تحية معطرة بالطيب والأخوة لكم جميعاً..
المصدر: http://abdulhamid.net/archives/2166
المستثمرون السعوديون يرحلون إلى الأسواق العالمية بـ 226.2 مليار ريال (60.3 مليار دولار) خلال 2006-2010
المستثمرون الأجانب يدفعون 13.9 مليار ريال فقط (3.7 مليار دولار) خلال 2008-2010
الأجانب يحجمون عن الاستثمار في السوق السعودية
أظهرتْ بيانات ميزان المدفوعات للاقتصاد السعودي، المنشورة في النشرة الربع سنوية الصادرة مؤخراً عن مؤسسة النقد العربي السعودي، حقائق ملفتة جداً حول حركة رؤوس الأموال للحافظة الاستثمارية تحت بند الحساب الرأسمالي والمالي، هذا البند الذي يوضح تدفقات رؤوس الأموال الداخلة والخارجة من وإلى الاقتصاد الوطني، سواءً عبر الاستثمار المباشر أو استثمارات الحافظة الاستثمارية أو الاستثمارات الأخرى أو الأصول الاحتياطية.
جاء عنصر المفاجأة هنا فيما يختصُّ بالتدفقات الاستثمارية الداخلة والخارجة إلى ومن سوق الأسهم المحلية (الحافظة الاستثمارية)، التي كشفتْ عن ضعفٍ شديد في تدفقات استثمارات الأجانب عبر اتفاقيات المبادلة "SWAP Agreements" مع الأشخاص الأجانب غير المقيمين سواءً أكانوا مؤسسات مالية أم أفراداً، وأن هذه الأداة الأشبه بالنافذة أمام الأجانب على سوق الأسهم لم ترتق حتى إلى مستوى أدنى التدفقات المماثلة لبعض الأسواق الإقليمية المجاورة! حيث وصل إجمالي التدفقات التراكمية لتلك الاستثمارات منذ سمحت هيئة السوق المالية بها في مطلع 2008م إلى نهاية الربع الرابع من 2010م إلى نحو 13.9 مليار ريال فقط (3.7 مليار دولار أمريكي)، أي بما لا يتجاوز نسبة 1 في المئة من إجمالي القيمة الرأسمالية للسوق، ويمكن الرجوع إلى الجدول الأول المرفق للتعرف بصورةٍ أدق على حجم تدفقات كل ربع طوال الفترة الممتدة بين الربع الأول من 2008م إلى نهاية الربع الرابع من 2010م. ووفقاً لعمليات رصد قيمة تداولاتها الربع سنوية لنفس الفترة ومقارنتها بحجم تدفقات كل ربع سنة طوال تلك الفترة، فقد أظهرتْ أن تلك التدفقات الشحيحة لم تتجاوز معدلات تدويرها في السوق طوال تلك الفترة أكثر من 1.8 مرة!
هل يقفُ وراء هذا الإحجام الملفت عن السوق المحلية من قبل المستثمرين الأجانب أسباباً أخرى غير عدم قناعتهم بأداة اتفاقيات المبادلة "SWAP Agreements" ؟! هل يأتي من ضمن تلك الأسباب انخفاض جدوى الاستثمار في السوق المالية السعودية مقارنة بمثيلاتها من الأسواق الناشئة؟ أم أن عدم شفافية الأنظمة المسيطرة على تعاملات السوق وتباين تطبيقها على عموم المتداولين أحد تلك الأسباب؟! أم أن أولئك المستثمرين منعهم -حسب وجهة نظرهم- صرامة تنفيذ أنظمة السوق، وحرص هيئة السوق المالية الكبير على دخول أموال ساخنة إلى السوق؟! كل هذه الأسئلة وغيرها من التساؤلات؛ أعتقد أنه من الضرورة القصوى أن تبادر هيئة السوق المالية والسوق المالية تداول باستطلاع آراء أهم الشركات والمؤسسات الاستثمارية العالمية حول الأسباب الحقيقية التي تقف وراء عدم إقبالهم على أكبر سوق للأوراق المالية في الشرق الأوسط، ذلك أن ما تحقق حتى الآن على هذا المستوى لا يمكن أن تتحقق معه الأهداف التي من أجلها أُقر السماح للمستثمرين الأجانب بدخول السوق المحلية، والتي تم بلورتها في الهدفين الرئيسين التاليين: (1) زيادة عمق السوق المالية والرفع من كفاءتها. (2) تعزيز مؤشر انفتاح السوق المالية السعودية أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال تشجيع المستثمرين الأجانب على الدخول في السوق المالية السعودية.
كما لوحظ أنه حتى مع الخطوة التي قامتْ بها هيئة السوق المالية في نهاية الربع الأول من عام 2010م، وذلك عبر موافقتها على آلية عمل صناديق المؤشرات المتداولة والسماح بتأسيسها، التي تتضمن السماح للمستثمرين الأجانب غير المقيمين بتداول وحدات صناديق المؤشرات المتداولة في السوق المالية السعودية، وبدء صندوق فالكم المتداول للاسهم السعودية الذي بدأ تداوله في 28 مارس 2010م، وصندوق فالكم المتداول لقطاع البتروكيماويات الذي بدأ تداوله في 10 يوليو 2010م. أؤكد أن حتى هذه الخطوة لم تساهم في زيادة اقناع المستثمرين الأجانب بجدوى الاستثمار في السوق، حيث لم يتجاوز حجم أصول الصندوقين حتى نهاية 2010م أكثر من 74.2 مليون ريال، كما لم يتجاوز إجمالي عدد المستثمرين فيهما أكثر من 592 مستثمراً فقط، وكنتُ قد تطرقتُ إلى الأسباب الحقيقية وراء فشل هذه الخطوة الأخيرة في مقالٍ سابق نُشر هنا في (
صناديق المؤشرات.. الطريق مسدود!!)، انحصرت في (قصورٍ تنظيمي) تمثّل في عدم إمكانية المستثمر الأجنبي المقيم خارج البلاد فتحه حساباً بنكياً محلياً يرتبط مع أي من صناديق المؤشرات المتداولة! كاشفاً في حقيقته عن الافتقار إلى التنسيق من قبل هيئة السوق المالية مع مؤسسة النقد العربي السعودي، الذي استوجب تنسيق الهيئة مع (ساما) في هذا الخصوص، والذي بناءً عليه ستقوم (ساما) كونها الجهة الإشرافية والمعنية بتوجيه وإبلاغ البنوك المحلية بالتعليمات اللازمة لتفعيل مثل هذه الإجراءات، وبالطبع فهذا يتنافى مع ورد في نظام السوق المالية في الفقرة (ب) من المادة السادسة فيه التي نصّت: على الهيئة في مباشرة صلاحياتها وفقاً لهذا النظام ولوائحه التنفيذية التنسيق مع مؤسسة النقد العربي السعودي بشأن الإجراءات التي تزمع اتخاذها، والتي قد يترتب عليها آثار على الأوضاع النقدية.
السعوديون يرحلون من سوقهم المالية!!
ما زاد من وقع مفاجأة الإحصاءات التي أعلنتْ عنها مؤسسة النقد العربي السعودي -التي تُشكر لتقديمها ونشرها لمثل تلك البيانات بهذه الصورة المنتظمة والمستمرة- أن المستثمرين السعوديين بدورهم قد شدّوا رحالهم من السوق المحلية إلى الأسواق الخارجية! حيث أوضح رصْد إجمالي التدفقات الاستثمارية التي خرجت من السوق المالية السعودية منذ مطلع 2006م إلى نهاية الربع الرابع من عام 2010م قد وصل إلى أكثر من 226.2 مليار ريال (60.3 مليار دولار أمريكي). زادتْ وتيرة هذا الرحيل مع مطلع عام 2008م، ليصبح إجمالي هذه الأموال الخارجة إلى الأسواق الخارجية خلال نفس الفترة السابقة 2008-2010 نحو 161.0 مليار ريال (43.0 مليار دولار أمريكي)، ولعل هذا الهروب إذا صح التعبير يفسّر جزءاً كبيراً من أهم الأسباب التي أدّتْ إلى تضاؤل قيمة تعاملات السوق المالية ربعاً بعد ربع طوال تلك الفترة، ويُعد هذا الرقم كبيراً جداً إذا ما تم نسبته إلى القيمة الرأسمالية القابلة للتداول (تترواح بين 300 إلى 400 مليار ريال)، ولا شك أنه ترك وسيترك خلفه تأثيرات سلبية وضارة بالثقة في جدوى الاستثمار في السوق المحلية؛ شاهدنها ونشاهدها عياناً بياناً طوال تلك الفترة.
إننا بمجرد أن نعلم أن متوسط قيمة تلك التدفقات الاستثمارية الراحلة إلى الخارج للربع الواحد للفترة (2006م –2010م) قد بلغ 11.3 مليار ريال (3.0 مليار دولار أمريكي)، وأخذه مساراً صاعداً طوال تلك الفترة، ارتفع معه هذا المتوسط للفترة (2008م-2010م) إلى أكثر من 13.4 مليار ريال (3.6 مليار دولار أمريكي)، فإن هذا أيضاً بدوره يتطلّب بضرورةٍ قصوى أن تبادر هيئة السوق المالية أيضاً بدراسة وبحث أسباب هذا الرحيل أو الهروب لأموال السعوديين من السوق المحلية، وخروجها خاصةً في هذه الظروف المقلقة لمختلف الأسواق الخارجية بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية، وجديرٌ بالذكر أن هناك مستثمرين من الحجم الصغير والمتوسط قد يتعسّر عليه الخروج بأمواله إلى الخارج؛ إما بسبب قلة معرفته بالأسواق الخارجية، أو لارتفاع تكلفة إدارة أمواله في تلك الأسواق مقارنةً بضآلة حجم أمواله، أو بسببهما معاً، إلا أنه كما يبدو من تضاءل عدد المحافظ الاستثمارية النشطة في السوق، أنهم أيضاً بدورهم يقفون الآن خارج منصات تداولات السوق المالية جرّاء الخسائر الفادحة التي لحقت بمدخراتهم واستثماراتهم! وهذه أيضاً حالة بالغة الضرر على الجميع تتطلب دراسةً وبحثاً وتقصياً دقيقاً للأسباب الكامنة خلف هذا الإحجام من قبل هذه الشريحة أو الفئة من المستثمرين.
لا شكَّ أن دراسة وفهم جميع ما تقدّم؛ سواءً ما أظهرته الإحصاءات الرسمية من إحجام للاستثمارات الأجنبية أو رحيلٍ مستمر ومتصاعد للاستثمارات الوطنية، أن تلك الدراسة والمراجعة ستكشفُ عن أسبابٍ متقاطعة أدّتْ مجتمعةً إلى وقوف السوق المالية السعودية الأكبر على مستوى منطقة الشرق الأوسط في هذا الموقف الضعيف والمحرج، الذي لا يتناسب أبداً مع قوة ومتانة الاقتصاد السعودي بكل ما يمتلكه من مقومات وإمكانات. إنني أؤكد على أهمية قيام هيئة السوق المالية بدراسة وبحث هذه القضية المحورية، كونها تمسُّ بصورةٍ مباشرة استقرار السوق المالية وجدوى الاستثمار فيها، وكم كان ملفتاً جداً الغياب التام لهذا المحور الرئيس عن (التطلعات المستقبلية لهيئة السوق المالية لعام 2011م) في تقريرها السنوي الأخير 2010م؟! إذ من شأن استمرار مثل هذه التطورات السلبية أن تحجب أي إمكانية لنجاح أي من تلك التطلعات المستقبلية التي أوردتها الهيئة في تقريرها السنوي، وكيف لها أن تنجح وأهم موردٍ لأي سوقٍ مالية في العالم ممثلاً في السيولة؛ سواءً السيولة المحلية أو الأجنبية نراها إما تشدُّ رحالها إلى خارج الاقتصاد الوطني، أو أنها تُحجم عن دخوله؟!
المفضلات