جون ساندويك.. الخبير في إدارة الثروات المالية:
أستغرب عدم رغبة البنوك الخليجية في الانتشار دوليا رغم نجاحها محليا
أكد الخبير في إدارة الثروات المالية جون ساندويك أن إدارة الثروات المالية مهمة صعبة جدا ويجب ألا تخضع لعلاقات القرابة بسبب كون المنتجات الاستثمارية الإسلامية نادرة نسبياً. ويضاف إلى كل ذلك أن الحجم القليل من تلك المنتجات المالية التي يمكنها اجتياز أول الاختبارات الاحترافية يعني أنها بحاجة إلى درجات أعلى من المراقبة، والمتابعة، بالمقارنة بالمنتجات المالية التقليدية.
وعبر ساندويك عن استغرابه الكبير من أن عددا كبيرا من البنوك في الخليج تمتلك صناديق عائلية لكنها لا تأبه لمسألة الانتشار الدولي وتركيزها على الاستثمار المحلي رغم نجاحها. هذا الحوار تنشره مجلة "المصرفية الإسلامية" بالتعاون مع مجلة Global Islamic finance وبتفاهم مع الخبير جون ساندويك.
كيف بدأت وكيف نشأت إدارة الثروات الإسلامية؟
- ليس هنالك تاريخ حديث لإدارة الثروات الإسلامية، باستثناء ما جرى في ماليزيا من تقدم خلال العقد الماضي. وكانت هنالك إدارة للثروات في زمن النبي محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ غير أن تلك الإدارة كانت مبسطة تماماً بالمقارنة بهذه المستويات العليا من التقدم على صعيد إدارة الثروات كما نشهدها في وقتنا الراهن.
وحسب معلوماتي، فإنه لا يوجد أي مصدر منفرد في العالم لإدارة ثروات إسلامية كاملة، وعلى نحو يتسم بالاحتراف، إلا في ماليزيا. وإن ما نراه هو أن بعض المستثمرين، ومديري الموجودات يشترون منتجات مالية متقيدة بمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية، ولكن تغلب على هذه المعاملات في الوقت الراهن صفة العشوائية، حيث لا يرتبط الأمر على الإطلاق بنظرية المحفظة الاستثمارية الحديثة، أو أي من علامات القياس ذات الطابع المهني. ويستثنى من ذلك بالطبع أولئك المستثمرون الذين يديرون بصفة مهنية خالصة فئة منفردة من الموجودات التي تشكل الأسهم غالبيتها، كما أن هنالك عدداً قليلاً من صناديق الاستثمار المشتركة التي تتقيد معاملاتها بمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية، إضافة إلى عدد أقل من صناديق الصكوك في إطار تعاملات الدخل الثابت. غير أن هذه النشاطات تعد أموراً خاصة بإدارة موجودات، على نطاق معين، وبالتالي فإنها، بحد ذاتها، لا تمثل إدارة ثروات.
كيف تقيم الاتجاهات الحديثة في إدارة الثروات الإسلامية؟
- إن من الصعوبة بمكان تحديد الاتجاه السائد في أي من الصناعات غير الموجودة بالفعل. غير أن هنالك، مع ذلك، بعض الاتجاهات. ولعل أول هذه الاتجاهات يتمثل في وجود مجموعات من رجال المصارف الذين يحصلون على دخل جيد من خلال عمليات ذات ارتباط بإدارة الثروات الإسلامية، ولكنهم غير معنيين بالتطورات الحديثة والنظريات المتعلقة بإدارة الثروات من حيث تطبيقها على التعاملات المالية الإسلامية. ويبرز ذلك بصفة خاصة في سويسرا، حيث لا يوجد لدى أي من البنوك الكبرى نشاط منظم في مجال إدارة الثروات الإسلامية.
أعتقد من الناحية الشخصية أن الصناعة المصرفية في سويسرا تضيع على نفسها واحدة من أعظم فرص ممارسة النشاطات العملية خلال نصف قرن، أو ما يزيد على ذلك، ولكن قد لا أكون على صواب في اعتقادي هذا.
إن الأمر الواضح لي هو أن هذا البلد الذي يعد بمثابة ملاذ مالي لبقية العالم، ومركز مهم للثروات الخاصة، حيث عاصمة إدارة الثروات، لا يقدم القيادة اللازمة، بأي نوع كان، من أجل تطوير، وتطبيق إدارة الثروات الإسلامية. ألاحظ كذلك أن الخطوات الثابتة، والفعلية التي يتم اتخاذها لتطوير إدارة الثروات الإسلامية تظل أقرب إلى الحواف، منها إلى الأطراف، مع أن علينا ألا ننظر إلى مراكز مثل دبي، والرياض، كأطراف، حيث إنها قريبة من المصدر الذي تأتي منه الأموال.
هنالك مصرفان عالميان كبيران يعملان في الوقت الراهن في دبي من أجل تطوير إدارة فعلية للثروات الإسلامية تتمتع بمستويات عالمية. وهما يريدان إنشاء منصات انطلاق لهذه الإدارة في دبي. وكان أحد هذين المصرفين قد بدأ في محاولة تنفيذ خططه الطموحة المتعلقة بهذا الأمر منذ عدة سنوات، إلا أن الأزمة المالية العالمية عرقلت جهوده بهذا الخصوص. وبالتالي، فإنه يحاول في الوقت الراهن إطلاق جهوده هذه مرة أخرى.
أما المصرف الآخر، فلم يتأثر نسبياً بأحداث الأزمة المالية العالمية، غير أنه ظل على الدوام يتحرك ببطءٍ ملحوظ على صعيد نشاطات تسويق منتجاته المالية الجديدة. غير أنه ليس هنالك مجال للشك فيما يتعلق بمستوى جدية هذين المصرفين في السعي إلى تحقيق أهدافهما الرئيسية ذات العلاقة بصناعة إدارة الثروات الإسلامية.
وإلى جانب نشاطات هذين المصرفين الدوليين، فإننا نلاحظ مزيدا من النشاط على النطاق المحلي، يتجلى في صورة عدد من المبادرات، وإن لم تكن كثيرة. ولعل أبرز ما يلاحظ على هذا السبيل هو الجهود التي يبذلها أحد المصارف الكبرى في المملكة العربية السعودية لاستخدام قنوات إعلاناته، وعلاقاته للترويج لمفهوم إدارة الثروات الإسلامية. كما أن الأمر الآخر الذي يعد إشارة إيجابية في هذا الصدد هو أن سلطة أسواق رأس المال التي هي الجهة التنظيمية المختصة، كانت تطبع وتوزع مواد تثقيفية بدرجة جودة عالية للغاية بهدف زيادة تثقيف الجمهور بالأمور ذات العلاقة بإدارة الثروات الإسلامية.
وقد تكون مخالفات وعوائق الماضي قد خفت بعض الشيء، أو ضاق نطاقها. وكان يمكن أن تضيق أكثر لو كان هنالك نظام محترف لإدارة الثروات الإسلامية. أما وإن أسوأ ما في الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية قد أصبح شيئاً من الماضي، فإن بعض العقليات التي تتسم بدرجة عالية من الحكمة والرشد، سوف تحاول مرة أخرى إعادة تنظيم نشاطاتها العملية، بحيث تزيد من تركيزها، بصفة خاصة، على طلبات المستهلكين، وليس فقط على أعلى مصادر الحصول على الأرباح في أسواق المال.
ما المطلوب عمله لتطوير هذه الصناعة؟
- لا بد من عمل كل شيء. ودعونا ننظر فقط إلى عدد الصناديق الاستثمارية المشتركة التي تعمل حسب فتاوى إسلامية. وقد استطعت خلال هذا العام، وبالتعاون مع أحد المساعدين، إنجاز دراسة شملت 800 من المنتجات المالية التي يمكن اعتبارها إسلامية، ويمكن للصناديق المشتركة التعامل بها في إطار المفاهيم ذات العلاقة بإدارة الثروات. ولقد لجأنا إلى الحفر بعمق، واستعنا في عملنا هذا بشاشات المعلومات، كما قمنا بتدقيق وتنقية كثير من البيانات المتوافرة لدينا. وقد بدأنا عملنا باستبعاد أي شيء تنبعث منه رائحة شركات الأسهم الخاصة، حيث هنالك عدد كبير من هذه الفئة من الشركات. كما أننا لجأنا في دراستنا هذه إلى استبعاد أي شيء لم يمض على ممارسته نشاطه العملي أقل من سنتين. كما لم تشمل الدراسة أي جهة ذات رأسمال يقل عن 25 مليون دولار فيما يتعلق بقيمة الموجودات التي تتولى إدارتها. واستثنينا، إضافة إلى كل ما ذكرناه هنا، كل تلك الصناديق الاستثمارية التي لا تصدر تقارير واضحة تماماً عن نتائج نشاطاتها، أو تلك التي لا يمكن تسويتها عبر الحدود الدولية.
ومن بين ما بدأنا به من 800 منتج يتم التعامل بها في هذه الصناديق، فإن 100 منتج منها فقط استطاعت اجتياز اختباراتنا الأولية. وهكذا، فإن هذه الدراسة وجدت أن هنالك أقل من 100 منتج مالي يمكنها أن تجتاز اختبارات الملاءمة المتعلقة بإدارة الموجودات بخصوص حساب المحافظ الاستثمارية الخاصة بالأفراد، أو المؤسسات.
وإذا أخذنا كذلك في الاعتبار أن هنالك نحو 70.000 من الصناديق المشتركة التقليدية على النطاق العالمي، فإننا ندرك مدى صغر حجم وانتشار الصناعة المالية الإسلامية.
بدأنا بعد هذه المرحلة من الاستثناء، والفرز، بتفحص أمور وخصائص الصناديق التي أوفت بشروط دراستنا هذه. ووجدنا بعد ذلك أن عدداً كبيراً منها كان يركز، بصفة أساسية على الأسهم المتداولة، وأن عدداً قليلاً منها فقط هو الذي يركز في نشاطاته العملية على الدخل الثابت.
وقد يكون ذلك أمراً جيداً في نظر مستثمر في الخامسة والعشرين من عمره، حيث يأمل أن يضع معظم ما لديه من أموال في استثمارات تتسم في العادة بدرجات عالية من المخاطر. ولكن ماذا عن بقية المستثمرين .. ألا يحتاجون كذلك إلى منتجات استثمارية؟
ما الخطوات التي على المستثمر الإسلامي اتخاذها لضمان أداء جيد لمحفظته الاستثمارية؟
- لقد سبق لي أن قلت مراراً إن على العميل أن يتناول حبة من الأسبرين، ويأخذ كذلك قيلولة. وعندها لا يدخل بالفعل في الإدارة الحقيقية لمحفظته الاستثمارية. وإذا تركنا كل المزاح جانباً، فإنه في صناعة تتطلب مثل هذه الصناعة على العميل أن يعمل على مساعدة الشخص المحترف في أداء مهامه المتعلقة بإدارة المحفظة الاستثمارية، وذلك بتركه يقوم بمهامه بهدوء. فهل تدخل إصبعك في فمك حين يكون طبيب الأسنان منهمكاً في تتبع مسار أحد الأعصاب؟
إن هذه المهمة صعبة للغاية، وأشد صعوبة حين يكون الأمر ذا علاقة بإدارة الثروات الإسلامية بسبب كون المنتجات الاستثمارية الإسلامية نادرة نسبياً. ويضاف إلى كل ذلك أن الحجم القليل من تلك المنتجات المالية التي يمكنها اجتياز أول الاختبارات الاحترافية يعني أنها بحاجة إلى درجات أعلى من المراقبة، والمتابعة، بالمقارنة بالمنتجات المالية التقليدية.
بعد أن قلنا كل ذلك، فإنني الشخص الوحيد الذي أعرفه في هذا العالم (لا بد أن يكون هنالك المزيد من هؤلاء الأشخاص الذين لم أشاهدهم) الذي دخل في نطاق حصر وإحصاء المنتجات المتقيدة بالفعل بمبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية، كما أنني الوحيد الذي عمل على إيجاد نموذج عمل لمثل هذه المحافظ الاستثمارية. وقد انصب عملي الأساسي الخاص باستراتيجيات النمو المتوازن على دراسة الفترة الزمنية من 2006 إلى 2008، حيث عملت على الاستفادة من علامات قياس متعلقة بتخصيص موجودات تقليدية، ومؤشرات طورناها في سبيل ذلك.
لقد كانت محافظ نموذجنا مدروسة تماماً، وتم اختبارها مقابل معلومات مسبقة كذلك. وكنا نضطر في بعض الأحيان إلى التقريب، وإلى تغيير بعض الأرقام هنا وهناك. وقد لجأنا على سبيل المثال إلى افتراض وجود 3 في المائة من المخصصات المالية في صورة سيولة نقدية، بدلاً من 5 في المائة. ولكن يمكن القول، بصورة عامة، إن محافظ نموذجنا الإسلامي كانت شبيهة، إلى حد ما، بأي نموذج محافظ يمكن أن تجده في بنك كبير في سويسرا، أو إنجلترا. وكان الفرق الوحيد في عملنا هو أن جميع الأوراق المالية الداخلة ضمن نموذج تخصيصاتنا المالية كانت تتمتع بفتوى صادرة عن علماء مسلمين أجلاّء.
كيف عملت محافظنا الإسلامية؟ لقد أدهشتنا النتائج، حيث حققت المحفظة الإسلامية المتوازنة عوائد إجمالية بلغت 16 في المائة خلال ثلاث سنوات، بينما كان العائد على المحفظة الاستثمارية التقليدية لهذه الفترة قد بلغ 9 في المائة فقط. وتعني هذه النتائج التي أصابتنا بالذهول أن بإمكان المستثمر الإسلامي تحقيق عوائد تزيد بنسبة 25 في المائة على العوائد التي يمكن للمستثمر التقليدي تحقيقها خلال فترة زمنية تبلغ ثلاث سنوات.
ومن الواضح لنا تماماً، نتيجة للدراسات التي قمنا بها، أن المستثمرين المسلمين يمكنهم تحقيق عوائد مالية أعلى بكثير من المستثمرين التقليديين إذا اتبعوا القواعد الصحيحة الخاصة بإدارة الثروات الإسلامية.
وإن أصعب أمر فيما يتعلق بإدارة الثروات الإسلامية هو العثور على الشخص الذي يمتلك درجة عالية من الكفاءة ومستوىً رفيعاً من المعرفة، بما يمكنه من إنجاز هذه المهمة. ما العمل لزيادة عدد مديري الثروات الذين يفهمون الأمور الشرعية؟
- إن فهم المبادئ الرئيسية للشريعة فيما يتعلق بأصول الاستثمار المالي ليس بالأمر الذي يتطلب بذل جهود على امتداد العمر. وليست هنالك بالفعل حاجة إلى إعداد وتجهيز جيوش كبرى من مديري الثروات ذوي المعرفة بمبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية. ولا بد لهم بالطبع من الإحاطة بالأمور الأساسية ذات الارتباط بمثل هذا النوع من المعاملات المالية، دون أن يحتاجوا إلى كثير مما يتجاوز هذا الشأن. وإن الحاجة البارزة تماماً بهذا الخصوص هي إيجاد المنتجات، والمزيد منها على الدوام، بحيث تتمتع بفتوى إسلامية من أجل التعامل بها.
ما المزايا الخاصة بالصناديق الإسلامية المشتركة؟
- لا ينبغي، من الناحية العملية، وجود أي مزايا لأي من هذه الصناديق لكونها إسلامية. ولماذا ينبغي أن تكون لها مزايا خاصة؟ إن على الصندوق المشترك المتمتع بفتوى إسلامية العمل في ظل وجود صناديق أخرى لا تتمتع بمثل تلك الفتاوى. ولا ينبغي للمسلمين شراء أي صندوق لمجرد تمتعه بفتوى، إذا لا بد في الأساس أن يكون ذلك الصندوق المراد شراؤه صندوقاً جيداً، وأن يكون قائداً بين أقرانه، وأن يكون سعره ملائماً.
ويمكن للمرء أن يقول إن هنالك بعض الأوقات التي يتفوق فيها صندوق فردي متمتع بفتوى، في أدائه على الصناديق غير الإسلامية. وقد شهدنا مثل ذلك الأمر خلال عام 2008، حيث كانت أسعار الأسهم في الأسواق العالمية تشهد حالة من الانهيار. وقد تفوقت الصناديق الإسلامية في أدائها المالي على الصناديق الاستثمارية التقليدية لأنه لم تكن في السوق شركات ترزخ تحت أعباء ديون ثقيلة للغاية، كما أن نقص البنوك والمؤسسات المالية ساعد على ذلك. غير أن ذلك لم يستمر سوى فترة قصيرة من الزمن، حيث إن الصناديق الاستثمارية الإسلامية فقدت هذه الميزة النسبية في نشاطاتها خلال عام 2009، حين عاد عدد كبير من الشركات والمؤسسات المالية ذات المديونية العالية للغاية إلى التحرك، وتفوقت على الصناديق الإسلامية.
يبين الله لنا أن من المستحيل معرفة المستقبل، وبالتالي فإننا لا يمكننا معرفته، أي أننا لا نستطيع أن نخمن ما الأوقات التي يمكن للصناديق الإسلامية أن تتفوق فيها على أداء الصناديق التقليدية حين يكون الأمر ذا علاقة بالشأن المستقبلي. وإن كل ما يمكننا أن نقوله هو أن مجموعة من الصناديق المالية الإسلامية التي تدير أمورها بصورة صحيحة يمكن أن تتفوق من حيث مستوى الأداء على تلك الصناديق الاستثمارية التقليدية.
كيف يمكننا تحسين نوعية وكمية هذه الصناديق؟
- أظهرت لنا دراستنا التي اشتملت على أكثر من 800 منتج استثماري أن معظمها غير مقبول في نظر المستثمرين المحترفين. فلماذا يفترض أن يشتريها أي شخص آخر؟ فهي إما أنها صغيرة للغاية، وإما قليلة السيولة تماماً، وشديدة الغرابة والغموض. كما أنها يمكن أن تعتبر حديثة للغاية، بحيث يصعب على أي جهة استثمار أموالها فيها.
وإن السبب الرئيسي لمثل هذه الحالة المؤسفة هو أن صناعة إدارة الثروات الإسلامية التي تولد جزئياً المنتجات التي نحتاج إليها من النشاطات العملية الخاصة بإدارة الثروات الإسلامية، هي في أيدي البنوك، والشركات الاستثمارية التي تقوم بإنتاج، وتوزيع الصناديق.
ولقد وجدت هذه البنوك، والشركات لغاية الآن آلافاً من الأسباب لكيلا تصبح إسلامية من حيث ممارسة نشاطاتها الاستثمارية. وإن العدد القليل من الصناديق القائمة في أساسها على الاستثمارات العائلية ليست لديها إرادة التوسع في الإطار الدولي للاستثمار.
لقد أكمل معظم شركات الصناديق المشتركة، والبنوك الكبرى المهمة الشاقة المتعلقة بالتوزيع العابر للحدود. ويمكن لزبون في البرازيل، وآخر في المملكة العربية السعودية، الاستثمار في الصندوق المشترك ذاته.
ولم تجد هذه الجهات المنتجة للصناديق المشتركة في أي وقت من الأوقات، حاجة ملحة إلى دخول عالم المنتجات المالية المتقيدة بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية. وربما تكون في حالة من الإرباك، ولكنني أشك في هذا الأمر. وأعتقد أنها لم تحقق أي تقدم بخصوص الصناديق المشتركة الإسلامية لأنها رأت أن غيرها لم يحقق ذلك. وحين تصبح لدى جهة ما شجاعة كافية لتطبيق هذه الأمور على الصناديق الإسلامية، كما تطبق على الصناديق الاستثمارية التقليدية، فإن من المحتمل أن نشهد زيادة هائلة في عدد المنتجات المالية الملتزمة بمبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية.
أما الجانب الآخر من هذه العملة، فهو وجود عدد من البنوك الكبرى في الخليج التي تملك صناديق عائلية، ولكنها لا تأبه بمسألة الانتشار الدولي. وهم إما راضون بأسواقهم المحلية وحدها، وإما غير قادرين، أو راغبين في إنفاق أموالهم لتحقيق توزيع عالمي.
وإن بعض الصناديق المشمولة بذلك جيدة بالفعل، ولذلك فإن من المستغرب استمرار الاكتفاء بالتركيز على البعد الاستثماري المحلي. وإن من شأن شيء من توسيع التعامل مع جهات الاستثمار الخارجية المتقدمة العمل على تحسين هذا الوضع.
كيف ترى صناديق التحوط الإسلامية؟
- إنني أرى ضرورة اتباع أسلوب الانتظار كي ترى ما يتعلق بصناديق التحوط الإسلامية. وقد اشتريت ما قيمته مليون دولار في أحد صناديق التحوط تلك قبل أربع سنوات حين كانت لأربعة صناديق تحوط منصة مشتركة للعمل في أوروبا. ولكنني لم أستطع متابعة عمل تلك المنصة بسبب الأزمة الائتمانية التي كانت تلوح في الأفق. والحقيقة أنني لست معجباً كثيراً بمعظم نشاطات صناديق التحوط، وأعتقد كذلك أن كثيرين من الناس يضللون أنفسهم حين يعتقدون بجدوى صناديق التحوط عندما يتعلق الأمر بمعظم المحافظ الاستثمارية. وإن جعل أي صندوق تحوط ذا صبغة إسلامية لن يغير قناعاتي بخصوص هذه الاستثمارات.
ما مدى أهمية الصكوك كأداة لإدارة الثروات؟
- لا بد أنك تمزح، حيث إن الصكوك هي لب هذا النوع من النشاط العملي. وتقول لنا نظرية المحفظة الحديثة إن علينا أن ننوع استثماراتنا عبر الصناعات، والأقاليم الجغرافية، وأحجام النشاطات العملية. وتقول لنا هذه النظرية، إضافة إلى ذلك، أن نعمل على تحقيق التنويع عبر فئات موجودات الاستثمار، ولذلك فإن من غير المفاجئ أن يتضمن نموذج استراتيجية متوازنة تقليدي تخصيص ما نسبته 5 في المائة من حساب خاص لأحد العملاء في صورة سيولة نقدية، و45 في المائة في صورة صكوك، و35 في المائة في صورة أسهم، و15 في المائة في صورة استثمارات بديلة. وليس هنالك أي أمور روحية في نظرية المحفظة الحديثة، حيث تنطبق على المسلمين، أو المسيحيين، أو الهندوس، أو أي شخص آخر. والفرق الوحيد هنا هو اختيار نوع الورقة المالية. وإذا كان مستثمر ما يريد استثمار 50 في المائة من محتوى محفظته الاستثمارية في موجودات آمنة، ومحافظة، فما الاستثمار الأفضل من الصكوك بالنسبة للمستثمر المسلم؟
إذا افترضنا أن أصحاب الثروات الخاصة لديهم في الوقت الراهن 3 تريليونات دولار تتم إدارتها، وافترضنا كذلك أن 40 في المائة منها سوف تذهب لتستثمر ضمن قواعد إدارة الثروات الإسلامية إذا أمكن إقناع مالكيها بشرعية ذلك، فإن من الصواب كذلك الافتراض بأن 40 في المائة من ذلك المبلغ سوف يكون في صورة صكوك، أو صناديق صكوك. وبالتالي فإنه قد يكون أمام المرء طلب فوري على 480 مليار دولار في صورة موجودات صكوك. غير أنه في العالم كله، في الوقت الراهن، ما قيمته نحو 100 مليار دولار من الصكوك، بما في ذلك تلك الموجودة في ماليزيا، ويعني ذلك أن الطلب على الصكوك الإسلامية في الأسواق يعادل نحو خمسة أضعاف ما هو متوافر منها.
لماذا قررت أن تحول مسيرة حياتك العملية إلى دراسة إدارة الثروات والموجودات الإسلامية؟
- من الواضح أن هنالك طلباً هائلاً، وغير ملبى، على إدارة الثروات والموجودات الإسلامية. وانظر في أمر احتمال لجوء كل المسلمين إلى الاستثمار في ذلك إذا اقتنعوا أنه لا توجد هنالك فروق عملية بين ذلك وبين الاستثمار التقليدي. وتخيل عند ذلك ما الذي يمكن أن تكون عليه الثروة الخاصة للمسلمين على النطاق العالمي. وطبيعي أن يقاس ذلك بعدة مليارات من الدولارات. ونظراً لوجود نحو 50 مليار دولار مستثمرة في الصناديق المشتركة الإسلامية، وربما 50 مليار دولار أخرى مستمرة خارج إطار الصكوك الماليزية، فإننا أمام فجوة سوف يكون من الصعب على جيل كامل من المصرفيين سدها. وإن هذا الأمر هو ما دفعني إلى تكريس كل حياتي المهنية لإدارة الثروات والموجودات الإسلامية.
ما مساهماتك في تطوير إدارة الثروات الإسلامية؟
- كنت الأول في العالم في تطوير صندوق صكوك، وقمت كذلك بتطوير أول ورقة للمساهمة في سلة من الصكوك تبدو وكأنها أحد المشتقات، ولكنها بالفعل تتعلق بالتعامل مع تجمع من الصكوك الفعلية. ولقد طورت بعد ذلك أول صندوق للاستثمارات العقارية في المملكة العربية السعودية ما زال بانتظار إطلاقه. وإنني على ثقة بأن هذه سوف تكون سوقاً عملاقة داخل المملكة العربية السعودية وخارجها. أخيراً، فإنني أعمل حالياً على إدخال أول صكوك الشركات الأوروبية إلى الأسواق. وهنالك عدد كبير من الشركات الأوروبية التي يمكن أن تحول إصدارات صكوكها باليورو إلى تمويل إسلامي. وإنني أعمل حالياً على إقناعها بجدوى ذلك. وأحب أن أنظر إلى نفسي كشخص يلعب دوراً في توفير منتجات مالية عملية يحتاج إليها الناس بالفعل. وهنالك جميع أشكال الإبداع حين يتعلق الأمر بذلك، غير أنها ليست جميعاً جيدة. وأقول بصراحة إنني لا أعتقد أن هنالك كثيرين من المستثمرين الذين يريدون أن يسمعوا عن منتجات مالية مهيكلة وقائمة على المشتقات ملفوفة بعباءة فتاوى.
ولقد كانت هذه الأشياء معروضة للبيع بصورة متجاوزة لكل الحدود، حتى بات المرء يتساءل عن تكتيكات البيع المتعلقة ببيعها.
هنالك أيضاً كثير من الأسهم الإسلامية الخاصة التي طرحت في الأسواق، ولا سيما أثناء فقاعة 2003 – 2007. وبدا لعدة سنوات أنه من جهة تستطيع إيقاف أولئك المتعاملين بالأسهم الخاصة. وأعتقد أن تلك الشركات استوعبت نحو 50 مليار دولار من تلك الأموال خلال فترة الفقاعة. وقد ضاع معظمها في هذه الأيام لأنه كان مخصصاً للمشاريع العقارية العملاقة التي لم تجد من يشترونها في النهاية. لذلك، فإن على المرء أن يحتفل في بعض الأحيان بالأمور التي قام بها، وفي أحيان أخرى بالأمور التي لم يقم بها. وإنني فخور بأنني لم أساهم على الإطلاق في إيجاد أي منتجات مالية لا مكان لها في إدارة الثروات والموجودات الإسلامية.
ما النصيحة التي تقدمها لباحث عن مسيرة عملية في إدارة الثروات الإسلامية؟
- أود أن أنبه ذلك الشخص إلى أنه يمكن أن يكون دون وظيفة لفترة طويلة من الزمن. وإن ما يدهشني على الدوام سماع أنباء عن طلب شديد على المصرفيين الإسلاميين. فمن أين يأتي ذلك الطلب، في حين أن نصف البنوك الإسلامية في الجزيرة العربية تواجه ظروفاً صعبة للغاية؟ إن ذلك يعني أنها لن تلجأ إلى التوظيف خلال فترة قريبة. وأما النصف الآخر، فسوف يوظف الجيدين الذين فقدوا وظائفهم. وفيما عدا استثناءات قليلة، فإن البنوك الغربية ليست لديها اهتمامات كبرى بإدارة الثروات الإسلامية. وبالتالي، فإن على من يريد مسيرة عمل في إدارة الثروات الإسلامية أن يتحلى بالصبر.
ما الذي تخبئه الأشهر الـ 12 المقبلة لإدارة الثروات الإسلامية؟
- الحقيقة أنني لا أرى أنها تخبئ الكثير، حيث إن عدد البنوك الكبرى التي لا تريد أن تعمل في هذا المجال يفوق عدد البنوك الراغبة في الانخراط فيه. وأعتقد بالطبع أن البنوك التي سوف تدخل أولاً في هذه الصناعة سوف تحقق المزايا الخاصة بعملية الدخول المبكر.
وأعتقد كذلك أن الطلب على إدارة الثروات الإسلامية ضخم، بل أكبر مما شهدته أي سوق تقليدية لإدارة الثروات على الإطلاق. غير أن صانعي القرارات في المؤسسات الكبرى سوف يواصلون اعتبار، ليس فقط إدارة الثروات الإسلامية، وإنما كذلك كل النشاط المصرفي الإسلامي، مجرد كُوّةٍ صغيرة للنشاط العملي لا تستحق مزيدا من اهتماماتهم.
المصدر: الاقتصادية.
المفضلات