تذكرت هذا المقال أيام السجال حول جوال الباندا ابو كاميرا ...
تدمير الهوية
فهد السلمان
أشعر بالغثيان، ولم أعد قادراً على تحمل المزيد من هذه المرارات.. لذلك لم أفكر في مشاهدة ذلك الفيلم الفاجعة.. الذي نزع آخر قطعة لباس عن جسد مجتمع الخصوصية.. رغم العديد من العروض المجانية من قبل بعض الأصدقاء.. ممن يحملون هواتف نقالة مزودة بكاميرا.
..كان أمراً بذيئاً حد القهر.. تبرّأت منه الفاحشة، وخجلت منه الرذيلة!!.
..لا أدري .أشعر أننا نحن من فعل هذا.. منذ أن تواطأنا بالصمت على الأقل مع ذلك الخلط العجيب.. ما بين خصوصية المكان وآدمية المكين.. خصوصية الجغرافيا حيث المشاعر المقدسة.. وخصوصية المجتمع التي لم تتحقق قط على مر التاريخ الإنساني.. لسبب بسيط وهو أنها صفة ملائكية مكانها السماء، ولا علاقة لها بوحول الأرض وسخامها.. لاسيما وخصوصية المكان ما منعت فسوق أبي لهب ولا عبثيات عمر بن أبي ربيعة على أبواب الحرم.. مثلما أن غيابها.. لم يصادر الفضيلة عن رجل كالبخاري.. جاء من أقاصي آسيا الوسطى.
.. وإذا كان هنالك من سيحتج بالفردية.. فإن فردية هذه الحادثة لا ولن تقلل من خطورة ذلك المرض الذي بات ينهش في مفاصلنا الاجتماعية.. عبر جملة من المؤشرات.. وعلى أيدي أولئك المصابين بالبارانويا، والإمعان في الإحساس بالنزاهة.. الذين لا يفتأون يروّجون لهذه الخصوصية.. في مواجهة كل ما لا يروقهم.. حتى بتنا أو كدنا نصدق فعلاً أن خصوصية المكان هي بحد ذاتها.. حصانة مطلقة ضد كل النزوات والجرائم والأمراض النفسية والعصابية والسيكوباتية.. في حين أن كل ما نفعله.. هو أننا ندفن رؤوسنا أكثر فأكثر في رمال الزيف والغش والخداع.. لنفيق بالتالي على مثل هذا الإبداع النزق حد الجنون في عالم الرذيلة والجريمة الجنسية!!.. لماذا؟ لأننا مجتمع مختلف.. مجتمع له خصوصيته التي (قد) تفرز ارهابيين يحاربون الدولة والمجتمع باسم الدين، ولو من باب المزايدة.. لكنها لا تسمح بإنتاج ملحدين جنسياً وفكرياً!!.. هكذا نتوهم.. وكأننا بدع من الخلق لا نشبه سوانا، ولا يشبهنا سوانا.. ما أدّى إلى إحجام قوى المجتمع الفكرية والثقافية عن مناقشة مشكلاته وأوبئته خوفاً من عصا الخصوصية الغليظة.. وبالتالي تفاقم تلك المشكلات وبشكل كارثي.. ثم انبجاسها في وجوهنا تباعاً.. وقد امتلأت صديداً يزكم الأنوف!.
..لقد صادر منا الخصوصيون السجية والتلقائية.. التي منحتنا إياها هذه الصحراء الواسعة وعاشها آباؤنا بمنتهى البراءة، ومنحونا عوضاً عنها ألف قناع وقناع لكل المناسبات.. حتى خرجنا من ذواتنا بسلوكيات لا علاقة لها بأحاسيسنا ولا بمشاعرنا ولا بما نؤمن به.. قدر علاقتها برؤيتنا لأنفسنا مظهرياً.. ورؤية الآخرين لنا!! وفي ظل انشغالنا بأدوارنا المسرحية.. وانهماكنا في حفظ النص الواحد.. خشية الزلل.. وجد أولئك المرضى ضالتهم في قاعة العرض المظلمة ليمارسوا كل كبائرهم.. إما لأننا ممثلون رديئون لم نستطع أن نستقطب اهتمامهم.. أو لأننا نفعل ما لا نؤمن به.
..إن المبالغة في إعلان التطهر لمجرد مواجهة الشبهات بشكل مرضي.. ما هي إلا صورة من صور النفاق.
..إن المجتمع الذي يصطنع الفرح بعيداً عن أطفاله، ويشترط عدم اصطحابهم لحفلات (أفراحه).. لمجرد إرضاء شكليات البريستيج.. هو قطعاً مجتمع مريض!.
..بل إن المجتمع الذي تتحجب فيه النساء من النساء.. فيما يسمى اصطلاحاً بـ (المغاتير) وتحت أي ذريعة.. هو مجتمع مصاب.
..إن المجتمع الذي تلتحم فيه معايير الحشمة.. مع معايير ليفي شتراوس وفي وقت واحد.. لابد وأن يكون مجتمعاً مموهاً على الأقل.
إن المجتمع الذي يستطيع أن يتحكم في نتائج (سوبر ستار) و(ستار أكاديمي) وهو لا يضم في جنباته مسرحاً واحداً.. هو قطعاً مجتمع فصامي.. لا علاقة له بذاته.
..وباختصار فإن المجتمع الذي لا يستطيع أن يكون نفسه.. أن يكون ذاته.. هو مجتمع مريض.. حتى وان كان معظم أفراده من الأسوياء.. لأن المرض يكون في الروابط في المفاصل.. لا في الذوات.. لذلك دعونا نعالج اختلالات مجتمعنا أولاً.. بدلاً من افتعال حرب خاسرة مع تقنية نحن سادة استهلاكها.. تقنية تستخدمها كل شعوب الأرض.. دون أن يحولوها بأمراضهم الى أدوات لتدمير بعضهم البعض!.
http://www.alriyadh.com/2004/08/13/article13917.html
المفضلات