البيع على المكشوف في السوق السعودي
حلال عليهم حرام علينا
عبدالكريم عداس
يتميز سوق المال السعودي بأنه سوق نخبوي محدود يسيطر عليه بشكل محكم فئة قليلة العدد من أصحاب النفوذ الأقتصادي و السياسي و المالي و يدار من قبل جهات رسمية محسوبة على الفئة النخبوية و مشرفه على تعاملات السوق بشكل دقيق جدا و منتظم لصالح تلك الفئة النخبوية
و لم يكن السوق يوما ما متاح التعامل فيه الا لعدد محدود من المتداولين لا يتجاوز عددهم 25 الف متداول في الإجمالي كقطيع بينما يتحكم فيه أقل من عشرة أشخاص منذ قبل خمس لأعوام حيث أن التعامل في شراء و بيع الأسهم فيه كان يتم يدويا و ذلك قبل وصول تقنية المعلومات و مكننة آليات التداول التي نراها اليوم حيث وصل عدد المتداولين الى أكثر من مليون شخص و يتححكم فيه ما يقرب 100 شخص فقط
الآن كل من يرغب في أن يكون لديه محفظة للتداول في السوق يلاحظ أن عليه أن يتقدم للبنك أو شركة الوساطة بطلب فتح محفظة و لكن عليه أن ينتظر حتى يتم فتح المحفظة الكترونيا من قبل مؤسسة النقد مباشرة و تعطى رقم صادر من مؤسسة النقد و يسجل في سجلات شركة تداول و هي الشركة المعنية بستجيل جميع العمليات الألكترونية في السوق و شركة الوساطة لا ناقة لها و لا جمل في ذلك سوى استلام الرقم من المؤسسة و تسجيله في دفاترها و التعامل مع الرقم حسابيا
أي أن كل محفظة في السوق مهما صغرت أو كبرت يتم معرفة جميع عملياتها من شراء و بيع من قبل مؤسسة النقد و شركة تداول لحظة بلحظة و بإمكان المؤسسة و تداول عبر جيش مقنن من البرامج الخاصة تحليل جميع العمليات التي تحصل في السوق و الوقوف على أوضاع المتداولين و مراكزهم الأستثمارية بدقة متناهية عجزت عنها أدهى أسواق المال في الدول الغربية
من الملاحظ أيضا أن المتداولين العاديين في السوق يسمح لهم بفتح عمليات جديدة فقط في حال أن العمليات كانت شراء للأسهم. و اذا أراد المتداول البيع فلا يستطيع الا أن يبيع أسهم يمتلكها في محفظته كان قد اشتراها سابقا كما أشرنا
هذا خلافا لما يتم في جميع أسواق المال العالمية التي تتيح للمتداول الصغير القيام ببيع السهم أولا و من ثم شراءه لاحقا و هذه العملية تسمى بالبيع على المكشوف أي Short Selling
لنعرف بعض الشيء عن عملية البيع على المكشوف و كيف تتم عندما يتوقع المتداول أن سعر السهم سيرتفع مثلا من سعر 70 ريال الى 100 ريال فيقوم بشراء السهم بسعر 70 ريال و الاحتفاظ به حتى يصل الى 100 اذا كان توقعه في محله و من ثم بيعه بسعر 100 ريال اذا وصل السعر الى 100 ريال ليحقق بذلك ارباح تصل الى 30 ريال (100 – 70 = 30) للسهم الواحد
في حال أن المتداول يتوقع أن سعر السهم سيهبط مثلا من سعر 100 ريال الى 70 ريال فهنا يقوم بعملية البيع على المكشوف بسعر 100 ريال و متابعة هذا المركز المكشوف حتى يصل سعر السهم الى 70 اذا كان توقعه في محله و من ثم يقوم بشراء السهم بسعر 70 ريال فيما تسمى عملية الشراء هذه عملية تغطية البيع المكشوف ليحقق بذلك ارباح تصل الى 30 ريال (100 – 70 = 30) للسهم الواحد
نلاحظ هنا أن المثالين المذكورين يحققان للمتداول نفس الأرباح و لو أن العمليات كانت مختلفتان
ففي الأولى يتم الشراء أولا و من ثم البيع فيما بعد
و في الثانية يتم البيع أولا و من ثم الشراء فيما بعد
قليل من المتداولين يستوعب هذه العلمية لعدم المامه بآليات التعامل في أسواق المال بشكل كامل
ففي حالة الشراء أولا يفهم أي متداول أنه يشتري السهم من السوق و يخصم مبلغ الشراء من حسابه و توضع الأسهم في محفظته
أما في حالة البيع على المكشوف فلا يعلم كيف تتم و من هنا المدخل لموضوعنا
حيث أن المتداول البسيط يقع عليه تأثير عمليات تتم في السوق من حيث لا يدري
و زيادة في الجهالة نرى العديد من الفقهاء الذين تلبسوا برداء التفيقه الأقتصادي في الدين لتضليل المتداول البسيط في أمور البيع على المكشوف للأسهم حتى يتركوا المجال مفتوح لمن يستفيدون من هذه العمليات دون منافس أو كاشف لسترهم
فنرى الفتاوي النارية التي تصدر منهم بالتحريم على أي شخص ببيع ما لا يملك و يقومون تحت هذا الغطاء بادراج عمليات البيع على المكشوف للأسهم كمحظورات محرمة لا يجب على المتداول البسيط الأقترب منها
فتحليل واقع أمر البيع على المكشوف من منظور موضوعي ينتج لنا التالي
عندما يتوقع المتداول أن سعر السهم سوف يهبط من 100 ريال الى 70 ريال يقوم بالاتصال بالشركة الوسيطة التي يتداول من خلالها في سوق المال لتقوم الأخرى بترتيب اقراضه هذا السهم كقرض عيني ممن يملكونه و يحتفظون به و لا ينوون بيعه في اي وقت
فيقترض المتداول هذا السهم من مالكه عبر الشركة الوسيطة و يدخل هذا السهم الى ملكيته و حوزته في محفظته و من ثم يقوم ببيعه في السوق مباشرة بسعر 100 ريال كما لو أنه اشتراه سابقا و الفرق هنا أن السهم اقترضه من شخص آخر و لم يشتريه من السوق مباشرة
و عندما يصل سعر السهم الى 70 ريال كما توقعه المتداول فيقوم بشراءه من السوق بسعر 70 ريال و تملكه و ادخاله في حوزته في محفظته و من ثم تسديده للقرض العيني عبر الوسيط الذي يقوم باعادة السهم للمالك الذي قام باقراضه هذا السهم في بداية الأمر
لا أرى هنا مجال للفتاوي التي تنادي بتحريم بيع ما لا يملك و تطبيقها على عملية البيع على المكشوف
فالمتداول قانونيا أي بحسب القانون المدني المعمول به في سائر أنحاء العالم لا يستطيع أن يقوم ببيع أي سهم في محفظته لا يملكه أصلا و الا أصبح المتداول محتالا قانونيا و ليس مخالفا أمرا شرعيا كما يدعي البعض
و عقد اقتراض السهم من شخص آخر هو عقد قانوني صحيح لقرض عيني أي قرض أسهم و ليس قرض نقدي في حال اقتراض الأموال كما هو معروف للجميع و أي مقترض لأسهم عندما ينفذ العقد يصبح السهم من حر أمواله العينية و له كل الحق في التصرف فيه بما في ذلك بيعه أي بما يسمى البيع على المكشوف
و هنا نتساءل ما هو الفرق في هذا النوع من القروض العينية بين الأسهم و أي سلعة أخرى؟ و لماذا يتم تحريم البيع على المكشوف في مجال الأسهم و لا يتم تحريم البيع على المكشوف في السلع؟
لنشرح قليلا
الكل يعرف أن البنوك التقليدية و تلك التي تدعي الأسلامية و الأسلام منها براء جميع تلك البنوك تقوم ببيع السيارات للمقترضين بالتقسيط و عندما يتملك المقترض السيارة و تصبح في حوزته يقوم ببيعها فورا في السوق من أجل الحصول على النقد ليصرف به أمور حياته
هذا النوع من التمويل شائع جدا و محلل شرعا من أهل التفيقه الأقتصادي العقائدي و الذين لم يكونوا ليحللوا هذه الأمور لولا تقاضيهم أموالا طائلة من هذه المؤسسات المالية التي ترغب في خلع لباس التقوى و الصلاح و الأسلام على أعمالها من أجل تسويق قروضها الفاحشة على العملاء البسطاء
و كان الأحرى بهؤلاء المتفيقهين أن يحرموا آلية بيع السيارات بالتقسيط لما فيها من غبن و خداع و فحش في أكل أموال الناس بالباطل و هذا موضوع آخر سوف نتطرق له في موضوع آخر
و أكاد أجزم أننا سوف نصل الى اليوم الذي سوف يحلل فيه البيع على المكشوف للأسهم من قبل نفس الأشخاص و لكن عندما يصدر الضوء الأخضر من قبل الفئة النخبوية للمتفيقهين ليضيفوا الشرعية على هذه الآلية و هذا لن يحصل قبل أن نصل الى نقاط معينة سنحددها في حديثنا هذا لاحقا
عودة الى موضوعنا
اذا البيع على المكشوف آلية قانونية و سليمة و مهمة في عمل أسواق المال و لن يكتمل عمل أي سوق لا يعمل بآلية البيع على المكشوف
هنا نصل الى نقطة مهمة و هي لماذا البيع على المكشوف في سوق المال السعودي مغيب عن الغالبية العظمى من المتداولين؟
الجواب على هذا السؤال يقودنا الى الغوص في خبايا أعمال سوق المال السعودي و أهداف الفئات النخبوية فيه
من المعروف الآن أن سوق المال السعودي هو حديث العهد بالتطورات التقنية الحديثة التي أضيفت عليه منذ 5 سنوات بالرغم أن التداول به بصورة بدائية أو أخرى كان متاحا لأكثر من 30 عاما
المتابع لتطورات الأقتصاد المحلي منذ بداية طفرة النفط الى يومنا هذا يلاحظ أن جميع الدورات الأقتصادية التي مرت بالبلد كانت مختلف الفرص الربحية المتاحة في كل دورة فيها كانت محتكرة من فئة نخبوية محدودة جدا هي التي تستحوذ على النصيب الأكبر من الكعكة الأقتصادية لكل دورة
فالكل شاهد طفرة الأراضي التي أعقبت الفورة الأولى للنفط و من ثم طفرة عقود بناء الهياكل الأساسية للبنية التحتية و أخرى طفرة عقود الصيانة لهذه الهياكل و طفرة المصانع التحويلية و طفرة الوكالات التجارية وصولا الى طفرة سوق المال التي نعيشها اليوم
في كل طفرة تمر على البلد نجد نخبة من المتطفلين و الطفيليين الذين يحومون حول السلطة الأقتصادية المسؤولة لكل طفرة على أمل الأستحواذ على حصة كبيرة من الأموال المتاحة من عوائد النفط بدون أي كد أو عمل يذكر و للأسف يتنطع أغلب هؤلاء المتطفلين بألقاب وهمية و يسمون أنفسهم رجال أعمال بالرغم أن تسميتهم العلمية الصحيحة هي تنابلة السلطان
لقد أشرنا في مقال سابق أن لعبة طفرة سوق المال كانت مجرد خطة محكمة لسحب الأموال الطائلة من حوزة الغالبية العظمى من المواطنين لأسباب عديدة منها أسباب اقتصادية (راجع سرقة في وضح النهار)
و السؤال الذي يطرأ علينا هو لماذا البيع على المكشوف مغيب رسميا عن العامة حتى الآن في السوق؟
للأجابة على هذا السؤال نلاحظ أن ما يقارب 50% من أسهم السوق مملوكة للدولة عبر العديد من مؤسسات و كيانات حكومية مختلفة
كما نلاحظ أن صناديق الدولة مجهولة الهوية و المحاسبة و الشفافية فيما يخص تعاملها مع سوق المال
و مع تقدم تقنية التداول بشكل كبير و احتكاره من قبل المؤسسات المالية التجارية المحلية خلال الخمس سنوات الماضية كل هذا فتح المجال للفئة النخبوية لتحقيق أرباح احتكارية في سوق المال بشكل هائل و سري للغاية مدعوما بفتاوي التحريم المذكورة سابقا عبر منع البيع على المكشوف للأسهم في سوق المال السعودي
كيف يتم ذلك؟
الدولة تملك رصيد هائل من الأسهم في السوق و حيث أن حصة ملكيتها تصل الى 50% من مجمل السوق فتعتبر أسهم الدولة منبعا خصبا و موردا لا ينضب من مليارات الأعداد من الأسهم التي يستطيع أي شخص من الفئة النخبوية أن يقترض منها هذه الأسهم للقيام بعمليات البيع على المكشوف كما شرحنا سابقا في هذا المقال
نضيف الى ذلك سيطرة البنوك على آليات التداول و بالتنسيق مع مؤسسة النقد تصبح مجمل أسهم المتداولين الأفراد خارج ملكية الدولة تصبح هذه الأسهم سهلة الأقتراض لعمليات البيع على المكشوف و لكن بدون علم ملاكها الأفراد لأن مؤسسة النقد هي المسيطر الأكبر على هذه الأسهم و ليست المؤسسة بحاجة لموافقتهم حيث أنها أصلا محتكرة حفظ أسهمهم نيابة عنهم و لا مفر لهم من ذلك
نود أن نؤكد هنا أن الأسهم في نظام تداول هي أرقام الكترونية مائة في المائة و بهذا لا يمكن لأي مالك سهم فرد أن يخرجها من نظام تداول أو أن يحتفظ بملكيتها خارج النظام مما يجعل جل أسهم السوق المملوكة للدولة و الأفراد كلها صالحة لعمليات البيع على المكشوف
و لكن المفتاح للدخول في هذه العمليات هو مؤسسة النقد و تداول و حديثا تحت غطاء هيئة بهلوانية تطلق على نفسها هيئة سوق المال
و هنا ندرك مفاتيح الثروات الخاصة و الهائلة و المتاحة حكريا للفئة النخبوية في سوق المال السعودي
المتابع لأنهيار أسعار الأسهم منذ بداية 2006 و كل من عاش هذه اللحظات العصيبة في السوق لحظة بلحظة شاهد عبر شاشات تداول كيف انهالت عروض بيع لملايين الأسهم عدديا من جميع شركات السوق بشكل يومي مما قتل أي قوة شرائية كانت باقية لدى المتداول العادي في السوق
و كانت العروض تنهال على السوق بشكل قوي جدا و كأنها تنبع من مصدر لا ينضب و حقيقة هذه العروض أنها لم تكن أكثر من بيوع على المكشوف كانت تحصل لحساب الفئة النخبوية المحدودة التي جنت أرباح فاقت الخيال و بلغت في فحشها عنان السماء و لحساب هذه الأرباح يمكن للقارئ أن يعود لمقال سرقة في وضح النهار لأخذ فكرة عن ماهية هذه الأرباح
اضافة لذلك يلاحظ المتابع لتحركات أسعار الأسهم في السوق منذ بداية الأنهيار في عام 2006 حتى يومنا هذا يلاحظ أن أسعار الأسهم تسير في مسارات سعرية داخل السوق الهابطة بشكل منسق و متناغم و دقيق و كأنه سوق من أسواق أمريكا أو أوروبا أو اليابان لا يستطيع المتابع لهذه التحركات الا أن يشم رائح عمليات البيع على المكشوف مع كل موجة هبوط سعرية حيث تفتح مراكز بيع على المكشوف جديدة و يراها أيضا مع كل ارتداد بعد كل موجة هبوط و هي لا تمثل سوى عمليات شراء لتغطية عمليات البيع على المكشوف السابقة الذكر
لأن ارتفاع الأسعار بعد موجات الهبوط لا يمكن أن يكون عمليات شراء جديدة يقوم بها مقامرون في السوق عند كل قاع و لا يمكن أن تكون لأنه لا يوجد شخص عاقل في أي سوق مال يقوم بشراء جديد عند أسعار قيعانية ليرفع الأسعار من القاع في ارتداد مؤقت يعقبه موجة هبوط أخرى فهذا ليس الا من شأن عمليات الشراء لتغطية مراكز البيع على المكشوف
الذي يدعم عمليات البيع على المكشوف التي تتم لحساب الفئة النخبوية أيضا هو أن معلومات محفظة كل المتداولين في السوق مكشوفة لمؤسسة النقد و تداول و هي بدورها تزود الفئة النخبوية بهذه المعلومات التي تدعم عملياتهم في البيع على المكشوف و أهم تلك المعلومات القوة الشرائية النقدية لدى كل محفظة من محافظ المتداولين الغافلين عما يجري لهم في السوق
و معرفة حجم القوة الشرائية للمتداولين مهم جدا في نجاح عمليات البيع على المكشوف حيث أن البائع يستند في عملياته على ضعف القوة الشرائية التي قد يواجهها في عمليات بيعه لأنه يهدف الى كسر الأسعار نزولا للأسفل حتى يحصل على أرباح يجنيها و في حال أنه واجه أي قوة شرائية تمنع الأسعار من النزول فسوف يعرض نفسه للخسارات الحقيقية
من هنا نستطيع أن نفهم التنسيق الجبار و المتناغم الذي قامت به جميع الأجهزة المالية وقت انهيار السوق للحد من أي قوة شرائية جديدة في السوق مع بدء عمليات البيع على المكشوف العنيفة التي كسرت ظهر السوق و آذنت ببدء أطول و أضخم سوق دببي شهدها السوق السعودي منذ نشأته
هل يوجد ضوء في نهاية النفق؟
بالرغم من المحاولات العديدة و اليائسة و الفاشلة لكل من حاول أن يصل الى قاع للسوق الا أننا نستمر في مواجهة موجات نزول قوية في أسعار الأسهم لا تعرف لها قرار أو قاع و كل ذلك بعد أكثر من ثلاث أعوام على بداية سوق الدببة الهابط
فهل لا زال يوجد متداولين لديهم أسهم خاسرة و أيضا لديهم ضغوط بيعية تجبرهم على البيع في أسعار نزولية؟
المفترض أن هذا النوع من المتداولين قد تم تصفيته منذ أمد بعيد أي خلال الأشهر القليلة التي أعقبت بداية انهيار السوق و لم يعد له أي تأثير على مجريات أسعار السوق
لو افترضنا أن قوى البيع المرغمة قد تم تصفيتها فيجب على أسعار السوق أن تستقر في خط أفقي ممل و طويل منذ أمد بعيد بعد بدء الأنهيار
و لكن نلاحظ أن هذا لم يحصل بل على العكس نلاحظ موجات الصعود و الهبوط الحادة خلال الثلاث سنوات الماضية عبر آليات البيع على المكشوف التي لازالت مستمرة حتى يومنا هذا و الأهم من ذلك نلاحظ نوعية الأسهم التي تستعمل في هذا النوع من العمليات خاصة سهم سابك الأكثر نفوذا في السوق
و زيادة في التأكيد نلاحظ أن هذه العمليات تتم بشكل كبير في أسهم تملك الدولة فيها حصص لا بأس فيها كقائدة للسوق بينما نلاحظ أسهم العديد من الشركات التي لا تملك فيها الدولة الا النذر القليل دخلت في غيبوبة سعرية قاتلة بالتحرك افقيا كما يجب أن يحصل لها عندما تموت حركة سهم معين لا يدفعه الا قوة شرائية
أما عندما يكون الأمر عائد لأسهم تملك الدولة فيها حصص كبرى أو قيادية فنرى عمليات البيع على المكشوف تتم بطريقة متواترة ينتج عنها موجات هبوط نتيجة البيع على المكشوف و صعود مستمرة نتيجة شراء لتغطية مراكز البيع على المكشوف و لا يعرف المتداول العادي في السوق لها نهاية و هذا ما يجعل مؤشر السوق يترنح في موجات هزلية من الصعود و الهبوط ضمن مسار رئيسي هابط لا يعرف له قرار
هذا يقودنا الى جواب لسؤال غامض يظل يقلق العديد من مراقبين و متداولين السوق حتى هذه اللحظة
السؤال هو لمصلحة من يتم نزول السوق بشكل مستمر و لا يعرف له أي فرصة للصعود؟
الجواب يكمن في أن المصلحة الأحتكارية للفئة النخبوية التي تقوم بالبيع على المكشوف تحتم عليها الأستمرار في هذه العمليات التي تجني من ورائها أرباح ضخمة جدا لا ينافسها عليها أحد الا ان كان من نفس الفئة النخبوية و هنا يقوموا بالتكاتف لقسمة الكعكة فيما بينهم
أما المتداول البسيط فلا حظ له في ذلك حتى هذه اللحظة
و المدة الزمنية التي ستستمر فيها السوق على هذا المنوال قد تطول كثيرا طالما أنه لا زال هنالك متداولين بسطاء يملكون أسهم في محافظهم في السوق متعلقين بها عند أسعر عالية
فهذا يعني أن السوق و أسعاره لن يسمح له بأن يرتفع أبدا لأسعار تعوض هؤلاء المتعلقين لرأس مالهم الذي نهب منهم و اذا أدركنا أنه يوجد متداولين صغار بأعداد هائلة جدا تم التغرير بهم لشراء أسهم عبر قروض تمتد الى عشر سنوات فندرك أن هناك أعداد هائلة متعلقة و مرهونة مستقبلها بأسهم خاسرة يحملونها فوق ظهورهم و عليهم تسديد قروضها من ظهورهم عبر معاشاتهم التي تقتطع منهم شهريا و لن يسمح لتلك الأسهم الأرتفاع لكي يتمكن هؤلاء من التخلص من قيود القروض عبر بيع الأسهم هذه في حال أن أسعارها ارتفعت لأسعر التعليق
كل ذلك يحصل و مؤسسة النقد تتابع المحافظ و أسعارها و قيمها و توحي الى الفئة النخبوية بالابتعاد عن رفع أسعار أسهم معينة لدرجة تخلص المتعلقين منها
فماذا بقي للفئة النخبوية من عمل لكي يستمروا في حصد الأرباح يوميا من سوق المال؟
البيع على المكشوف
البيع على المكشوف في أسهم قيادية و مؤثرة و كثيرة تصل بالأسعار الى قيعان دنيوية تتلوها موجات جني أرباح لعمليات البيع تحمل الأسعار للأعلى في ارتدادات مؤقتة من أجل بدء موجات بيعية لاحقة
من هذا المنظور لا نستبعد أن يكون هناك أي اهتمام من قبل المسؤولين الماليين عن أي قيم اقتصادية لأي سهم بعينه مهما كبرت شركته لأن نزول الأسعار و المؤشر الى أرقام لا تخطر على بال أحد لن يكون له قيمة حقيقية على أرض الواقع في أعين المسؤولين لأنهم بهذا يؤدون خدمة قيمة و مستمرة في تمكين الفئة النخبوية من تحقيق أرباح هائلة على حساب السوق كافة
فمهما نزلت أسعار الأسهم الى الحضيض و حتى لو وصل المؤشر الى 790 نقطة من 6000 التي هو عليه الآن وقت كتابة هذا التقرير فلا خوف على السوق حيث أن ملكية الأسهم مازالت لم تتغير و لن تتغير و القوى الشرائية منهكة تماما و لا يوجد لها أي مضاد
و المضاد الوحيد الذي بامكانه أن يمثل قوة تقوم بكبح جناح الهبوط هو الأموال الأجنبية للمستثمرين الأجانب
و في وضع مزري للأقتصاد العالمي كما نشاهده حاليا و معه مستثمرين أجانب محتملين في غاية الضعف ماديا و معنويا لما يقاسونه في بلدانهم فهذا المضاد الحيوي الذي يحتاجه السوق السعودي مغيب تماما حاليا
و يستمر السوق السعودي في قبضة الفئة النخبوية التي تسيطر على عمليات البيع على المكشوف و التي من خلالها تحتكر جني أرباح خيالية بالرغم من كل أزمات العالم و لن يخرج من هذا النفق المظلم الا عندما يتحسن الأقتصاد العالمي لفترة طويلة جدا يفكر بعدها المستثمر الأجنبي النظر في الأستثمار في سوق المال السعودي
وقتها سوف نرى المؤشر قد لامس 790 نقطة تزيد أو تنقص قليلا
و وقتها سوف نرى تشريعات جديدة تسمح للمتداول البسيط بالقيام بعمليات البيع على المكشوف في الأسهم مدعومة برضى أصحاب الفضيلة الفقهاء الأقتصاديين الذين سوف يعلنون رؤية ليلة القدر و معها ادراكهم لتحليل البيع على المكشوف و كيف أنهم كانوا في غفلة عن شرعيته لولا أن تداركهم الله بعنايته و نور بصيرتهم لما فيه مصلحة المتداول البسيط
و هنا سوف تتغير قواعد اللعبة
كيف؟
بما أن الفئة النخبوية قد شبعت حتى الثمالة من جني أرباح من البيع على المكشوف أقل ما يقال عنها أنها خرافية في أعراف أسواق المال العالمية
فهنا سوف تتغير الموجة و يتجهوا الى الشراء بشكل أساسي
و لكن بعد أن يؤسسوا للغالبية العظمى من المتداولين فكرة أن البيع على المكشوف عملية جميلة و مربحة و سيظهر لنا خبراء يقدمون العديد من الأمثلة كيف لو أن كل متداول في الماضي الغابر قام بالبيع هنا و من ثم اشترى هنا لكن ربح كذا و كذا
أضف الى ذلك ترحيب و مباركة من ذوي الفضيلة الفقهاء كيف أن البيع على المكشوف أصبح حلال و مباح بل مستحب شرعا
و هذا سوف يدفع الغالبية العظمى من المتداولين بالبيع على المكشوف و لكن طبعا سيصاحبون بارتفاعات سعرية متتالية تكبدهم خسائر مستمرة
لما لا و الهدف من عمل سوق المال هو تكبيد الغالبية العظمى من المتداولين بالخسائر و تبقى الفئة النخبوية محتكرة لأرباح المال
أما حتى ذلك الحين
فسيبقى البيع على المكشوف في سوق المال السعودي حلال عليهم حرام علينا
المفضلات