شركة المزيدي العقارية

لم يكن من اليسير في الستينات أن يبيع المساهم في شركة مساهمة ما أسهمه لمن يريد ووقت ما يريد . وكنا ، نحن ، رواد ذلك الزمان والمؤسسون - حقاً - لسوق أسهم أصبح له شأناً
عظيماً كما هو أما منا هذه الأيام .

كان الاعتقاد السائد أن المساهم ليس الا شريك ، لا يستطيع أن يعقد شراكة اليوم ويفكها غداً، فإن اضطر لبيع اسهمه لحاجة طرأت ، أو لتركةٍ وجب توزيعها ، فليس امامه الا سمسار "دلال" العقار" ، الأمر الذي يستغرق أيام لعرضها ، جيئة وذهاباً ، على هذا التاجر أو ذاك .

كنا ولا نزال نحدث النفس عن تأليف كتاب أو كتيب يُوثق أحداث و مجريات نشوء سوق الأسهم الكويتي غير الرسمي ومن بعده سوق الأسهم الكويتي الرسمي (السرداب) وسوق المناخ الموازي للأسهم الخليجية باكثر تفصيل وتحليل لنشأة السوق وتطوره للدارسين والا كاديميين ولعموم الناس.. وللتاريخ .

ولكننا نعزي النفس في الوقت الحاضر بتسجيل وقائع واحداث وذكريات عاشها ومارسها عبد الحميد منصور المزيدي ، الرئيس التنفيذي لشركة المزيدي العقارية ذ.م.م ، راجين أن يوفر ذلك سجل نحصل منه على مزيج من نشأة سوق الأسهم الكويتي (غير الرسمي) "ونبذه عنا" عن طريق الدور الرئيسي الذي لعبناه في تأسيس السوق بمجهودنا الشخصي منذ حوالي نصف قرن أي منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي عندما وجَدَتْ عوائد البترول طريقها إلى الاقتصاد الوطني فتسارعت دوران عجلة الاقتصاد وتعددت نشاطاته .





تدفقات عوائد النفط

اتجهت أنظارنا آنذاك إلى الاستفادة من المدخرات والفوائظ المالية التي أخذت تتراكم عند المواطنيين فأردنا أن نُفيد ونستفيد من هذه الوفرة المالية . وكنا قد إطلّعنا (عبد الحميد المزيدي) على سوق الاسهم في اليابان أثناء مزاولة التجارة فيها من خلال مكتبنا هناك فيما بين 1952و1956 حيث كان المواطن الياباني ، الصغير منهم والكبير ، يستثمر في سوق الأسهم هناك . فتلفتنا وتسائلنا عما إذا كان في الكويت شركات مساهمة يتداول أسهمها الناس ؟ .





سوق الأسهم غير الرسمي

فوجدنا والحمد لله بعض الشركات المساهمة ، ولكن لم يكن المساهمون آنذاك يتداولون اسهمها وانما كانوا يستثمرون أموالهم فيها بصفتهم "شركاء دائمين" وكان الاعتقاد السائد أن الشريك يحتفظ بحصته "أسهمه" في الشركة إلى أن تُصفى الشركة ، أو إلى أن يُفرق الموت بينهم . وكان بيع الأسهم - إن تم - فإنما يتم لورثه بغية تقاسم تركة فقيدهم أو حاجة ماسة لا تتكرر للشريك "المساهم" . والطريف أن عملية بيع الأسهم كانت تتم على يد سمسار العقار الذي يتنقل ، راجلاً ، لعرض هذه الأسهم على تجار لا يعرف أكثرهم ما هي الشركات المساهمة ، وكيف يشارك شركاء لا يعرفهم ، وكان سمسار العقار يحتاج إلى وقت طويل يشرح فيه مزايا الاستثمار في الأسهم وتبقى الأمور هكذا إلى أن يُوفق سمسار العقار بإتمام الصفقة.. بعد دهر من الزمان .. ثم يُسجل السمسار عملية البيع والشراء في الدفتر الرسمي لدلاّل العقار المعد أصلا لبيع وشراء العقار ، لتوثيق الصفقة . وكانت الأمور تسير على هذا النمط بوتيره بطيئة ، فكان لزاماً عليّ ان استصدر دفتر دلالة للعقار لا لأتعامل بالعقار إذ لم يكن ذلك توجهي وانما لأوثق به صفقات بيع وشراء الأسهم لكي تكتسب الصفقات شرعيتها !

وكانت وسيلتنا لإثارة الوعي الاستثماري وتنميته ، أن أصدرنا نشرة مالية إسبوعية "الأسبوع المالي" تُوزع كل يوم خميس باليد مجاناً على التجار في الأسواق المحيطة بنا (منطقة المباركية) حيث لا أسواق تجارية غيرها إلا أسواق التبضّع ، ووزعناها أيضاً على المكتبات النائية، وكنا نسجل فيها أسعار أسهم الشركات ، ليس على أساس تداولها ، إذ لم يكن هناك تداول يومي وأحياناً طوال الأسبوع على بعض الأسهم ، بل كنا نسجل أسعار الأسهم ، التي يتم التداول عليها فعلاً ، ونقيّم اسعار الأسهم التي لم تُتداول بالتشاور مع أهل الرأي من المساهمين ، إضافة الى تعليق من صفحة إلى صفحتين عن حركة السوق ، ثم عَمَلَتْ النشرة المالية سحرها وفجّرت سوقاً كان كامناً استقطب مساهمين جدد إلى المساهمين القدامى وبدأت حركة نشطة للتداول اليومي وعبر أجهزة التلفونات التي لم تكن تستعمل الا .. "ترفا"ً .

وهكذا بدأ سوق الأسهم الكويتي وأصبح عبد الحميد منصور المزيدي ، هو مؤسس سوق الأسهم الكويتي بمجهوده الشخصي في شكله غير الرسمي ، ثم أخذ بعض سماسرة العقار ينشطون تدريجياً في التعامل في اسهم الشركات وكان من أبرزهم مساعد احمد مدوه وخالد الياقوت وعبد الرضا عبد الله خورشيد وجواد أحمد بو خمسين وناصر عبد العزيز الحميدي وعبد الرزاق مدوه وعبد العزيز مدوه وعبد المجيد فرج ثم تبعهم آخرون .





سوق الأسهم الرسمي

واستمر التداول على هذا النمط من سنة 1959 إلى أواسط السبعينات عندما تناولت وزارة التجارة تنظيم السوق بعض الشيء فجمعت السماسرة الذين كانوا يتكاثرون ويتعاملون من خلال مكاتب إنتشرت في الأسواق ، فجمعتهم الوزارة في سرداب بلوك (5) في المنطقة التجارية الثانية مقابل مسجد السوق ، في منطقة المباركية ، والذي أصبح السوق الرسمي للاسهم وكانت الأسعار تُدَّون على سبورتين بالطباشير وكان لوزارة التجارة والصناعة مكتب مراقبة تحت إشراف السيد عبد الله السديراوي الذي أصبح فيما بعد مدير عام بورصة الكويت وقد بلغ عدد السماسرة آنذاك عشرون سمساراً مرخصين للتعامل في أسهم الشركات الكويتية وكان مكتبنا أحد هذه المكاتب ، وشكلت وزارة التجارة والصناعة لجنة استشارية لسوق أسهم الشركات الكويتية وكان من بينهم ثلاثه يمثلون السوق ، أو القطاع الخاص ، هم السادة مشاري محمد الجاسم وأحمد مدوه وأنا .

وقد أصدرت وزارة التجارة والصناعة قسائم لِتُسجل فيها صفقات البيع والشراء وأصبحت هذه القسائم هي الوثيقة الرسمية التي حلت محل دفتر دلال العقار السابق الذكر .





سجل بأبرز المتعاملين

وللتاريخ يعز علينا أن لا نسجل أسماء الرجال من أهل الرأي في سوق الأسهم الذين أسدوا لنا المشورة وقيّموا معنا الأسهم ، كما أشرنا سابقاً ، وهم الأوائل : السادة عبد المحسن الخترش و عبد الله المشاري و محمد عبد المحسن الخرافي وعبد العزيز ويوسف المزيني ومحمد عبد العزيز الوزان ويوسف العبد الرزاق وعبد الرزاق العدواني وعبد الله وسليمان غانم العثمان وعبد الوهاب العصفور وبدر الشيخ يوسف وعبد الرحمن الزامل وصالح العبدلي وآخرين .

ثم نما السوق واتسع التداول وإزداد عدد المستثمرين والمتاجرين نذكر منهم : السادة احمد عبد الكريم ابل وحسين مكي الجمعه ومصطفى جاسم بودي وعبد العزيز البدر ومشاري محمد الجاسم وشاكر عبد المجيد الكاظمي وفايز عبد العزيز المطوع ومحمود محي الدين وابراهيم حسين معرفي ومحمد خالد المطوع وزيد عبد المحسين الكاظمي وأسامه زيد الكاظمي وعبد الوهاب العيسى وخالد يوسف المرزوق وبدر السالم العبد الوهاب و جواد وحيدر يعقوب أبو الحسن وفيصل العبد الوهاب المطوع وجواد أحمد بو خمسين ومصطفى سلطان العيسى ومحمد سلطان العيسى وغازي عبد القادر المطوع وآخرون .

ثم نشأ سوق المناخ حيث كانت تُتَداول الأسهم الخليجية فبرز في هذا السوق عدد غفير من المتاجرين والمضاربين نذكر منهم أكثر الاسماء ذيوعاً وهم : السادة نجيب محمد خالد المطوع وجاسم محمد خالد المطوع والشيخ خليفة عبد الله الخليفة وحمود الجبري وآخرين .





شكر وتقدير لجريدة الرأي العام وجريدة القبس

وأنتهز هذه المناسبة لأعبر عن عظيم امتناني لجريدة الرأي العام وجريدة القبس عن نشر كل منهما ، سيرة عن حياتي الذاتية تضَّمن كل منها جانباً عن نشأة سوق الأسهم الكويتي ودورنا فيه . اخترنا ، لمن يريد أن يتوسع في الاطلاع ، نشر الجانب الذي يتعلق بسوق الأسهم كما أعدتها جريدة الرأي العام وتلك التي أعدتها جريدة القبس ، ويجد القارئ في الصفحات المنقولة عن جريدة القبس صورة لـ ( النشرة الأسبوعية ) لأسعار الأسهم التي كان مكتبنا يصدرها في بدايات نشوء سوق الأسهم وتكوينه . وأشكر بهذه المناسبة الكاتب الصحفي في جريدة القبس الاستاذ أحمد شمس الدين الذي احتفظ بهذه النسخة طوال هذه المدة الأمر الذي ملأ فراغاً كنت أعاني منه لما تضيفه هذه النسخة من قيمة وثائقية وتاريخية .





سوق المناخ يحتضن الشركات الخليجية والشركات المقفلة
كيف برزت " الحاجه " الى شركات تُؤسس في الخليج ( الإمارات والبحرين ) وتُتداول أسهمها في الكويت و كيف برز مع هذا التطور سوق المناخ .

عندما تسارعت إيقاعات النمو الاقتصادي في الكويت كان مـن الطبيعي أن يتجاوب معها القطاع الخــاص فاتجه الى استصدار تراخيص لتأسيس شركات متعدده الانشطه فحالـت وزارة التجارة والصنـاعة دون إعطــاء الرخص اللازمه لتأسيسها اذ كانت وزارة التجارة والصناعة ترى ان الاقتصاد الوطني لايحتاج أولا يستوعب مثل هذا العدد وهذا النوع من الأنشطة فاتجهت الانظار إلى تأسيس ما يرغبه المستثمرون ، من شركات ، في دول الخليج واخذ المؤسسـون ، ثم تبعهم غيرهم يتداولون اسهم هذه الشركات في الكويت ، ثم تنامي التعامل بـها شيئا ًفشـيئاً مـن قبـل المواطنين والخلـيجيين .

ومنعاً للتعامـل بهـذه الشركات في الكـويت أعلنت وزارة التجـارة عن عـدم مسؤلييتها عن كيانات هذه الشركـات والنتائج التي تترتب عن التعامـل بها . فلم يكترث المواطـنون بهذا التحذير ووا صلوا التعامل بها حاملين المسؤوليـه على عاتقهم تدفعهم الأرباح التي كانوا يجنونها من التعامل بها .

و باتساع التعامل باسهم الشركات الخليجيه شرع المتعاملون في تداول اسهم الشركات المقفله الكويتيه أيضاً والتي لـم يكن قانون البلاد يجيز التعامل بها إلا بعد مرور ثلاث سنوات على تأسيسـها وتكون قد حققت أرباحاً وتم تحويلها الى شركة مساهمة عامة ثم أُدرجت في سوق الاسهم الرسمي .





انهيار سوق الأسهم الكويتية والخليجية في أغسطس عام 1982

هذه نبذه موجزة عن خلفيات تداول الأسهم الخليجية والشركات الكويتية المقفله والتي لم تعترف بها وزارة التجارة فلم تُدرج اسهمها داخل السوق الرسمي (في السرداب) فاتخذت لها (الأسهم الخليجية وسماسرتها المختصين بها) سوقاً مستقلاً هو سوق المناخ الذي أخذ يوازي ، وأحياناً ينافس ، السوق الرسمي ، دون رقابة من أي جهة ، حتى أنهم صمموا قسائم بيع وشراء خاصة بهم واصبح لهذه القسائم شرعية العرف حتى أنها فرضت نفسها واعتمُدت رسمياً من قبل هيئة التحكيم ومؤسسة تسوية معاملات الأسهم التي تمت بالأجل ، والتي سيأتي ذكرهما ، إلى أن كثر التدوال ، النقدي والآجل وتعاظما في السوقين وتضخمت اسعار الأسهم وثقلت ديون البيع بالآجل على الصغير والكبير فانفجر السوق وتخلف المدينون عن أداء استحقاقات البيع الآجل عليهم فنتج عن ذلك إعسار عدد كبير من التجار والمستثمرين ، وأفلس آخرون ، وأنُشئت هيئة تحكيم لتبت في العاجل من القضايا وتحيل المعسرين إلى مؤسسة تسوية معاملات الأسهم التي تمت بالآجل لتسوية أوضاع المعسرين .





نظرة على معاملات الآجل

ربما كان من المفيد أن نشير إلى الكيفية التي كان يقيِّم المتعاملون بها الملاءة المالية لبعضهم البعض في معاملات البيع الآجل .

العامل الأهم حسب التقاليد الموروثة هي السمعة الاجتماعية للتاجر وعائلته ذلك أن التاجر كان يحرص كل الحرص ويضحي بأغلى ما عنده ليحافظ على سمعته ، ثم تأتي من حيث الأهمية الملاءة المالية ولم تكن المراكز المالية للمتعاملين متوفرة ولم تكن هذه المراكز مطلوبة أصلا ، ولم تكن هناك ضمانات من المشترين بالأجل غير اصدار شيك بالمبلغ المدين لأمر البائع يصرفه في البنك بتاريخ حلول الأجل وكان 95%من المتعاملين تجار أفراد وبعضهم موظفين ، إذ كان عدد الشركات وعلى الأخص الشركات الاستثمارية والمالية قليل ولم يتجه معظمها للتعامل في سوق الأسهم .

في البداية كان البيع بالأجل محدود ومحصور بعدد لا يتجاوز أصابع اليدين وكانت الفوائد تزيد أحياناً أو تقل عن فوائد البنوك . ثم ما أن ارتفعت اسعار الأسهم بمستويات خيالية حتى نتج عنها ثراء عدد لا بأس به من المتعاملين الأمر الذي أسهمَ في اتساع قاعدة المتعاملين بالأجل وجرأهم على المغامرة .

ومع سخونة السوق وارتفاع اسعار النقدي وسرعة دوران البيع والشراء ارتفعت فوائد الأجل من 10% إلى 15% في السنة في بداياتها إلى 30% ثم 50% ثم 100% ثم 200% في السنة إلى أن استوعب البالون كل ما كان يمكن استيعابه من ضغط فانفجر .. وأخذت الشيكات المؤجلة ترجع إلى الدائنين ونتج عنها اعسار معظم المتعاملين وافلاس بعضهم وانهيار الأسعار التي أدت إلى النتائج المعروفة .


المصدر شركة المزيدي العقارية