الشكر لك الأخ عبدالملك على النقل ...
يمكن النظر لموضوع مقتل القذافي من زوايا مختلفة ... والخروج بما يروق للناظر ...
بمكن النظر لمقتل القذافي من زاوية جرائمه في حق شعبه ...
والإستنتاج أن قتله كان بطريقته التي إختارها للتعامل بين الخصوم ... فلا مانع من أن يشرب من الكأس التي أذاقها لشعبه !!!
وبمكن النظر الى مقتله من زاوية المنتقدين لطريقة مقتله في الدول الغربية ...
والإستنتاج بأن هؤلاء منافقون لأنهم إستخدموا الوحشية في التعامل مع خصومهم ... فيما ينتقدونها عندما يستخدمها غيرهم ...
ويمكن النظر الى مقتله من زاوية الأخلاق الإسلامية التي يحملها أغلبية الثوار ...
والإستنتاج بأنهم أخطأوا في تصرفهم لأن ذلك مخالف لما يأمرهم به دينهم ...
ويمكن النظر إليه في حالة إن قادتهم قد أهدروا دم القذافي ...
وهنا يكون ما أقدموا عليه في دائرة المباح شرعا ...
*****
من نفس الموقع هذه المقالات الأربع ... والتي تتحدث عن نفس الموضوع ...
وكل منها يتحدث عن مقتل القذافي من زاوية مختلفة ...
*****
علي الصراف:
الطغاة لا يموتون إلا بطريقتهم
القاء المحاضرات على شعب ثائر شيء حلو. وتقديم النصائح، لسّه، أحلى بكثير. فطالما انك تقف خارج المعمعة، وتقدم نفسك كشاهد حكيم على ما يجري، فمن الطبيعي أن تجد نفسك تتصرف كخبير ألماني!
هل كان يمكن للثوار الليبيين أن يجدوا سبيلا "أفضل" للتعامل مع العقيد القذافي عندما ألقوا القبض عليه؟ هل كان بوسعهم ألا يقتلوه؟
هناك أشياء، واقعية (مع الأسف)، يجب أخذها بعين الاعتبار.
أولا، ليبيا ليست سويسرا. انها بلد أسهمت 42 عاما من الهمجية القذافية في جعله بعيدا كليا عن "الأتكيت" الديمقراطي.
ثانيا، القانون شيء، والعدل شيء آخر. وليبيا، كما حكمها القذافي، بلد من دون قانون. فهل كان يمكن لبلد لم يعرف القانون، أن يتحول، في غمرة الثورة، الى دولة قانون؟ ألا يجدر بالمرء أن يسأل: من أين؟ وكيف؟ وبناء على أي مقدمات؟ واستنادا الى أي أسس؟
ثالثا، العقيد لم يقتل معارضيه إلا بهذه الطريقة. بل وظل يعتبرهم "كلابا ضالة" لسنوات طويلة قبل أن يقوم بتطوير نظريته الثورية ليقول انهم "جرذان" وانهم يستحقون السحق والمحق "بلا رحمة". والمدلول الوحيد لانعدام الرحمة هو التحريض على أبشع أنماط القتل. والأمر لم يكن مجرد تهديدٍ، أو كلامٍ منفعلٍ وعابر. لقد كان ممارسة يومية. الآلاف ممن نعرفهم، والآلاف ممن لا نزال لا نعرف مصائرهم، قتلوا على الأرجح كـ"كلاب ضالة".
رابعا، إذا سقيت شعبك من كأس، فلماذا، ووفقا لأي عدالة، يجب أن يسقيك من آخر؟
خامسا، لا يمكن أن تضع العربة أمام الحصان وتقول له اركض. لن يركض. وعلى هذا الأساس، لا يمكن قتل العقيد بطريقة ديمقراطية وقانونية إذا لم تكن هناك (في الأصل) ديمقراطية ولا قانون. الديمقراطية ودولة القانون ما تزالان مجرد افتراضات ونوايا، في بيئة لم تترك فيها همجية العقيد إلا الغضب والمرارة والقسوة.
سادسا، حتى الخبير الألماني لا يتصرف ببرود، وعقلانية، إذا ظلت مدينته تُقصف على مدى خمسة أشهر أو ستة، أو إذا كان المرتزقة يستبيحون النساء فيها، أو إذا ظل بلده منهوبا من قبل عصابة، أو إذا كان جيرانه وجيران جيرانه اختفوا في سجون لا يعلم بها أحد. سوف ينزع القفاز المخملي للمثقف الديمقراطي، ويرتدي الخوذة ويخرج ليقول: دعوني أرى أين يوجد هذا السافل لأقتله بيدي.
سابعا، وأنت في حرارة المعركة..، وأنت لا تعرف ماذا سوف يصادفك على الطريق،.. وأنت لا تدري ماذا يمكن لأنصاره أن يفعلوا لإطلاق سراحه،.. وأنت إذ خسرت واحدا من أبنائه بعد اعتقاله،.. وأنت لا تتحكم من أرض المعركة إلا بالمتر الذي تقف عليه،.. وأنت لا تجد حولك، فوق فوضى الأربعين عاما، إلا فوضى العنف،.. وأنت لا ترى إلا الموت الذي زرعته كتائب العقيد في كل مكان،.. وأنت تخوض قتالا عشوائيا، في ثورة شعبية عفوية لا نظام فيها ولا ضوابط،.. وأنت لا تخوض قتالا بجيش يمتثل لأوامر، بل بمليشيات تعمل بالهمّة،.. فبأي عقل تستطيع أن تلقي القبض على العقيد ولا تقتله؟ وإذا كنت لا تملك أي ضمانة بانه لن يفلت، فهل تتركه حيا؟ وإذا أفلت، في غفلة من الفوضى، فهل كنت ستجد نفسك ديمقراطيا عندما يعود ليبيع عليك عنترياته؟ أم أنك ستلعن أبو الساعة التي لم تطلق فيها الرصاص على رأسه؟
لأسباب مختلفة تماما، كوميدية بالأحرى، تتعلق بالزعيم المسخرة الذي انتهى لا يربط جملتين على بعضهما، كنت أتمنى لو يتم القاء القبض على القذافي ومحاكمته بهدوء، وبأسلوب تتقطر العدالة منه تقطيرا. ولكن وأنت ترى، أن طابور العقيد الخامس يتربص بالثورة ليس من أبناء عمومته الذين هربوا بالمال، وصاروا ديمقراطيين، يا محلاهم، فحسب، بل من داخل الثورة نفسها، من أناس تسللوا إليها وأيديهم لم تجف بعد من دماء الضحايا، فهل كنت ستتركه ينعم بأي فرصة لإدارة المعركة من خلف القضبان؟ هل كنت ستجد أي متعة في أن تتركه يرغي ويزبد ويهذي؟ هل كنت ستأمن على الثمن الذي تم دفعه من أجل القضاء على نظامه؟
لقد كان من حكمة القدر وحده أن يُقتل القذافي، لكي تطوى بموته الصفحة.
لقد كان ذلك هو الخيار الأمثل لبدء صفحة جديدة، ولكي ينظر، حتى أنصار القذافي، الى أنفسهم كأفراد لا كقطيع يسترشد بقائد ملهم، وأن يتجهوا الى بناء ليبيا جديدة، بدلا من الجرجرة والعرعرة بين الماضي والمستقبل.
الجرجرة والعرعرة ليست من دون ثمن. وإذا كان من ثمنها أن يقع عشرة ضحايا إضافيين، فإن طي الصفحة أفضل.
القذافي لا يستحق أن يموت بسببه أحد.
الذين يلومون ليبيا على انها لم تكن سويسرا ساعة إلقاء القبض على القذافي، يجب يعطفوا علينا بالنظر الى الواقع.
دكتاتوريات القسوة لا تنتهي من دون عنف. فكيف بدكتاتورية عنف وهذيان وفوضى؟
عندما ينتفض شعبك عليك، فانه لن يدعك ترحل دون أن يجعلك تعرف!
وعندما تحكم بقسوة، فلا تبكي، إذا حُكم عليك بقسوة.
وعندما تقتل البشر مثل الكلاب، فليس كثيرا عليك أن تموت مثلهم.
شيء من عدالة الواقع هو ما سوف يشكل قدرك.
لقد كان الإيطاليون أكثر تقدما عام 1945 من الليبيين اليوم، ولديهم دولة مؤسسات ذات تاريخ، ولكنهم بطريقة عادلة تماما قتلوا موسوليني. أعدموه، وعلقوه من رجليه أمام محطة بنزين في ميلانو وتركوا الجمهور يركله ويقذفه بالقنادر.
لا يوجد قانون يسمح بذلك. ولكنه عدل!
في أحدى خطبه الشهيرة، قال موسوليني لشعبه: "اتبعوني كلما تقدمت بكم إلى الأمام.. أما إذا تراجعت فاقتلوني.. وإذا هُزمتُ فانتقموا مني وعلقوني من ساقي".
فهُزم وهرب، وكان له ما أراد.
وفي الكثير من خطبه حرض العقيد شعبه على قتل معارضيه كالكلاب الضالة، فقتل على نحوهم.
انظر الى التاريخ، على أي حال، وستجد أن الطاغية غالبا ما يقرر مصيره بنفسه. وهو لا يموت إلا بالطريقة التي يختارها للآخرين، غير مدرك أنه يختارها لنفسه.
وهذا عدل.
*****
المقال الثاني: الرأي:
الحمد لله الذي إختار للقذافي هذه النهاية غير المسبوقة!؟
لقد قـُتل "معمر القذافي" شر قتلة وذهب لمزبلة التاريخ غير مأسوف عليه... ولم يحظ َ حتى بميتة "شبه مشرفة" كالتي حظي بها الطاغية "تشاوسيسكو" رئيس رومانيا أو الطاغية "صدام حسين"!.. بل مات كما يموت "الجرذ" المذعور و"الفأر" المرعوب الذي يختبئ من جحر إلى جحر حتى يقع في يد مطارديه فيدوسونه بأقدامهم أو يضربونه بالمكنسة حتى الموت أو يقع بين مخالب قط جائع فيسحله قبل قتله!.
وهنا أقول الحمد لله على ثلاثة أمور:
(1) الحمد لله أولا ً أن القذافي لم يهلك في القصف الجوي بل هرب سليما ً وإختبأ داخل ماسورة لصرف المياه تشبه إلى حد كبير جحور الجرذان!.. حيث أخرجه الثورة منها غصبا ً عنه ذليلا ً مذهولا ً.. فلو مات في القصف الجوي فسيكون ذلك حجة للإدعاء بأنه شهيد مات على يد قوات الأجانب "الناتو" !!.
(2) والحمد لله ثانيا ً أن القذافي لم يفر خارج ليبيا وليصبح مصدر قلق وقلاقل لليبيين من منفاه السري.. ثم ليتم إلقاء القبض عليه بعد عدة أشهر أو حتى عدة سنوات ثم يتم تسليمه لمحكمة الجنايات الدولية ليحاول تحويل هذه المحكمة أمام قضاة أجانب وفي بلد غربي إلى مسرح يستعرض فيه بطولاته الوهمية محاولا ً تصوير نفسه كبطل وطني وقومي وإفريقي وأممي تآمرت عليه دول غربية إمبريالية للإطاحة بنظامه محاولا ً التلاعب بعواطف الشارع العربي الدينية والقومية كما فعل صدام حسين !!!.
(3) والحمد لله ثالثا ً أن الثوار لم يُبقوا على القذافي حيا ً ليُحاكم أمام محكمة وطنية ليبية طويلة الأمد - دمها ثقيل - يحاول من خلالها كذلك الإستعراض والتأثير في عقول ومشاعر العوام ويسبب لنا ألف غصة وغصة قبل الحكم عليه بالإعدام خصوصا ً أن القذافي نصاب ودجال سياسي "مكلمجي" يجيد التأثير بكلماته في مشاعر العوام من خلال الإعتماد على المنطق الشكلي والديموغواجي وله خبرة 41 عام في هذا المجال!!.. كما أن مثل هذه المحكمة ستكلف خزانة الشعب الليبي ملايين الدولارات!!!.. بينما هذا الطاغية المجرم القذر "معمر القذافي" لا يستحق أن ننفق عليه ولو مليما ً واحدا ً بعد كل ما فعله بالشعب الليبي وبعد كل ما إرتكبه من موبقات وبدده من ثروات ضاعت هباء منثورا ً!.
فالحمد لله الذي إختار للقذافي هذه النهاية التاريخية غير المشرفة.. هذه النهاية الفريدة غير المسبوقة!.. والتي تليق بطاغية قذر مثله أوغل في الدجل والكذب والإدعاء والغرور.. وأوغل في سفك الدماء والفجور.. وأوغل في هتك الأعراض وإذلال وحرمان الليبيين وفي نبش القبور!!.. وأوغل في الإستبداد والفساد وتبديد الأموال العامة على شهواته ومغامراته القذرة وفي الدعاية لنفسه وشراء ذمم المطبلين من الإعلاميين والمثقفين والأكاديميين والشعراء والأدباء والقادة السياسيين!!.. فالحمد لله رب المستضعفين وقاصم ظهر الجبارين الذي كتب للقذافي هذه النهاية الذليلة الحقيرة غير المشرفة.. هذه النهاية التي تليق بأمثاله والتي أروت غليل أغلب الليبيين وجعلت من هذا الطاغية عبرة لمن يعتبر من الطغاة المجرمين!!!.
*****
المقال الثالث: الرأي الآخر:
نضال الشركسي:
عندما تتحول الضحية إلى جلاد
لعل من أحد أسباب اندلاع ثورة السابع عشر من فبراير هو كم الظلم الذي صبه القذافي المقبور ونظامه على هذا الشعب وقمعه التعسفي ضده، وأخذه الناس بالظنه ودون تثبت، فمن لم يكن معه فهو ضده. ولا يخف على أحد كل أساليب القمع التي مارستها أدواته على الليبيين طيلة فترة حكمه التي طالت الداخل والخارج، وكل من فكر في الطيران خارج سربه. ولكن هل كل هذا يعطي لنا المبرر للنيل ممن نعتقد بموالاته له بذات الصورة؟. وهل يمنحنا هذا الحق لنكون الخصم والحَكَم ومن ينفذ الحُكم في نفس الوقت؟.
إن من ينتفض ضد الظلم لابد أن يضمن لنفسه حصانه ضد الوقوع فيه حفاظاً على سلامة نهجه ونزاهة قضيته، ولا يتم ذلك إلا بتجاهل رغبات نفسه وقمع أهوائه. فعندما استشهد سيدنا حمزة رضي الله عنه يوم أُحد، أقسم حينها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالثأر له والتنكيل بسبعين من كفار قريش، فنزلت الآيات الكريمة، كما تقول أحد تفاسيرها: "ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم فإنهم ظالمون" تنهاه عن ذلك. ولعل المعنى واضح، ففي هذا استشفاء للنفس وتلبية لأهوائها المنهي عنه، كما قد يكون فيه ابتغاء لغير وجه الله، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، لو أدرك قاتل الشهيد، بالعموم، الجزاء والنعيم الذي ينتظره لما أقدم على فعل ذلك حسداً له. ولذا فإنه يصيبنا العمى عندما تحوزنا رغبة الانتقام المقيتة، فتغلق بصائرنا عن الحق ولا نرى إلا بأعيننا ما يخيل إلينا أنه الصواب. كما أنه يعارض الاحتساب عند الله عندما نسعى لفك الجزاء بأيدينا والذي يشوبه الكثير من الشك. فنحن إذا كنا فعلاً نسعى لتحقيق الحق والعدالة، فبالتأكيد لن نكون أعدل من المولى عز وجل، وما عدا ذلك فهو الظلم بعينه الذي يفترض بنا أن نكون أبعد الناس عنه حفاظاً على سلامة قضيتنا.
بعد انتهاء هذه الانتفاضة تجمع لدى الثوار بمختلف المدن عدد كبير من الأسرى، وهم في حقيقة أمرهم بين معتقد بالقذافي وضمن كتائبه الإجرامية الذين تلطخوا بدم الأبرياء غالباً، وبين مغرر بهم نتيجة الإعلام أو المال وهم من هتفوا له، وبعضهم من المدنيين اللذين بقوا في مدنهم حتى تحريرها دون أن ينتفضوا، وآخرين وقعوا خطأ في أيدي الثوار بطريقة أو بأخرى ومعظمهم خلال تحرير طرابلس، وإن قل عددهم، وزد عليهم ما يتم من عمليات المداهمة اليومية التي يبنى بعضها على غير بينة ودون إجراءات رسمية. وكل من هؤلاء له قصة يرويها وحكاية يحكيها، في وقت كثر فيه الحديث عن تقارير تسجل انتهاكات في معاملتهم وتعذيبهم. ويسرد لي أحد المكلفين بأحد السجون كلمة لإحدى مراقبات تلك السجون التابعة لمنظمة دولية، بعدما رأت بعض آثار التعذيب على بعض السجناء، عندما قالت لهم: "ما الفرق إذا بينكم وبين القذافي حينما تقومون بهكذا فعل؟". لست أعمم هنا، ولكني أخص بالذكر فقط هذه الطائفة من الأسرى، في وقت كنا ننتظر أن ننتهج تطوراً ايجابياً ملحوظاً على هذا المستوى بالخصوص. فهل يا ترى لهذه المعاملة علاقة بالنصر إثر الظفر بالقذافي؟، أم تراه هو نهج لم يطفو على السطح إلا بعد ركود الطاغية؟. فرغم اعتقادنا بأحقية الثوار في التحفظ على كل من يشتبهون فيه، إلا أن هذا لا يعني أبداً الانتقاص من آدميتهم حتى يتم التثبت من تهمهم، وهو ما لم يتم إلى الآن على معظمهم في غياب القانون، مما يعني وجوب عدم التحامل على الآخر وإصدار الحكم عليه فقط بغلبة الظن. إذ أنه ليس من اللائق لمن ظُلم أن يظلم فيكون بذلك سبب انتصاره هو ذاته سبب انتكاسته، وهي الثورة التي استمدت شرارتها من مظاهرات أهالي ضحايا سجن أبو سليم.
عندما تتحول الضحية إلى جلاد، فلا يمكن أن ننتظر إلا الفساد، لأن فعلها سيكون مشوباً بالانتقام الذي يغيب معه العقل والتمييز والإنصاف. ولذا فإنه من المعيب أن ندخل في مقارنات بين أفعالنا تجاه هؤلاء الأسرى، وبين أفعال جنود ومرتزقة الطاغية الهالك تجاه أبنائنا، ثم بعد ذلك نستبشر لأنها لم ترق لفظاعة جرائمهم الكريهة، مما يعتبر اعترافاً ضمنياً بعدم جواز هذه الأفعال. وإنما يجب أن يكون لما نقوم به خطاً ومنهجاً واضحاً نستمده من الشرع والفرع المتفق عليهما. وأود هنا أن أختم فأقول مقالة حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام: "ما جعل الرفق في أمر إلا زانه، وما نزع من أمر إلا شانه"، ولهذا فهو اللين والرفق والصلح الذي لا بد أن يكون عنوان المرحلة المقبلة.
والله الموفق
*****
المقال الرابع: الرأي والرأي الآخر
فرج العربي:
القذافي لم يمت... مازال بيننا؟
هناك الكثير من الخلط حول مقتل القذافي والطريقة التي انتهت بها حياته، صحيح أن الطريقة التي تعامل بها الثوار ما كان يجب أن تنشر عبر وسائل الإعلام وشبكة الانترنت، لأنها لا تليق بنزاهة ثورة 17 فبراير، وربما أثارت التعاطف مع الطاغية وجعلت منظمة حقوق الإنسان تطالب بفتح تحقيق حول موته، ولكن ما الذي ينتظره العالم من ثوار شباب وشعب برئ بدأ بمظاهرات سلمية وقابله الطاغية بأبشع أنواع الأسلحة حيث قتل الآلاف بدون هوادة، وهتك الأعراض وحاول إبادة مدن وقرى بأكملها، لولا رحمة الله وصلابة الثوار وتدخل المجتمع الدولي وطائرات النيتو.
لماذا نفكر فقط في المشهد الأخير للقذافي؟ ولا نفكر في تاريخه الدموي؟ وهل نطلب من الثوار أن يستقبلوه بالورود؟ وننسى وضع هؤلاء الشباب الذين تركوا بيوتهم وعائلاتهم وقاتلوا طوال الشهور الطويلة من اجل تحرير الوطن، فقدوا أصدقاءهم وأرواحهم وأطرافهم، اغتصبت أخواتهم وإخوتهم، ودمرت بيوتهم، وباتوا في العراء من اجل الوصول إلي هذه اللحظة وهي التخلص من راس النظام الفاسد، وعندما اكتشفوا أنهم أمام الطاغية وجها لوجه زادت حالة الغضب عندهم لأنهم ما كانوا يتوقعون أن يكونوا أمامه وانه مازال يقاومهم وتخاصموا فيما بينهم وحدث ما حدث
القذافي نفسه هو الذي زرع القسوة في قلوب هؤلاء الشباب، وحرمهم من الصحة والتعليم وحق المواطنة والعمل، حيث تحولوا إلي وحوش أمامه وحصد القذافي ما زرعه طوال فترة حكمه، أليس هو من زرع في عقول الشباب مقولة (نحن جيل بناه معمر واللي يعادينا يدمر).
هؤلاء هم أنفسهم الشباب الذين قادهم الطاغية مكرهين ومرغمين إلي الساحات والميادين من اجل أن يهتفوا له بعد كل خطاب وها هم اليوم يسحقونه كي يؤكدوا له بأنهم ضد طغيانه وظلمه وجبروته
ولكن ليس من حق صاحب الرصاصة التي اخترقت القذافي أن يقوم بقتله نيابة عن كل الليبيين، لان الثأر من معمر القذافي ليس ثأرا شخصيا بل ثأر الشعب بأكمله.
لقد قام القذافي خلال سنوات حكمه بزراعة الرعب والخوف في نفوس الليبيين من خلال أجهزته الأمنية حيث قام بالتنكيل والقهر وإشاعة الفساد، واستطاع الطاغية الأكبر أن ينشر بين الليبيين طغاة صغارا تمثلوا في الأمناء وغيرهم من المسئولين الذين قاموا بالتدمير وليس البناء، نهبوا القطاعات المختلفة وحولوها إلي هياكل عظمية، وظلت ليبيا بلا دولة أو مؤسسات مما اضطر البعض إلي الهجرة، وغابت الكفاءة والموهبة، وأصبحت الكفاءة الوحيدة هي النفاق والسرقة والتملق.
هل انتهى القذافي بموته؟ أم أن أزلامه وطغاته الصغار مازالوا بيننا؟
اعتقد بأن حالة الفوضى وعدم الأمان لاتزال موجودة، كذلك حالة البيروقراطية والتبعية والرشوة والعلاقات الشخصية، ولا تنتهي قبل قيام دولة ديمقراطية حقيقية، لأننا عانينا الغياب الكامل لأرواحنا وشخصياتنا وأنفسنا، والاهم هو عقلية نظام القذافي التي حاول ترسيخها عند كثير من اللليبين والتي لن نتخلص منها بسهولة لان كل الذي حدث بما في ذلك مشهد مقتله هو من صنع القذافي وليس من صنع اللليبين.
ما الذي علينا القيام به بعد نهاية حقبة عسيرة؟
علينا أن نتجه جميعا إلي جهة واحدة وهي (ليبيا) وكل واحد منا يبدع في مجال عمله ويعطي بقدر ما يستطيع تقديمه من اجل العدالة والحرية والمساواة وعلينا أن نثبت للعالم بأننا قادرون علي مواكبة التطور والحداثة التي حال بيننا وبينها القذافي طوال عقود طويلة.
هل حقا بمقدورنا أن نتجاوز حالة القذافي وظلاله الثقيلة والتخلص منها إلي الأبد وهذا بالتأكيد لا يتم بكلمة أو بحوار أو بندوة عابرة بل برغبتنا الحقيقيه في الوصول إلي حالة جوهرية للتخلص من ارثه وتركته الطويلة وبذلك نصل إلي معرفة أنفسنا والوصول إلي تحقيق دولة حرة يعيش كل إنسان فيها بعزة وكرامة دون رعب أو خوف، ويجب أن نخرج من حالة الكابوس إلي النور أي من حالة العدم إلي الحياة.
المفضلات