الشيخ عبد الله المنيع: تفجيرات الرياض والدار البيضاء تستنكرها مجمل شرائح المجتمع الانساني
عضو هيئة كبار العلماء في السعودية لـ«الشرق الوسط»: فتوى الأزهر بإباحة الربا لم تخرج من متخصصين وعليهم التوبة

حوار: وسيم الدندشي
رغم كبر السن الا ان ذلك لم يعجزه عن السفر المتواصل والمشاركة الدؤوبة، ذلكم هو الشيخ الدكتور عبد الله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء والعضو في معظم المجاميع الفقهية والاسلامية الكبيرة، تجده من برنامج فتاوى في الفضائيات الى مشاركة في افتتاح مؤتمر، الى عقد محاضرات في الشريعة او الاقتصاد الى جلسة بحث في مسألة معاصرة تمتد الى ساعات، فأنهكه كل ذلك ولكنه لم يقعده. سألناه عن التفجيرات فاستنكرها بألم، ثم عن فتوى الازهر باباحة الفوائد فاستغربها وعنف على من افتى بها، ثم ذكرناه بفتواه التي تراجع عنها بعد ضغوط شعبية هائلة، فانتقدهم.

* ما هو تصوركم وانطباعكم لما حدث في الرياض والدار البيضاء من هجمات؟
ـ لا شك أننا نتألم ونستنكر هذا التوجه، وقد استنكرته مجمل شرائح المجتمع الانساني، وليس الاسلامي فقط، بل جميع المجتمعات التي لديها مزيج من التعقل وبعد النظر. واما هؤلاء الذين قاموا بمثل هذه الاعمال محتجين بانهم يريدون الحاق الضرر بمن يضمر العداء للمسلمين، نقول لهم ان ما حدث هو انكم الحقتم الاذى بارواح المسلمين واموالهم وممتلكاتهم، وبأمن المسلمين واستقرارهم الداخلي، ثم ما ذنب هؤلاء الذين دخلوا بعهد من المسلمين على امنهم واموالهم. وعلينا ان نعلم انه بدلا من القيام بهذه الاعمال التخريبية علينا ان نقوم بتصحيح النظرة عنا وعن ديننا الذي اصبح يتهم بانه دين ارهاب ووحشية وتطرف وقتل، ولا يكون ذلك ابدا بالافساد في الارض وقتل النفس، فديننا جاء للانسانية جمعاء. فنحن نجرم هذا العمل، ولا نقره، وهو داخل في قوله تعالى: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض».

* حسب رؤيتكم ما هو العلاج في مثل تلك الحالات؟
ـ بداية لا بد ان نتحدث عن علاج امني عاجل، ويكون ذلك بعقوبة رادعة وقاسية تجعلهم عبرة لغيرهم ممن قد يتوقع منهم مثل تلك الاعمال. وهي مسؤولية الاجهزة الامنية التي اثبتت قدرتها على ذلك. اما العلاج بعيد المدى فهو يتمثل بالبحث عن الاسباب المؤدية لمثل تلك التصرفات، واعتقد ان من ابرزها الغلو وهو مجاوزة الحد، فنحن نعيش في هذه الايام صحوة اسلامية منتشرة، ولكن هذه الصحوة بحاجة الى رعاية وتوجيه وتبصير، حتى لا يتلقفها تيار متشدد مخالف للعقيدة، ولمنهج الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا دور العلماء في تكثيف التوجيه، والولوج الى مجالسهم، والاجابة على جميع الشبهات التي تغلغلت في عقول الناشئة. وثانيا لا بد من وجود حلول في ما يتعلق بالبطالة، واذكر مثالا قريبا على ذلك، عندما اعلنت رئاسة الحرس الوطني عن حاجتها الى 900 جندي، فتقدم لهذه الوظائف ما يزيد على عشرة آلاف شخص، من بينهم حاملو شهادات جامعية، اي ان الطالب الجامعي وصل به الامر الى قبول العمل ولو برتبة جندي، وهذه بلا شك ازمة لا بد من حلها وعاجلا، لان هذه الفئة ان لم تجد ما يحقق طموحها من تأمين وظيفة دائمة ومسكن للزواج وتكوين الاسرة، ودخل حلال، فانها قد تلجأ الى مثل تلك العصابات التي قد توفر لها المال، او ان تخلصها من واقعها الذي تعاني من خلاله سواء بعمليات تفجير او اغتيال. كذلك في ما يخص الجامعات، فنحن نعلم ان القبول الآن اصبح بمعدلات عالية لا يستطيع بسبب ذلك الكثيرون من خريجي الثانوية العامة الالتحاق بالجامعة، فما الذي يمنع ان تقبل منهم فئة معينة بشروط مثل ان تمنع عنهم المكافأة ويطالبوا بمعدلات عالية خلال السنة الاولى، فمن استطاع ذلك فليبق واما الآخرون فيوجهون الى مجالات اخرى. ثم ان لدينا الآن في السعودية نحو 7 ملايين من الوافدين فعلينا ايضا ان نحاول الاقتصار على الفئة المهمة منهم اما الباقون فيتم الاستغناء عنهم ليحل مكانهم شباب قادرون على انجاز تلك الاعمال.

* «الجهاد قائم مستمر حتى قيام الساعة، لا تنخفض له راية الا ظهرت تعلو في مكان آخر» هذا هو الشعار الذي يحتج به كل من يدعو الى الجهاد وهو يستند في ذلك الى بعض الاحاديث التي تؤكد هذا المعنى، فهل صحيح ان توقف الجهاد في مرحلة ما يناقض هذه الاحاديث؟
ـ الجهاد يكون ممن يملك القوة، ممن يستطيع تحقيق شروط الجهاد، ونحن اليوم امام قوة معادية، قوية جدا، ومواجهتها تحتاج الى اعداد، والى وقت، وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة والتابعون من بعدهم، فالنبي وصحابته كانوا يواجهون اشد العذاب ويعانون من السخرية والاستهزاء والتعذيب، اضافة الى الحرب الاقتصادية التي عانوا منها لسنوات عديدة عندما هجّروا الى (الشيعب) ومع ذلك كان النبي صابرا، ولم يرفع راية الجهاد لانه لم تكن هناك قوة مقابلة، ولكنه عندما هاجر الى المدينة، ووجدت الادارة الاسلامية، والقوة، اذن حينها للمسلمين بالجهاد، اذن هي ثمرة اصولية في الاسلام بان الجهاد يكون بحال منتجة، وليست كما نرى بما يتسبب بخسارة للمسلمين، واعطاء صورة سيئة عن الدين. فهل هذه النتائج التي حدثت بعد التفجيرات هي التي نريد تحقيقها، او ان هؤلاء الذين قاموا بهذه الاعمال هل حققوا ما كانوا يعتقدون نجاحه؟ يجب ان نفهم جيدا باننا امة ضعيفة، علينا ان نبدأ بجمع اوراقنا في ما يتعلق بوحدة المسلمين وتصحيح الاوضاع، ثم بعد ذلك نفكر بالجهاد، وعندما نتأمل الجهاد في ايام رسول الله لم نجد انهم كانوا يتشفون بالدماء والقتل، انما كان الهدف هو فتح الطريق امام الدعوة للاسلام، وهذا ما هو متوفر الآن عبر الكثير من الوسائل. ثم انظر قريبا ماذا فعل بالعراق الذي اصبح الآن محتلاً، وليس لها كيان سياسي، ولا شك بأن كل ما يحصل بنا هو بسبب التجاوزات الحاصلة، والبعد عن امتثال امر الله، ولذا نجد بأن الله سلط علينا من لا يرحمنا، ولا يرعى حقوقنا، وهم لا يزالون يتربصون بنا وبباقي الدول الاسلامية، ونسمعهم يقولون بانه لا بد ان نضع ايدينا على المنطقة ونغيرها. فلنجاهد انفسنا، ونصلح مجتمعاتنا، ثم بعد ذلك ينجز الله وعده لنا، قال تعالى: «وكان حقاً علينا نصر المؤمنين»، اما بما فيه نحن الآن، فلسنا اهلا لأن ينصرنا الله.

* فتوى الأزهر

* ما رأيك في فتوى مجمع البحوث الاسلامية في الازهر اخيرا حول فوائد البنوك، في ما يتعلق بالحسابات الجارية او الاستثمارية، على اعتبار انها وكالة؟
ـ انا آسف جدا لهذه الفتوى التي خالفت الاجماع. وهي التي تتناول الحساب الجاري، وهذا الحساب يتعلق بذمة البنك، وهو وضع لخدمة العميل في تعاملاته الجارية، وليس للاستثمار، فهذه الفتوى غير صحيحة، ويستغرب صدورها من مثل هؤلاء العلماء الذين يفترض منهم معرفة الامور الشرعية، ويفترض فيهم ان يكونوا من اهل الصلاح والتقوى، وهي ايضا مخالفة لنصوص الكتاب والسنة الصريحة ولما اجمع عليه علماء الامة قاطبة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول «فمن زاد أو استزاد فقد أربى»، فالآخذ والمعطي سواء، فالحساب الجاري لم يعط للاستثمار، والفرق ان المبلغ الذي دفع للحساب الجاري انه لو حصل للبنك اي افلاس، لا يقول للمودع لقد خسرنا اموالك، بل هو دين في ذمته، بخلاف الودائع الاستثمارية، فهي امانة ان حصل عليها نقص او خسارة، فلا يضمن المضارب (وهو البنك) شيئا منها الا اذا كان بتقصير منه. والودائع ولو كانت استثمارية ولكن بعائد ثابت فهي محرمة، والعائد لا يجوز للمضارب ان يضمنه لأنه اساسا لا يستطيع ذلك، والشواهد كثيرة.

* في ما يتعلق بالقروض للمسلمين في خارج الدول الاسلامية، ماذا بشأن الضرورة التي قد تجبر الطالب على الاقتراض لاكمال تعليمه او رب الاسرة لامتلاك منزل يخفف عليه اعباء الحياة؟
ـ الايداع في الدول الغربية نعلم بانه يجلب الفائدة، فحتى لا تصرف الى جهات قد تستغلها ضد المسلمين، فلا بأس من اخذها ولكن لا يجوز له تملكها، بل ينفقها في جهات خيرية لينتفع منها المسلمون. وفي ما يتعلق بالاقتراض، فلا يجوز بحال من الاحوال الحصول على القروض الربوية فالطالب الذي يخرج للدراسة في الخارج هو ليس في ضرورة، بل انه لم يخرج الا ولديه الامكانات لذلك، وكذلك رب الاسرة فامتلاك المنزل ليس من الضرورات التي تبيح المحظورات، نعم هو من الحاجات وهنا يكون الفرق، فالحاجة ليست تبريرا لارتكاب المحظور. والمرابي معرض لسخط الله وغضبه، ومحق البركة من امواله. قال تعالى: «يمحق الله الربا ويربي الصدقات». ثم ان المؤسسات الاسلامية اصبحت موجودة ومتوفرة للجميع، وقد اصدرنا اخيرا فتوى بجواز (التورق)، وهو احد الحلول الاسلامية التي ستخلص الناس من كثير من مشاكلهم، وكيفيته ان يقوم البنك بشراء السلعة التي يطلبها العميل، ومن ثم يبيعها عليه باقساط مؤجلة مزيدة، وهذه الزيادة طبيعية ولا حرج فيها لان البيع المؤجل يختلف عن البيع الفوري.

* عام 1989 توجه اليكم بعض طلبة الجامعات في تركيا حول امكانية نزع الحجاب من قبل الطالبات في سبيل اكمال تعليمهن بسبب القوانين التي تمنعهن من ذلك، وكانت فتواكم بالجواز بناء على ان التعلم مصلحة كبرى تتفوق على الالتزام بالحجاب، فاسألكم: لماذا قدرتم الحاجة في هذه المسألة وافتيتم بالجواز، وقبل قليل منعتم الاقتراض بفائدة رغم وجود الحاجة؟
ـ هناك فرق، فالحجاب محل خلاف معروف، اما مسألة القرض الربوي فهي محل اجماع، ولا يعلم احد شذ عن ذلك الا شيخ الازهر، مع ان هذه الفتوى لم تصدر ممن هو مختص اختصاصا فقهيا، انما هم مجموعة من الاعضاء الذين ليسوا مختصين في الفتوى بهذه الامور، فهي تحتاج الى علماء شريعة ينظرون في نصوص الكتاب والسنة، لذا فعليهم ان يراجعوا انفسهم، ويبرئوا ذممهم، والله حسيبهم في ذلك.

* التراجع عن فتوى الحجاب

* ما الذي جعلكم تتراجعون عن الفتوى برغم انها كانت بنصوص من الكتاب والسنة، الم تلاحظوا ان الاعتراضات لم تأت من خارج السعودية انما من احد التيارات من الداخل؟
ـ اعتقد ان الامر راجع الى ان بعض اخواننا لم يعيشوا الحياة التي تعيشها اخواتنا في تركيا، ففاقد الشيء لا يعطيه، فلا نحكم على غيرنا ممن تختلف ظروفهم عنا، بما نتصوره في واقعنا، فهم طبقوا الفتوى على واقعنا نحن وليس على واقع المسلمات في تركيا، فالمسلمات هناك يمنعن من كل شيء سواء من التعليم او العمل او حتى الوظائف الخاصة بهن، وذلك كله بسبب الحجاب رغم انه بلد اسلامي، وتغطية الوجه والرأس كما نعلم مسألة خلافية، وهناك قاعدة معروفة بأن الحاجة الاجتماعية تنزل منزلة الضرورة في الاباحة. وعموما انا تراجعت اعتقادا مني بأن ذلك افضل، والعبرة ليست بالشخص الذي افتى، انما بالفتوى التي صدرت، فمتى كانت بنصوص من الكتاب والسنة، فعلينا ان نعمل بها. اما اخواننا الذين عارضوا الفتوى فعليهم ان يحمدوا الله على ما هم فيه من تحكيم لشرع الله ونشر للسنة.

* يوجه لكم البعض اللوم بسبب مشاركتكم في الاشراف على اعمال البنوك غير الاسلامية عبر لجان شرعية، بحيث يكون ذلك تزكية لها لافتتاحها فروعا تقدم معاملاتها حسب الطريقة الاسلامية، ويستندون في ذلك الى اعتبار ان اموال البنوك مختلطة؟
ـ اسأل الله ان يبيح اخواننا، واعلم ان ما كان من بعضهم انما هو نصح وورع، ولكن ليس كل ناصح بالضرورة على صواب، قد يكون مخطئا، والناس لديها اصول تعمل بها، وعقول تميز بها. ثم اننا لو نبذنا هذه البنوك، وقلنا لهم بأنكم كاذبون، ولكم مقاصد سيئة من ذلك، لاتجهوا واصروا على ما هم عليه من تعاملات ربوية. ولكن على العكس فما دمنا رأينا توجها منهم نحو التغيير فلا يجب علينا ان نصدهم، فتقليل الشر من مصلحة المسلمين، اليس العمل على ذلك اجدى، بل انك اذا نظرت الى البنوك الاسلامية لوجدت أنها بدأت بالتدريج ببداية بسيطة، وكانت محل استهزاء وعلق حينها البعض بأنكم تعيشون (احلام الخيال)، فانظر كيف اصبحت الآن. والتدرج في الاسلام معروف، وبعض المحرمات جاء النص بتحريمها تدريجيا على مراحل، فلنعمل اذاً على ان يكون التغيير حسب المتاح. ثم ان على هؤلاء الذين ينتقدون ان يوثقوا ادعاءاتهم، وما يروجونه عن هذه البنوك بانها كاذبة، وتعاملاتها كلها ربوية، فاحاديث المجالس هذه لا يجدر بنا تصديقها والاخذ بها. والرسول عليه الصلاة والسلام تعامل مع اليهود وكذلك صحابته من بعده والتابعون لهم، بل مات عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي، ونحن نعلم بأنهم اهل الربا ولا يجدون حرجا في التعامل به. وكذلك المسلمون الاوائل مع الفتوحات الاسلامية اصبح التعامل بينهم وبين باقي تجار الارض ساريا، فما دام العقد صحيحا سواء من سلم او تورق او بيع او شراء فهو جائز، وفي ما يتعلق بحجة ان اموال البنوك غير الاسلامية مختلطة فنؤكد على ان الفروع الاسلامية لهذه البنوك معزولة، سواء في حساباتها او استثماراتها وبيعها وشرائها، وعليها رقابة شرعية تتابع ذلك اولا بأول، بل ان لها موظفيها المتخصصين ايضا.

* الاستنساخ دار حوله جدل كبير، واعلن عن حالات عربية، رأى البعض انه ما دام يتم بين خلايا تؤخذ من الرجل وزوجته، وللضرورة كأن تكون حالة عقم، ولمولود واحد فقط، فإن ذلك لا حرج فيه، كيف تعلقون؟
ـ من جميع المجاميع الفقهية خرجت فتاوى بتحريم الاستنساخ، وحتى باقي الاديان الاخرى، لأنه يفسد العلاقات الانسانية، سواء الابوة او الامومة، فالناتج منه ليست له مرجعية، كالنبتة التي تخرج في الصحراء لا يدرى اساسها. ولكن استنساخ الاعضاء من قرنية او كبد او كلية، فتزرع وتهيأ، فهذا مما يخدم الانسانية، والبعض افتى بجوازها، فهي ليست مخلوقا كاملا وليس له اصل او مرجعية، وهي تعالج الكثير مما يعاني منه الناس.

* في محاضرتكم الاخيرة التي تحدثتم فيها عن الغلو، ذكرتم أن ما يقوم به جهاز الهيئة يوازي بل يفوق ما تقوم به الاجهزة مجتمعة في وزارة الداخلية، وانتقدكم البعض على ذلك، بأنه هل يعقل ان نقارن نتاج عدة اجهزة بجهاز واحد؟
ـ اولا علينا ان ندرك أن هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لديها من الفروع الكثير، خاصة في بعض المناطق النائية والبعيدة، ونقصد بذلك الانتشار في ما يتعلق بالمراكز. ثانيا فإننا نفهم بأن العنوان العريض والرئيسي لوزارة الداخلية هو الحفاظ على الامن والاستقرار، اما عندما نتحدث عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فان الامر هنا اشمل، اي يشمل كل معروف وكل نهي، فهم يهتمون بتقويم السلوك والاتجاهات، وحماية امن البلد من الفكر الدخيل المنحرف، ومن السحر والشعوذة والدعارة، اضافة الى مكافحة الجريمة والمخدرات وتوجد دلائل على ذلك. واعتقد أن من يناقض ذلك اما انه لديه شيء من التفسخ عن دين الله وليست له عناية بدينه، او انه جاهل ولعل هؤلاء البعض يكونون من هذا الصنف الجاهل.

* يوجه بعض المثقفين انتقادا حادا للفتاوى التي تكون عبر الهواء مباشرة، بحجة انه من غير المنطق ان يعطي المفتي رأيه في كثير من المسائل التي تحتاج الى تأمل خلال ثوان معدودة، ناهيك من ان بعض المسائل تختلف باختلاف الشخص والحال؟
ـ نسبة كبيرة من هذه الفتاوى في منتهى الوضوح، اي انها ليست بحاجة الى تأمل وبحث، انما هي من تلك الامور المتعلقة بالعبادات واحوال المرأة مما يمكن الاجابة عليه في اي وقت. اما ما يتطلب الرجوع للقضاء مثل فتاوى النكاح والطلاق وما شابه، فإننا نوجه السائل في حينه للقضاء ليقضي في كل حالة بما يناسبها، اما المسائل التي تحتاج الى مزيد من بحث وتأمل فإننا نحيلها في حينه الى المفتي العام للسعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ليكون استفساره ادق، وتقديرا لكل حالة على حدة، اضافة الى بعض المسائل التي تتم احالتها الى وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف.

* السيطرة على هيئة كبار العلماء

* يلاحظ في فتاوى هيئة كبار العلماء في السعودية انه من النادر ان يجتمع جميع الاعضاء على رأي واحد في فتوى معينة، هل تنظرون لهذا الامر بايجابية، مع العلم ان ذلك قد يشتت العامة؟
ـ وجود الاختلاف في وجهات النظر بين اعضاء هيئة كبار العلماء في السعودية، او ضمن المجاميع الفقهية، هو امر طبيعي وصحي، فالقرارات فيها تصدر بالاغلبية. ولو كانت الآراء تخرج دائما بالاتفاق لكان من المنطق ان نتحدث عن جهة تفرض رأيها على هذه المجاميع، او انها مسيطرة عليها. اما بالنسبة لعامة الناس من المسلمين فان لهم الأخذ بما استقر عليه الاغلبية، وليس لهم الاخذ بالاستثناءات، اي الذين كان لهم رأي مخالف، اما الاشخاص الذين يملكون المادة والامكانيات التي تؤهلهم للنظر في الفتوى، فهم ممن يحق لهم اختيار ما يقتنعون به، لانهم اهل لذلك.

* «عقدة التشبه» هكذا يسميها البعض، والمقصود هنا هي الفتاوى التي تخرج بتحريم الكثير من المظاهر بحجة التشبه بالآخر، الا تعتبرون الازياء وفنون العمران والادارة وغيرها من مثل هذه الامور من التراث الانساني العام، اي ليست فيها خصوصية؟
ـ هنا نحتاج الى بعض التفصيل، ففي ما يتعلق بالمنازل فليس هناك اي مانع ان يختار الانسان ما يراه مناسبا من اثاث ونمط لبناء منزله، سواء كان على التصميم الشرقي او الغربي، ولكن لا يكون التصميم مناقضا لما نحن ملتزمون به من آداب اسلامية كأن لا يكون هناك مجالس منفصلة كما هو عند الغرب. اما في ما يخص الازياء فلا يجوز للمرأة مثلا تتبع ما ينتجه الغرب في ما يعتبر من خصوصياته، ناهيك مما يكون في بعضه من كشف للعورات.

* لكن المشاهد الآن ان الازياء لم يعد لها خصوصية في الدول العربية، بحيث تجد ان الازياء اصبحت تتشابه في مجملها مع الغرب، اما المرأة فما الذي يمنع ان تتبع ما يستجد في حال كان ارتداء ذلك ضمن نطاق المحارم، وبعيدا عن نية التشبه؟
ـ هو من باب سد الذرائع، ومتابعة كل ما يستجد بنية التقليد هو دليل ضعف ونقص، ولا اعتقد انه وان كان ضمن المحارم يحفظ للمرأة احترامها.