعات، والمكافآت غير المتوازنة والمبالغ فيها لاعضاء الادارة فضلا عن المظاهر الاخرى للاخفاق في السيطرة على شؤون الشركات في الفترة الاخيرة.

وقد لعب سلوك مؤسسات الاستثمار، نيابة عن المالكين الحقيقيين للشركات، دورا حاسما. ففي الولايات المتحدة تسيطر مؤسسا ت الاستثمار على اكثر من 60 % من كافة الاسهم المتداولة، وتساهم بحوالي 80 % من حجم التداول الاجمالي. وخلال الفترة ما بين 1998 - 2000، اعادت اكثر من 600 شركة اصدار حساباتها الختامية المصدقة، وهو ما يزيد على اربعة اضعاف الرقم المسجل خلال السنوات الثلاث التي سبقت تلك الفترة. ومع ذلك فقد اخفقت هذه المؤسسات في استخدام عضلاتها وصولجانها لحماية العملاء من سلوك الشركات المسؤولة عما يعتبر من اسوأ ممارسات التضليل المالي والغش والخداع. فما الذي حصل، واين الخطأ؟

الامان الوظيفي

يتنافس مدراء الاستثمار المحترفون في الحصول على عملهم على اساس الاداء الرامي الى تحقيق الاموال وادارة المخاطر لصالح عملائهم. ولكن بعضهم معرض للمنافسة اكثر من البعض الاخر. ففي حالة صناديق التقاعد Pension Funds، يتلقى القائمون عليها المشورة حول اداء مدراء الصناديق ويقومون بتغييرهم من حين الى اخر، وتبقى العمولات عند الحد الادنى. وعلى النقيض، فان مدراء صناديق الاستثمار المشتركة Mutual Funds (التي ادارت في اميركا حوالي 3000 مليار من الموجودات في نهاية عام 2002) يتمتعون بقدر اكبر من الامان الوظيفي، كما يتلقون نسبة اكبر من العمولات.

وللتأكد من ذلك، تقوم ادارات شركات صناديق الاستثمار المشتركة بتعيين اعضاء مجلس ادارة او مدراء «مستقلين» لتمثيل مصالح المستثمرين. واذا لم ينل مدير الصندوق رضا هؤلاء الاعضاء، فانهم يعمدون الى تعيين بديل له، مع ان ذلك نادر الحدوث على الصعيد العملي، مهما كان اداؤه ضعيفا. وربما يعزى ذلك الى ان اعضاء مجلس الادارة يتمتعون بظروف عمل مربحة بشكل استثنائي، ويعملون في العادة في اكثر من مجلس ادارة، حيث يحصلون من كل صندوق على كامل الامتيازات، الامر الذي يعني بالنتيجة ان تتضاعف امتيازاتهم ما بين 5 - 10 مرات عما يتقاضاه في المتوسط، مدير الشركة العادي. وفضلا عن ذلك فان العمل اقل حجما وضغطا، كما انه اقل تعرضا للمسؤولية الشخصية.

غياب حوافز التغيير

ان مثل تلك الوظائف المجزية لا تقدم حوافز كبيرة لقيام اولئك بتعكير صفو الحياة في الشركة والنبع المتدفق فيها. ولذلك فليس من المستغرب ان يسمح اعضاء المجلس بان تتصاعد النفقات والمصاريف بنسبة وصلت الى 11 % بين عامي 1999 و2001، وذلك مباشرة بعد بلوغ السوق ذروته، حتى في الوقت الذي ازدادت فيه الصناديق المدارة بصورة دراماتيكية. ففي عام 1978 كانت الصناديق المشتركة تدير موجودات تبلغ 56 مليار دولار، وكان متوسط المصاريف 91. 0%. اما اليوم فان لدى الصناديق المشتركة اكثر من 6000 مليار دولار من الموجودات، ومتوسط مصاريف يصل الى 36. 1%.

وتقف وراء هذه القفزة في المصاريف، الضغوط لتحقيق اداء جيد على المدى القصير. ان في الولايات المتحدة حوالي 5000 صندوق استثمار مشتركا يحاول كل منها ان يثبت نفسه ويتفوق في الاداء على منافسيه في هذا المعمعان المتلاطم من الصناديق. ومن اجل ذلك يضطر المدراء الى محاولة سرقة المعلومات الحساسة والدقيقة عن منافسيهم، والتعويل على الزخم الذي تمثله النتائج الربعية لاداء الصناديق بصرف النظر عن تقييم اوضاعها، وبالنهاية محاولة تحقيق اعلى قدر من الربح على المدى القصير. ولذلك فقد بلغ متوسط عمليات محفظة صناديق الاستثمار المشتركة للسنوات الخمس الماضية حوالي 100% مقارنة مع 15 % مطلع الثمانينات، مما يظهر عزوفا عن الاخذ في الاعتبار كلا من تكاليف التداول، والعمولات والارباح الراسمالية والتزامات الضرائب المترتبة على الشركة، وكلها نفقات تقصم ظهور المستثمرين.

لامبالاة المدراء

كما اصبح المدراء لا مبالين تجاه الاستراتيجية طويلة الاجل، وتجاه بذل الجهود لتحسين نظم وضبط الادارة، وبذلك زاد التركيز على النتائج قصيرة الاجل بشكل محموم مع تجاهل القيم الاقتصادية.

وتفاقم هذا الوضع بتحول الشركات التي تدير الصناديق المشتركة الى ادارة صناديق تقاعد الشركات ايضا. وبحلول عام 2001، كانت حصة الصناديق المشتركة من موجودات صناديق التقاعد الاميركية قد بلغت 2300 مليار دولار لتمثل 21 % من اجمالي موجودات صناديق الاستثمار المشتركة. وبالتأكيد فان هؤلاء لا يريدون من مجالس الادارات ان تمارس حقوقها في التصويت على المسائل التي تتعلق بمكافات ورواتب الرؤساء التنفيذيين، او بادارة الشركة او الامور التي قد تضر بمصالح عملاء صناديق تقاعد الشركات.

وعي المستثمرين

ولم يكن المستثمرون في غفلة من هذا، فقد لوحظ ان تدفق الاموال في صناديق الاستثمار المشتركة تراجع بحدة خلال هذا العام.

ان شركة غير مالية ذات اسم وشهرة عالميين مثل وول مارت او جنرال اليكتريك، ولديها اعضاء مجلس ادارة على قدر من الكفاءة والاحتراف، قد تنشىء لنفسها صندوقا. وسيكون واجب الاعضاء اختيار افضل مدراء المال والالتزام بمخصصات لموجودات العملاء، وتتحرى الاستراتيجية الناجحة والمعتمدة على اختصار التكاليف بشكل فعال، والاستغلال الكامل لقوة الصندوق في اقتصاد السوق الشامل. ويمكن ان ينأى الاعضاء بانفسهم عن ادارة صناديق التقاعد لتجنب تضارب المصالح. ويعكف اليوم مدراء كبريات صناديق الاستثمار المشترك على ***ي النمط القديم.

لقد تطورت صناديق اسواق المال لان البنوك ومشرعيها استغلت سوق تجزئة الودائع، وفتحت الباب على مصراعيه امام المنافسين من سوق صناعة الاوراق المالية. وتطورت موجودات المؤشر كطريقة اكثر فعالية نحو تقليص التكاليف والتي قادت استثمار الاموال في اسواق اكثر اتساعا.

هذه هي الطريقة التي يجب على الاسواق الحرة ان تسير عليها، ومهما يكن من امر، فعندما يظل القادة قابعين في اماكنهم راضين بالامر الواقع، فان المخترعين والمبتدعين سيجدون اسلوبا افضل.

< فايننشال تايمز <

روي سميث، وانغو وولتر الكاتبان استاذان في
كلية ستيرن لادارة الاعمال في جامعة نيويورك

تضارب المصالح

تواجه ادارات صناديق الاستثمار المشتركة تضاربا في المصالح لا يختلف كثيرا عما هو قائم في اوساط صناعة المحاسبة وتدقيق الحسابات وشركات الاوراق المالية. ويهدد هذا التضارب بالاضرار بالقدرة على ادارة اصول وموجودات العملاء بكفاءة وفعالية، كما انه يساعد على عدم اعتراض مدراء صناديق الاستثمار المشتركة على ترتيبات المنح والمزايا السخية التي تمنح للتنفيذيين، وعلى عمليات الاندماج المحفوفة بالمخاطر، ناهيك عن عمليات اعادة الهيكلة الراسمالية من خلال الاقتراض المفرط وتحميل الشركة ديونا تمثل اعباء مرهقة. ان المستثمر العادي يعول على «المحترفين» في النظر الى تلك المخاطر والتحوط منها والاستجابة لها عندما يتم التعرف عليها. ومع ذلك فان قليلا جدا من هذه الصناديق قد لعب هذا الدور في غمرة الاضطراب والتشويش الذي ساد خلال الفترة الماضية في نظم وادارة الشركات. والواقع ان العديد كان من بين كبار المستثمرين في شركات مثل انرون، وورلد كوم، غلوبال كروسينغ وغيرها.

منقول