عند الحديث عن الدَّيْن العام للولايات المتحدة الاميركية أول ما يمكن ان يخطر ببال المتحدثين هو: ماذا لو أعلنت الولايات المتحدة عن عدم قدرتها على الوفاء بالتزامات الدين العام، الذي سجل رقما قياسيا بلغ ستة عشر ألف مليار دولار؟! (مبلغ يعادل أكثر من أربعين ضعفاً إجمالي قيمة استثمارات الحكومة الكويتية).. ماذا سيحدث حينئذٍ؟!
على الرغم من انه افتراض جدلي مريع للغاية، فإنه يتعين علينا ان نأخذه على محمل الجد، حيث ان هناك اصواتا تتعالى في واشنطن للاتجاه نحو هذا السيناريو المرعب، الذي قد ترغم الولايات المتحدة يوما للاتجاه نحوه، والمطالبة بان تتحمل جميع دول العالم تبعات تسديد فاتورة هذا الدين، معللة ذلك بأن الولايات المتحدة منذ تنصيبها كدولة عظمى والقيام بدور العضو المنتدب في هيئة الامم المتحدة، أخذت على عاتقها بصورة فعالة مسؤولية حفظ الامن العالمي وتأمين استقراره، والعمل على نشر الديموقراطية وتحقيق العدالة ومحاربة الظلم وحماية حقوق الانسان. حيث خاضت الولايات المتحدة الاميركية وحلفاؤها الحرب العالمية الثانية للاطاحة بالانظمة الفاشية في ألمانيا واليابان، تلي حربها ضد الانظمة الشيوعية في كوريا وفيتنام خلال فترة الحرب الباردة بين دول حلف الناتو ودول حلف وارسو، التي تمخضت عنها الاطاحة بالاتحاد السوفيتي وتفكيك معسكر النظام الشيوعي، وتلا ذلك حربا الخليج الاولى والثانية، وحرب افغانستان. هذه الحروب استحوذت على حصة كبيرة من ديون الحكومة الاميركية.
وكما يبرر كذلك هؤلاء ان الموازنات المخصصة لآلة الحرب والانفاق العسكري كان لها نصيب الاسد من اجمالي تكوين الدين العام الاميركي، للقيام بهذا الدور وما شمل ذلك من تكاليف الابحاث والتطوير، تلك التي كان لها الفضل في الثورة المعاصرة للمعلومات والاتصالات، التي استفاد منها العالم بأسره، كشبكة المعلومات العنكبوتية الانترنت والانظمة العالمية، لتحديد المواقع (جي بي اس)، وغيرها من تقنيات احدثت نقلة نوعية في اعمالنا وغيّرت مجرى حياتنا. هذه التي شكلت العمود الفقري للعولمة، ويسرت عملية تفعيل اتفاقيات التبادل التجاري بين الحدود. تلك التي كان لها الدور الاساسي في ظهور الاسواق الناشئة، وخروج التنين الصيني من كهفه والفيل الهندي من أحراشه.
هذا، وبعد تفاقم ازمة الديون الاوروبية وانخفاض معدلات نمو الاقتصاد العالمي، وانعكاس ذلك كله على الاوضاع الاقتصادية، ومعطيات السياسة الداخلية للولايات المتحدة، فان مسألة ضبط الموازنة والوفاء بكامل التزامات الدين العام للولايات المتحدة الاميركية من الناحية المحاسبية والاقتصادية امر يكاد يكون مستحيلا، وأنه لا يوجد في الوقت الحالي بديل عن رفع السقف الاعلى للاقتراض والدين العام. باعتبار ان مسألتي رفع الضرائب وخفض الإنفاق العام من محرمات السياسة الداخلية، التي يتجنب المشرّع او متخذ القرار في واشنطن الخوض في غمارها. ويبقى السؤال: ماذا سيحدث في حال المضي قدما نحو البديل الاول؟!
سنستكمل ونجيب عن هذا التساؤل في مقالنا اللاحق.
أسامة إبراهيم الدعيج
المفضلات