تذمر من الأرقام الاقتصادية المبالغة وعدم انعكاسها على السوق مباشرة 4 مليارات دولار ضخت إلى السوق ابتلعتها الأسهم والعقار والمروجون للأرقام الخيالية يسوقون لأنشطة تجارية غير مربحة.

جدة: جمال بنون

أجمع اقتصاديون ومحللون ماليون في السعودية، على أن الاموال العائدة الى البلاد بعد أحداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001 وجهت الى قطاعين فقط هما الاسهم السعودية والنشاط العقاري، ولم تحظ بقية الانشطة التجارية مثل الصناعة والسياحة وتجارة الالكترونيات التي ينمو سوقها بشكل ملحوظ ومتنام بشيء.

وأضافت المصادر أن عودة الاموال المهاجرة الى السعودية شهدت نموا كبيرا في السنوات الاخيرة، ولكن من دون ترتيب او تنسيق في توجيه هذه الاموال ما جعل أصحابها يوظفونها في الاسهم والعقار.

وبينت تلك المصادر أن الكثير من المستثمرين استغلوا موجة تلك الاموال العائدة في تنشيط قطاعاتهم التجارية بذكر أرقام خيالية لمشاريع اما تكون سياحية او صناعية، الهدف منها الترويج لجزء من قطاع اقتصادي يواجه الركود وعدم الاقبال نتيجة ضعف التسويق لها، أو ان العائد منها ضعيف جدا.

وتعتقد المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن الارقام المالية او الصفقات، جزء من هذه الارقام حقيقية مثل الاسهم والعقار، وبالتالي ليس مبنيا على تقديرات وهمية، حيث شهد مؤشر سوق الاسهم ارتفاعا بلغ 43 في المائة العام الماضي، وذلك نتيجة السيولة المتوفرة في الاسواق، أما القطاعات التجارية والصناعية الاخرى فان الارقام المعلنة عنها فيها مبالغة.

ويرى الدكتور سعيد شيخ كبير اقتصاديي البنك الاهلي التجاري في جدة، أن الارقام المالية، والقصد هنا تلك التي تعلن من قبل بعض الشركات ورجال الاعمال عن صفقات وتمويل مشروعات، في الواقع لا يمكن التأكد منها لكون أن العائد منها بطيء ويحتاج الى وقت للاستفادة منها، ولكن بقية النشاطات وخاصة الاسهم فان عوائدها السنوية والمضاربات الموجودة فيها تدفع الكثيرين على الدخول فيها نتيجة العوائد الجيدة خاصة في مضاربات الاسهم، أما قطاع العقارات فقد حقق نموا كبيرا نتيجة للعوائد المرتفعة.

ويقول سعيد شيخ، ان النشاط العقاري لا ينعكس بسرعة ولكن يتم تداول أسهمه بين الناس، وهذه مؤشرات الى أن هناك مرتفعات في السيولة، كما أن النقد المتداول اضافة الى الودائع الجارية ارتفعت منذ بداية العام الى 8 في المائة ما يعكس أن هناك سيولة في النقد المتداول، فضلا عن توفر سيولة في الحسابات.
وربما يكون للمستحقات المالية التي دفعتها الحكومة الى المقاولين والمزارعين وغيرها من الالتزامات دور في الانتعاش، كما يراها الدكتور سعيد شيخ.

ويتحدث الوسط الاقتصادي السعودي عن وجود معلومات خاطئة في بعض الصفقات والعمليات التجارية التي تمت في الاشهر الماضية بدواعي أنها عودة أموال وأنشطة تجارية، ويرى البعض أنه لو حدث هذا الانتعاش الاقتصادي لانعكس ايجابا من ناحية توفر الوظائف وتشغيل أيدي عاملة جديدة، وأيضا قيام مشاريع صناعية وتجارية، الا انه لم تظهر هذه الانعكاسات على الوضع الاقتصادي، وبقيت كأنها أرقام على ورق.
ويقول متابع للاحداث الاقتصادية في البلاد انه لا يقل عن نحو ملياري ريال هي قيمة صفقات تجارية ومشاريع صناعية، ولكن هذا المتابع يقول ان المجتمع السعودي لم يستفد بصفة مباشرة من السيولة المتوفرة في السوق، ولم توفر فرص جديدة من المال أو تنشيط سوق البناء او السياحة أو غيرها من القطاعات التي مازالت تعاني من الركود.

وكانت النتائج المالية للبنوك السعودية العشرة قد أظهرت أرباحا تجاوزت 6 مليارات ريال عن النصف الاول، وحقق البنك الاهلي التجاري أكبر أرباح بين البنوك السعودية بلغت 1.49 مليار ريال.

وهنا يرى عبد العزيز بن علي العجروش عضو لجنة السياحة الوطنية والمدير العام في شركة الشيكات السياحية السعودية، أنه حدث انتعاش اقتصادي مزدوج وهي أن عودة الاموال السعودية من الخارج التي قدرت بنحو 5 مليارات ريال، وبقيت أموالا من دون الخروج نتيجة الاحداث الاخيرة وايضا لمخاوف من ملاحقتها او وجود مضايقات، ويضيف أن النتائج الايجابية ايضا لانتعاش السوق هو طرح أسهم شركة الاتصالات السعودية، والتي استوعبت اموالا ضخمة، فضلا عن طرح أسهم شركة الاتصالات. ويضيف العجروش، قطاع العقار لهذا نشط لان الارباح فيه كانت سريعة ومخاطرها معدومة، ولهذا وجد الناس الوعاء الاستثماري الجيد.

واستبعد العجروش ان تظهر نتائج عودة الاموال من الخارج خلال الاشهر القريبة، حيث ان ذلك يتطلب وقتا، خاصة ان الكثير من الاموال التي عادت تم توظيفها في أنشطة عقارية واسهم ولم يتم تحويلها لانشطة اقتصادية اخرى، ما يعني انها لم تجد الطرق الصحيحة لاستثمارها.

ويضيف العجروش أن بعض الارقام التي ذكرت ربما تكون صحيحة، ولكن هي مشاريع عقارية وسكنية، وبعض المشروعات الحكومية التي كانت تنفذ منذ سنوات ضمن عقود التنفيذ المبرمة، ويقول ان سوق الاسهم السعودية تأتي في المرتبة الاولى من حيث الاستثمارات التي شهدتها، تليها سوق العقار، لكون هذه المشروعات تحتاج الى أموال سائلة لشراء أراض وعقارات، وربما تدخل الحسابات الادخارية وصناديق الاسهم، وهو ما رفع الطلب عليها.

من ناحيته يرى الدكتور عبد العزيز اسماعيل داغستاني رئيس دار الدراسات الاقتصادية في الرياض، أن في الاقتصاد السعودي أرقاما تنموية عديدة تفصح عن انجاز تنموي في زمن قياسي، هذا الانجاز يجير لمنظومة عمل جماعي تشمل أطراف معادلة الناتج القومي كله بطرفيه العام والخاص، الحكومة والشعب، قد تختلف درجة المشاركة من قطاع اقتصادي لاخر ولكنها تجتمع في الرغبة في العمل التنموي.

ويضيف الدكتور داغستاني، أن الارقام الاقتصادية في مجالات التنمية الاجتماعية لها أولوية لانها ترتبط بالانسان، وقد تفصح عنها اعداد المدارس، وفي هذا الصدد تتخيل جهدا في بناء او افتتاح مدرسة كل يوم طوال العام ولاعوام ممتدة، وينطبق ذلك على اعداد الخريجين والمراكز الصحية والمصانع واطوال الطرق المسفلتة والمعبدة، واعداد الهواتف الثابتة، ويضيف الدكتور داغستاني، أن هذه نماذج لارقام اقتصادية تنموية قد لا يحسن الكثير تفسيرها لاعتقادهم بأنها امتداد طبيعي لتطور الحياة.

وهنا يعود عبد العزيز العجروش ليؤكد أنه رغما عن اتجاه البلاد للدعوة للسياحة، ولكن مع ذلك لم نلحظ قيام مشروعات سياحية جديدة أو انشاء طرق أو حتى شبكة سكة الحديد التي يتم حاليا التفاوض فيها، ويضيف، أن المشاريع السياحية وخاصة في مناطق مثل أبها وعسير والطائف موسمها فقط 45 يوما، ولهذا ترتفع الاسعار فيها، ولا نلاحظ برامج أو مشروعات سياحية.

وهنا يطالب العجروش بضرورة وضع ارض خصبة لتنويع الاستثمارات، وحتى لا يلتقطها قطاع او قطاعان فقط وتبقى بقية المشروعات لا تجد الاقبال، وهذا يعني غياب المعلومات وهو قصر الغرف التجارية.
ولكن لماذا هذا الاعتقاد لدى السعوديين، على ان هناك مبالغة او ارقاما وهمية ذكرت له باعتقاد ان مبالغ ضخمة تم ضخها في السوق، ويقول رجل أعمال سعودي، انه بالفعل ضخت اموال ولكن هي في الواقع ليست عقودا مباشرة، مثل عقود الصيانة والتشغيل والمقاولات مثل الحفريات وبناء مشاريع حكومية، وهذه لا تخلق فرصا وظيفية مباشرة، بقدر ما تحقق عوائد ضعيفة، وأضاف، أن معظم المشروعات التي تم افتتاحها في الاشهر الماضية هي مشاريع خدمية مثل مراكز تدريب او مستشفى او جامعات او كليات اهلية وهذه نتائجها ربما لن تظهر قريبا لانها مشاريع خدمية خاصة وتحتاج الى مصاريف من قبل المستفيدين.

الا ان عبد الله ابراهيم الهويش مدير عام مجموعة ادارة الائتمان والمخاطر في البنك العربي الوطني، يرى ان اتجاه الكثير الى النشاط العقاري وهو النشاط الذي سيطر على الاستثمارات الداخلية، يعود لكون ان اسعار الفوائد انخفضت من البنوك، ولهذا يتجه الكثيرون الى العقار، او في صناديق الاستثمار، خاصة اذا كانت السندات الاسلامية التي تنطبق عليها المواصفات الاسلامية، او يبحثون عن اشياء اخرى للاستثمار فيها، ولهذا كانت صناديق الاسهم، واضعف هذا النشاط لكون ضعف تمويل شراء الاسهم بعد ان تضاءلت فوائدها. ويضيف الهويش أن حجم الاستثمارات المباشرة التي استقطبتها شركة الاتصالات بلغت في مجملها 10 مليارات ريال، وهذا الرقم كبير اذا ما تمت مقارنته بحجم المبالغ التي تم ضخها في الاسواق.

ويؤكد من جهته ماجد عبد المحسن الحكير المدير العام في مجموعة عبد المحسن الحكير للسياحة والترفيه، أن الكثير من أصحاب السيولة ابتعدوا عن المشروعات التي تحقق نتائج بطيئة، ولهذا اتجهوا الى المشروعات العقارية والاسهم، كما ان المستثمرين لم يجدوا مناخا مناسبا او توجيها لهم في عدد من المشروعات، كما ان تدفق الاموال الى هذين القطاعين يعود الى سهولة الاستثمار فيها وعدم الحاجة الى معرفة او تفاصيل او حتى دراية، ما يسهل الاقبال عليه، وطالب ماجد الحكير بضرورة ان تكون مجالات واسعة وتقوم الغرف التجارية وجهات الاستثمار بخلق انشطة تجارية صغيرة ومتوسطة ذات ربح جيد.

وتوقع الحكير ان تكون هناك مبالغات في الارقام المعلنة من قبل بعض المستثمرين بهدف الترويج لبعض القطاعات الضعيفة، او ان تكون المبالغ التي ضخت في بعض الاجهزة عوائدها ضعيفة ولا تجد اقبالا، الامر الذي لا ينعكس على الاقتصاد السعودي بشكل مباشر، ويرى اقتصاديون أنه أيا كانت المعلومات والارقام الاقتصادية المعلنة سواء لشركات او بنوك او حتى مؤسسات، فان الحاجة ملحة الى مركز للمعلومات لرصد تحركات الاستثمارات السعودية الداخلية وتوجيهها نحو النمو الاقتصادي الفعال بحيث يتيح فرص التوظيف والعمل وينعش السوق الاقتصادي بكافة جوانبه.