(((( كيف تتعامل نيويورك مع الازمة المالية ))))

**عبدالعزيز الدوسري** · 28-09-2010, Tue 10:43 AM

كيف تعاملت نيويورك مع الأزمة المالية العالمية؟

الوطن السعودية ـ عبدالعزيز حمد العويشق 28/09/2010
مازلت أكتب من نيويورك هذا الأسبوع، ولما لم أعرج في مقال الأسبوع الماضي على الاقتصاد، سأحاول اليوم أن أضع القارئ في تلك الأجواء، حيث ما زالت المدينة تعالج سكرات الأزمة المالية الاقتصادية التي لا يبدو لها نهاية في المستقبل القريب. فقد ألقت الأزمة بظلالها الكئيبة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، لكن مراكز المال مثل نيويورك كانت ولا تزال أكثرها معاناة. ولما كانت حكومة ولاية نيويورك وحكومة مدينة نيويورك تعتمدان في دخلهما على الضرائب على الشركات المالية والعقارية، وعلى العاملين فيها، فإنها تعاني من تآكل القاعدة الضريبية الناتج عن تراجع دخول تلك الشركات، وتراجع عدد العاملين فيها.

وتعتمد نيويورك اعتماداً كبيراً على صحة الأسواق المالية، ويعمل الكثير من أهلها في أسواق المال. وهي مقر لثلاث بورصات عملاقة، أهمها بورصة "نيويورك"، وهي أكبر بورصة في العالم من حيث القيمة السوقية - تتجاوز (12) تريليون دولار، وهي كذلك أم البورصات الأمريكية، يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1792م. ثم هناك "البورصة الأمريكية" لشركات الدرجة الثانية، أنشئت في عام 1908، للتداول في أسهم شركات البترول التي كانت وقتها شركات ناشئة وغير معروفة المستقبل. أما بورصة "ناسداك" فهي أقدم بورصة افتراضية في العالم، يعود تأسيسها إلى عام 1971م، وأكبر بورصة في العالم من حيث عدد الشركات المدرجة (2906 شركة).

وهناك جدل كبير بين الخبراء فيما إذا كان الاقتصاد الأمريكي قد تجاوز قاع الأزمة، أم أنه ما زال في ذلك القاع، أم أنه متوجه إلى قاع جديد أكثر سوءاً، وإن كان أكبر الاحتمالات هو أنه في طريقه إلى انتعاش بطيء قد لا يبدأ قبل نهاية العام.

وهذا في حد ذاته انتكاسة، لأنه كان من المتوقع سابقاً أن الاقتصاد الأمريكي مرشح للخروج من الأزمة بحلول عام 2010م، وهذا ما أدى إلى أن تلتقط الأسواق المالية أنفاسها مؤقتاً وترتفع مؤشرات تلك الأسواق بشكل ملموس انعكس مؤقتاً على أسواق الخليج.

وكان أحد أسباب ذلك الانتعاش المؤقت التدخل القوي للحكومة الأمريكية عن طريق حُزمة التحفيز الكبرى في تاريخ الولايات المتحدة، ثم جهود الحكومة لمد يد العون، أو وضع اليد – بصيغ قانونية مختلفة - على عدد من البنوك والمؤسسات المالية لإنقاذها من خطر الإفلاس. وفي حالة واحدة، قدمت الحكومة لشركة الـتأمين الكبرى AIG خطة إنقاذ بقيمة 85 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق كامل ميزانية عشر دول عربية!

ولهذا رأينا مؤشر "داو جونز"، وهو المؤشر الرئيسي في أمريكا، ينخفض دون 7000 نقطة في عز الأزمة في عام 2009، ليعاود الارتفاع بعد ذلك ويتجاوز 11000 نقطة في بدايات 2010م، ثم ينتكس مرة أخرى إلى مستوياته الحالية حوالي 10600 نقطة.

فكيف تعاملت مدينة نيويورك مع هذه الأزمة. من ناحية هناك الأخبار الجيدة، حيث انخفضت أسعار العقار بشكل كبير، كما انخفضت تكلفة القروض، وإن كان تطبيق الشروط قد أصبح أكثر دقة. كذلك من الأخبار الجيدة انتعاش موسم الأدب والفكر والثقافة والفن، وهي ظاهرة تلفت النظر في تاريخ الأزمات الاقتصادية، وقد تحدثت عن ذلك قليلاً الأسبوع الماضي.

أما الأخبار السيئة فتتمثل في ارتفاع معدل البطالة إلى ما فوق 10%، وهو ما لم يحدث منذ نحو 25 عاماً، بل إن الشركات تقوم بمفاوضة العاملين فيها على تخفيض أجورهم، أو تخفيض المزايا التي كانوا يتمتعون بها، مقابل عدم فصلهم. وفقد عشرات الآلاف من سكان المدينة الذين اقترضوا أكثر من طاقتهم لشراء منازل بقيمة أعلى من قيمتها الحقيقية، منخدعين بعروض مدلسة من قبل شركات تمويل العقار التي انتشرت خلال الفترة السابقة لانهيار سوق الرهن العقاري في عام 2008م.

وقد انخفض دخل حكومة مدينة نيويورك بحوالي 30% كنتيجة لهذه الأزمة وإفلاس الكثير من الشركات المالية وخسارة معظم البقية الباقية. وميزانية نيويورك تتجاوز 25 مليار دولار، أي ما يفوق ميزانية معظم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة! فكيف تعاملت الحكومة مع ذلك؟ حتى الآن اعتمدت على الاقتراض وخطة التحفيز التي أقرتها الحكومة الفدرالية، وقامت بتخفيض بعض النفقات غير الضرورية، بهدف السيطرة على عجز الميزانية. ولكنها أبقت على الخدمات الأساسية مثل الأمن والتعليم والصحة والمواصلات (ما زالت تسير قطارات وباصات نيويورك 24 ساعة!) والخدمات الاجتماعية. أما إذا استمرت الأزمة فستضطر الحكومة إلى تخفيض بعض تلك الخدمات الأساسية، كما حدث في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وهذا ما يثير مخاوف أهل المدينة ويدفعهم إلى حلبات الرقص والغناء لإغراق همومهم وقلقهم على المستقبل الذي أصبح غير مؤكد!