هنري توفيق عزام الحياة 2003/07/29

يُقدر أنه بنهاية سنة 2003 سيبلغ عدد مستخدمي الهاتف النقال في المنطقة العربية نحو 25 مليون شخص، بالمقارنة مع 22.4 مليون في نهاية 2002. كما يُتوقع أن يرتفع العدد إلى 33 مليون مستخدِم بنهاية سنة 2005. ولقد أصبح عدد مستخدمي النقال في المنطقة يفوق عدد المشتركين في شبكات الهاتف الثابت.

وتستحوذ شركة الاتصالات السعودية، وشركة الاتصالات المغربية وشركة الاتصالات الإماراتية على غالبية مشتركي الهاتف النقال في المنطقة، إذ أن لدى الشركات الثلاث مجتمعة ما يقارب 50 في المئة من الإجمالي. وتحظى شركة الاتصالات السعودية بأكبر عدد من مستخدمي الهاتف النقال في المنطــــقة والذي بلغ خمــسة ملايين شخص بنهاية 2002. ويتوقع أن يرتفع العدد إلى 7.5 مليون مستخدِم بنهاية السنة الجارية.

وبحسب مجموعة "المرشدون العرب" (أراب فايننشال أدفايزرز)، فإن نسبة انتشار الهاتف النقال إلى إجمالي الســـكان في المنـــــطقة العربية بلغت 11.45 في المئة بنهاية 2002، وهي منخفضة بالمقارنة مع المعدلات العالمية. وهناك تباين كبير في نســــب انتشار الهـــاتف النقال بين الدول العربيــــة، حيث ان أعلى نســـبة في حدود 70 في المئـــة، هي في دولة الإمارات، تليها الكويت ثم البحرين وقطر بنسب انتشار بلغت 58 في المئة و54 في المئة و43 في المئة على التوالي.

من جهة أخرى، كانت نسب الانتشار في الجزائر وسورية وتونس ومصر متدنية، إذ بلغت 1 في المئة، 2 في المئة، 6 في المئة، 6 في المئة على التوالي. وأما السعودية والأردن والمغرب، فقد بلغت نسب انتشار الهاتف النقال من إجمالي عدد السكان فيها 23 في المئة و22 في المئة و19 في المئة على التوالي. وتعتبر نسبة الانتشار هذه مؤشراً على مدى استعمال وتطور سوق الهاتف النقال. وعلى سبيل المثال، فلقد وصلت هذه النسبة إلى ما يزيد على 90 في المئة في الدول الإسكندنافية.

ويُتوقع زيادة هذه المعدلات في الدول العربية ذات نسب انتشار الهاتف النقال المنخفضة. غير أنه في دول الخليج والأردن والمغرب ولبنان والتي سجلت نسب انتشار مرتفعة خلال السنوات القليلة الماضية، فإن معدلات نمو انتشار الهاتف النقال ستكون أقل مما كانت عليه سابقاً. فشركات الهاتف النقال في دول المنطقة التي تستطيع أن توفر لمشتركيها شبكة اتصال متطورة يمكن ا4لاعتماد عليها، وتقدم لها عروضاً وحوافز مبتكرة وخدمات مميّزة ومحتوى جيد وخدمة ارتباط سريعة بشبكة الإنترنت، ستستطيع زيادة عدد المشتركين لديها، وستشهد ارتفاعاً في معدل الدخل المتحقق من كل مشترك خلال السنوات القليلة المقبلة.

هناك مجال واسع للنمو أمام مشغّلي الهواتف النقالة في كل من سورية وعُمان ولبنان والسعودية ومصر والجزائر وتونس. كما أنه سيتم قريباً إدخال خدمة الهاتف النقال إلى العراق. ويشير ذلك إلى وجود سوق كبيرة لأجهزة ومعدات الاتصالات في المنطقة. ولقد ساعد منح الترخيص لمشغّل هاتف نقال ثان في البحرين في نيسان (أبريل) 2003 إلى زيادة المنافسة في تلك السوق وانخفاض الأسعار للمشتركين، بالاضافة إلى ارتفاع نسب الانتشار. كما أنه قد يشجع دول الخليج الأخرى على النظر في إمكان إعطاء رخصة مشغّل هواتف نقالة ثانية منافسة للشركات الحكومية التي ما زالت تحتكر السوق في كل من الإمارات وقطر والسعودية.

وتوقعت وكالة "ب*****د ريسيرتش" أخيراً أن يصل حجم الاستثمار في شبكات البنى التحتية في الدول العربية خلال عامي 2003 و2004 إلى نحو 3 بلايين دولار. ولا يشمل هذا الرقم رسوم الترخيص للشبكات الجديدة أو تكاليف عمليات الدمج والاستحواذ التي يمكن أن تحصل. وستكون السعودية هي السوق الأكبر في المنطقة. ففي 2004، يتوقع أن يتم ترخيص مشغّل ثان للهواتف النقالة في المملكة. وقد يُسجل تطور حديث ومبتكر، ألا وهو منح ترخيص لمشغّل ثان ســـواء في السعودية أو غيرها من أقطار دول المنطقة، يقوم بموجبه هذا المشغّل باســــتئجار طاقة فائضــة متوافرة لدى الشركات القائمة الأخرى، ويقدّم خدمة الهاتف النــــقال من دون الحـــاجة إلى بناء شبكة اتصال جديدة خاصة به.

الجيل الرابع

وبعدما طال انتظار الأسواق في أوروبا وجنوب شرقي آسيا لبدء تشغيل شبكات الجيل الثالث من الهاتف النقال (جي 3)، تحول الاهتمام إلى تقنية جديدة أُطلق عليها اسم الجيل الرابع (جي 4)، والتي لم يكن يتوقع ظهورها قبل سنة 2005. وبالمقارنة مع السابق، فإن أول تقنية استُعملت في شبكات الهواتف النقالة والتي عرفت بالجيل الأول (جي 1)، اعتمدت على نظام الاتصالات المتناظرة (أو أنالوغ)، في حين أن الجيل الثاني (جي 2) اعتمد على نظام الاتصالات الرقمية مثل شبكة "جي إس إم" الحالية.

أما الجيل الثالث (جي 3)، فانه يعمل بشبكات رقمية عالية السرعة تدمج الاتصالات الصوتية والصورية وتتميز بإمكان الدخول وتصفح الإنترنت بسرعة كبيرة. وتوفر هذه التقنية لمستخدِم الهاتف النقال كل ما يستطيع القيام به حالياً عن طريق الكومبيوتر الشخصي، بما في ذلك استلام وإرسال الرسائل الإلكترونية، ومشاهدة وإرسال صور الفيديو والألعاب، وتصفح الإنترنت بسرعة فائقة إلخ.

وهناك تكنولوجيا متوسطة ما بين الجيل الثاني والجيل الثالث تعرف باسم "جي بي آر إس" (أو جي 2.5). وهي توفر خدمة الارتباط المباشر والدائم مع الإنترنت، ولكن بسرعة أقل مما توفره تكنولوجيا الجيل الثالث. ولقد اسـتطاعت شـــــركات الهـاتف النقال في الأردن تطوير شبكة "جي إس إم" الحالية بتكاليف منخفضة نسبياً كي تســــتطيع تقديم خدمة "جي بي آر إس" بالاضافة إلى خدمة الرسائل المتعددة الوسائط (إم إم إس).

لقد أنفقت شركات الهاتف النقال في أوروبا ما يزيد على 100 بليون دولار للحصول على رخص توفير خدمات الجيل الثالث للهاتف النقال (جي 3). غير أن تشغيل مثل هذه الشبكات على أرض الواقع جاء أصعب بكثير مما كان متوقعاً. وحتى الدول التي ابتدأت تشغيل شبكات الجيل الثالث، وجدت أن الطلب على ما توفره من خدمات إضافية، مثل إرسال ومشاهدة الأفلام والاتصال الجماعي عن طريق الفيديو وخدمة الاتصال السريع عبر الإنترنت وغيرها، لم يصل إلى المستوى المطلوب. بل إن توافر خدمة "جي بي آر إس" جعل ممكناً للمستخدِم الحصول على معظم هـــــذه الخدمات وبكلفة أقل. ولقد شجع ذلك شركات الهاتف النقـــــال على أن تفكر جدياً بالتخلي عن بناء شبكات الجيل الثالث المُكلفة والاستعاضة عنها بشبكات وخدمات أكثر تطوراً.

ويبدو أن الشركات التي حصلت على رخصة تشغيل خدمات الجيل الثالث للهاتف النقال ستستفيد من هذه الرخصة بطريقة غير مباشرة، مثل زيادة طاقة شبكتها للاتصالات الصوتية عندما تصل هذه الطاقة إلى أقصى درجات الاستعمال. ولا بد من الإشارة هنا إلى التكنولوجيا الحديثة التي تم تطويرها أخيراً والتي تُسمى "واي فاي". وتتميز هذه التكنولوجيا بأنها تسمح لأجهزة الكومبيوتر المحمولة الدخول إلى شبكة الإنترنت بسرعة كبيرة، إذا كانت هذه الأجهزة على مسافة 50 متراً أو أقل من جهاز كومبيوتر مرتبط مع خط اشتراك رقمي (دي إس إل). ولقد أصبحت تكنولوجيا "واي فاي" مستخدَمة اليوم على نطاق واسع في المنازل والمكاتب والجامعات في كل من أميركا وكندا وأوروبا واليابان.

كما أن بعض الشركات أصبح يُقدم هذه الخدمة في المطارات والمقاهي وأماكن عامة أخرى تعرف بـ"النقاط الساخنة". غير أن هذه التكنولوجيا الجديدة تفقد ميزتها إذا ابتعد مستخدِم الكومبيوتر المحمول عن دائرة التغطية المحدودة التي توفرها.

من هنا جاءت تكنولوجيا الجيل الرابع (جي 4) للهواتف النقالة، لتوفر شبكة اتصال لها مجال تغطية أشمل، وتسمح الدخول إلى شبكة الإنترنت بسرعة كبيرة. لذا فهي تعتبر منافسة لتكنولوجيا الـ"واي فاي". كما أنها تعتبر بديلاً لاسلكياً لتكنولوجيا خط الاشتراك الرقمي (دي إس إل) الذي يقدّم خدمة الدخول السريع إلى الإنترنت في المنازل والمكاتب. من هنا، يُتوقع أن يتم بناء شبكات الجيل الرابع للهواتف النقالة أولاً في المناطق التي لا تتوافر فيها الكابلات وخدمة خط المشترك الرقمي (دي إس إل).

ويستطيع مشغّلو الهواتف النقالة في الدول العربية دراسة إمكان الاستغناء عن تكنولوجيا الجيل الثالث والانتقال مباشرة إلى تكنولوجيا الجيل الرابع، عندما تصبح سوق المملكة مستعدة لذلك، وبعد حصولهم على موافقة هيئة تنظيم قطاع الاتصالات.

لقد أدى انتشار استعمال خدمة الرسائل القصيرة (إس إم إس) وأخيراً الرسائل المتعددة الوسائط (إم إم إس) إلى تغيير طريقة استعمال الهواتف النقالة. ولم تعد هذه الهواتف يُنظر إليها فقط كأداة للاتصال الصوتي، بل أصبح يُستعان بها للحصول على المعلومات وتبادل الصور والرسائل عبر الإنترنت، بالاضافة إلى إمكان استعمال الهاتف النقال كآلية دفع للتجارة الإلكترونية، أي شراء خدمات وسلع عن طريق الكومبيوتر.

ويلاحظ على سبيل المثال، أن أكثر من ثلثي مستخدمي الهواتف النقالة في اليابان يستعملون هواتفهم لشراء سلع وخدمات، مثل الأقراص المدمجة وتذاكر الحفلات وأغاني الكاريوكي وألعاب الفيديو، وللحصول على برامج التسلية والترفيه وغيرها. وليس هناك ما يمنع سوق الهاتف النقال في المنطقة العربية من أن تحذو مســتقبلاً حذو سوق الهاتف النقال في اليابان في هذا المجال.

باستطاعة مشغّلي الهواتف النقالة النجاح إذا ما غيروا استراتيجيتهم وجعلوا من الهاتف النقال وسيلة للترفيه والتسلية، بالإضافة إلى كونه آلية اتصال سريع مع شبكة الإنترنت وأداة للدفع الإلكتروني تسهّل القيام بعمليات تجارية آمنة بواسطة الهاتف. وستشكّل الخدمات التي ستوفرها تكنولوجيا الجيل الرابع مصدر عوائد إضافية لمشغّلي الهواتف النقالة. كما أن هؤلاء سيستفيدون أيضاً من الدخل المتأتي من الإعلانات التي غالباً ما تصاحب مثل هذه الخدمات الجديدة. وهناك حاجة ماسة في المنطقة العربية إلى شركات "متخصصة في إعداد المحتوى المميز"، وبالأخص باللغة العربية، والذي يجذب اهتمام الشباب الذين يشكلون ما يزيد على 50 في المئة من السكان. فنمو عدد مشتركي الهاتف النقال وزيادة الدخل المتولد من الإعلانات ومن الخدمات الإضافية المقدّمة، سيساهم في تعظيم أرباح مشغّلي الهواتف النقالة في منطقتنا خلال السنوات القليلة المقبلة.


* الرئيس التنفيذي، جوردانفست ورئيس مجلس إدارة موبايلكم