اقراء واستمتع
"صغار المستثمرين" الأكثر ضرراً.. ونسب البطالة زادت
اتهام هيئة الاستثمار بمحاباة "الأجنبي" وتضييق الخناق على "السعودي"
دبي - فهد سعود، الرياض - محمد عطيف
لم تقتصر حرارة الصيف في السعودية على الأحوال الجوية فقط بل تعدت ذلك لتصل إلى المنابر الإعلامية التي شهدت خلال الفترة القليلة الماضية سجالاً ساخناً، ما بين مجموعة من الكُتاب والهيئة العامة للاستثمار بالسعودية، التي يقودها محافظها عمرو بن عبدالله الدباغ.
فالواضح للكثيرين من خلال استطلاع رأي قامت به "العربية.نت" مع مسؤولين ومقاولين وأعضاء مجلس شورى وكتاب رأي، أن هيئة الاستثمار السعودية لا تقدم سوى القشور للمستثمر السعودي بينما تقدم كل التسهيلات للمستثمر الأجنبي، من خلال منحه التراخيص والتأشيرات وسرعة إنهاء معاملاته وعدم تطبيق نسب "السعودة" عليه بشكل صارم ودقيق.
كما شكّك بعض المختصين في الأرقام التي أعلنتها هيئة الاستثمار أخيراً، التي أشارت فيها إلى أن حجم الاستثمارات الأجنبية التي تدفقت على السعودية العام الماضي بلغت 133 مليار ريال، معتبرين أن الهيئة دمجت استثمارات جاءت من امتيازات حكومية مثل الغاز والاتصالات وغيرها.
كما يتهم الكثير من الكُتاب هيئة الاستثمار بالتفريط في ملايين الريالات التي تذهب للخارج عن طريق المستثمر الأجنبي، بينما يعاني البلد من نسبة بطالة لا يستهان بها، إضافة إلى عدم قدرة الكثير من المقاولين الشباب على تنفيذ مشاريعهم للحواجز التي تفرضها الهيئة ضدهم، فيقعون فريسة سهلة للمستثمر الأجنبي.
الفارق مع الواقع
الخبير والكاتب الاقتصادي فهد بن جمعة بداية يقول الخبير والكاتب الاقتصادي د. فهد بن جمعة: "الهيئة ركزت بشكل كبير على رفع مركز السعودية في التنافسية الدولية دون التمييز بين الشركات ذات الكثافة المالية والشركات ذات الكثافة العمالية"، مضيفاً "لم تتمكن الهيئة إلى الآن من خلال هذه الاستثمارات من نقل الخبرات والتقنية. ولم نر هناك ترجمة حقيقية في الواقع. ويمكن القول إنها استثمارات في البنية التحتية تتم ببطء شديد، وليس هناك واقع حقيقي لتوظيف السعوديين في هذه الاستثمارات. المشكلة أن ما تدعو إليه الهيئة وتعمل عليه قد لا يتوافق مع احتياجات الاقتصاد السعودي الفعلية.
ويضيف جمعة في حديث لـ"العربية.نت": لدينا مشاكل ضعف التقنية ورفع مستوى التأهيل والبطالة ومشاكل عديدة أخرى يجب أن تحدد نوع الاستثمار الذي نحتاجه، الإعفاء والاستثناءات لهذه الشركات ما بين 25 و35%، ما الفوائد التي سنجنيها على المدى الطويل؟ أم هي فائدة لهذه الشركات دون أن نستفيد شيئاً".
ويستشهد جمعة بالقول: "عندما نطبق التكاليف على المتوقع من الأرباح نجد أن التكلفة تفوق الأرباح على المدى المتوسط والطويل، ولذا نحتاج المزيد من الشفافية من الهيئة في الأرقام والإفصاح عن الفوائد والإيجابيات. هيئة الاستثمار أنشئت من أجل دعم الاقتصاد السعودي ولذا في خططها يجب أن تتناغم مع خطط تنمية البلد، وهذا ما لا نراه على الواقع ولا يبدو أنه سيحل المشاكل القائمة ولا القادمة".
فجوة بين الهيئة وبقية المؤسسات
وعن المدن الصناعية يقول: "لو ركزنا على المدن الصناعية الموجودة من خلال التركيز على البنية التحتية بدلاً من إنشاء مدن مكلفة جديدة بهذا الشكل، فهذه المدن الاقتصادية الجديدة لن تحقق التنمية المتوازنة لأسباب منها ما هو مستقبل هذه المدن؟ وهل هي قائمة على الجذب للاستثمارات القطاع الخاص مثلاً؟ يعني كم وظيفة ستحقق؟
مؤكداً: لا أرقام لدينا تؤكد أن هذه المدن سيكون لها مضاعف على الاقتصاد بتنمية أمامية وخلفية، وأن هناك صناعات أخرى ستنشأ عن هذه المدن ومرتبطة بها أو أنها ستخلق وظائف وستساهم في النمو الاقتصادي، فهذه المدن أنشئت اعتماداً على قراءات لمراكز بحوث وعلى إنشاء بعض الجامعات وعلى صناعات مختلفة، ليس لدينا أرقام ولم نر أي دراسة تحدد ما هو المضاعف العائد على الاقتصاد السعودي ولا حتى تحديد مقدار جاذبية هذه المدن وكونها قادرة أم لا على الجذب الاستثماري، ولماذا وكيف في كل مواقع إنشائها حالياً".
وعن تنسيق الهيئة مع جهات أخرى يؤكد جمعة: "أعتقد أن هناك تنسيقاً ضعيفاً من الهيئة مع بقية أجهزة الدولة وأهدافها وما تقوم به لا يتناغم مع بقية مؤسسات الدولة، الحقيقة هناك فجوات كبيرة جداً بين الهيئة وبين بقية المؤسسات المعنية وكأنها تعمل بمعزل".
ويلخص جمعة حديثه بقوله: "أي استثمار لا يؤدي إلى رفع أو لا يكون له مضاعف إيجابي للاقتصاد لا فائدة منه، وبالتالي أي استثمار أجنبي لا يؤدي لتحسين المؤشرات، ومنها في الخدمات والتأهيل والتقنية وتنمية بخبرات الوطن ورفع اقتصاده بشكل عام فلا فائدة منه. يجب أن تكون هناك نسب تقيس مستوى التحسن، نريد من الهيئة معلومات دقيقة تقول لنا بعد سنة أو سنتين ماذا سيكون وما النسب التي تؤكد الجدوى من عدمها؟ ليس لدينا أي دراسات أو إحصائيات من الهيئة".
هل الهيئة جهة سرية؟
عبدالعزيز السويد
من جهته يرى الكاتب في صحيفة "الحياة" عبدالعزيز السويد أنه لا خلاف حول أهمية الاستثمار الاجنبي لكل اقتصاد، متى ما حقق هذا الاستثمار فوائد حقيقية ملموسة، ومتى ما كان رافداً لإصلاح أوضاع أو المساهمة في حلحلة مشاكل يعاني منها ذلك الاقتصاد، على سبيل المثال الاقتصاد السعودي العام والخاص لا يشكو من نقص في السيولة المالية، يتركز ما يعانيه في جوانب أخرى، فالسعودية من الدول المصدرة لرأس المال.
وأضاف السويد في حديثه لـ"العربية.نت": في ما يتعلق بالشفافية وتوفير المعلومات
يمكن اعتبار هيئة الاستثمار السعودية هيئة سرية، وقد درجت إدارة الهيئة على عدم احترام الرأي العام في السعودية والإعلام الداخلي والدليل ظهورها المستمر في الخارج الإعلامي، وبحثها الدؤوب عن جوائز خارجية، وعدم استطاعتها إقناع المعنيين أصلاً بنتائج أعمالها".
تكتم عجيب وانفتاح إعلامي خارجي
ويرى السويد أنه منذ أن فتحت الهيئة الأبواب لما أطلقت عليه الاستثمار الاجنبي، وهي تحرص كل الحرص على عدم توفير معلومات وأرقام تفصيلية معلنة تتيح للباحثين والمهتمين الحصول على المعلومة الرسمية الدقيقة بسهولة،
"والسرية ليست من عندي بل جاءت من رد لأحد مسؤوليها على مقال كتبته أطالب بنشر المعلومات فقال إنها سرية، لذلك لا يمكنك معرفة جنسيات المستثمرين وأين يتركز استثمارهم وعدد العاملين لديهم من الأجانب والمواطنين، إضافة الى القيمة المضافة التي نتجت عن نشاطاتهم لصالح الاقتصاد الوطني، من هنا لا يمكن الاطمئنان لأرقام تعلنها الهيئة او جهات خارجية تردد ما تقدمه لها الهيئة".
ويضيف: هناك مختصون يرون أن
الهيئة دمجت استثمارات جاءت من امتيازات حكومية مثل الغاز والاتصالات وغيرها في الأرقام التي أعلنتها، ومن المهم الإشارة إلى أن اسمها الهيئة "العامة" للاستثمار إلا أنها اختصت بجذب الاستثمارات الاجنبية، ولم يكن الاستثمار المحلي من اهتمامتها ولازال، اللهم إلا تعليقات إعلامية لم نسمع بها الا أخيراً، كان العذر أن هناك جهات رسمية أخرى يقصد بها وزارة التجارة معنية بهذا الجانب، وتم القفز على الصعوبات البيروقراطية التي تدندن الهيئة بأنها استطاعت تجاوزها لصالح الاستثمار الاجنبي فصمتت عن المحلي، حيث وفرت خدمات متعددة من خلال الخدمة الشاملة للمستثمر الأجنبي في حين ظل ابن البلد لا ملجأ له سوى الأسلوب القديم، هذا الأمر ادى الى خلل كبير وتضرر مواطنين وخروجهم من السوق".
على المجلس الاقتصادي الأعلى التدخل
ومن ضمن النتائج السلبية ترسخ احتكار بعض الجنسيات لأنشطة محددة وباختصار الهيئة تعمل وحدها دون مراعاة للجهات الأخرى وخطط الدولة الرئيسة في ما يتعلق بتوطين الوظائف، وجذب التقنية المتقدمة".
وعن المدن الاقتصادية يعلّق السويد على ما قاله عمرو الدباغ محافظ الهيئة من كون المدن الاقتصادية السعودية تجربة اختبارية، وفي حال نجاحها سيعمد إلى تكرارها، وفي حال الفشل فإن الضرر محدود والخسائر محصورة.
يضيف السويد:
الحقيقة يُشكر لمحافظ الهيئة صراحته وليته بكّر في اعلان ذلك، خصوصاً حينما كان الترويج للمدن الاقتصادية وإقناع الجمهور للاكتتاب فيها على أشده، والواقع أن هذا كان معلوماً من خلال متابعة أنشطة الهيئة وأسلوبها في تقديم أعمالها وأرقام تعلنها في مقابل واقع ميداني يعرفه المطلعين على الشأن الاقتصادي، فإذا عدنا الى ذلك التاريخ نجد أن هيئة الاستثمار فاجأت الجميع بخطط المدن الاقتصادية، كانت السرعة في تدبير وترتيب أمورها والترويج الإعلاني لها مثار دهشة المهتمين والنتيجة المتوقعه هي ما يشير اليه المحافظ في تصريحه السابق".
ويطالب السويد أمانة المجلس الاقتصادي الأعلى بأن يكون لها صوت ورأي في سياسات هيئة الاستثمار في مستقبل المدن الاقتصادية: "أمانة المجلس معنية فمن مسؤوليتها ضمان صحة التوجهات الاقتصادية لكل الأجهزة الحكومية بحيث تحقق الخيارات الملحة سواء في التنمية أو إيجاد حلول حقيقية لقضايا تتضخم كالبطالة وارتفاع مستوى المعيشة والتضخم، كما أنها معنية بالحفاظ على اموال المستثمرين الذين اكتتبوا في المدن الاقتصادية".
معاناة المستثمرين الصغار
رجل الأعمال إبراهيم آل سعيدان
هذا فيما يرى رجل الأعمال إبراهيم آل سعيدان أنه "ما من شك أن دخول المستثمر الأجنبي يقتطع نسباً كبيرة من المستثمرين والمقاولين السعوديين خصوصاً مع الدعم الذي يحصل عليه. حصصنا تتقلص فعلاً، نحن نرحب بالاستثمار الأجنبي الذي لديه خبرة وقيمة تضيف للسوق السعودي وليس بالوضع الحالي".
ويضيف سعيدان: هناك نسبة كبيرة من المقاولين السعوديين يعانون من هذا الواقع، نحن ننتقد عدم معاملتنا بنفس معاملة المستثمر الأجنبي والتسهيلات الممنوحة له، وكمثال على هذه التسهيلات المستثمر الأجنبي وفرت له هيئة الاستثمار الحصول على كل الخدمات من شباك واحد أو نافذة من مركز الخدمة الشامل مع توصيات حقيقية، ومن أبرز العوائق لنا عدم منح التأشيرات والفيز وربطنا بالسعودة والتشديد علينا في ذلك، نحن نستطيع تنفيذ معظم المشاريع ولكننا لا نحظى بنفس التسهيلات، وصدقني هناك مستثمرون أجانب يسمح لهم، نحن والله أفضل منهم وأستغرب السماح لهم".
ويؤكد آل سعيدان: "هناك منافسة جائرة نخوضها في ظل التسهيلات المسموحة للمستثمر الأجنبي، يمكنك أن تلاحظ أن ربطهم بالسعودة غير فعلي، وهذا ما أراه وربما نسبة أقل من المطلوب منا، وهناك قليل من المستثمرين السعوديين يستطيعون تحقيق بعض الشروط، فالعمالة ذات المهارة الخاصة أتاحت للأجنبي تسهيلات أكبر. المقاولون الصغار هم الضحايا ولاحظ الآن متر البناء ارتفع من 250 ريالاً إلى سقف 1000 ريال والمستثمر الأجنبي مقتدر وبالتالي يحصل على معظم الفرص. مطلبنا الصريح من الهيئة أن تدعم ابن الوطن وأن تحصر فرص المستثمر الأجنبي في 30 أو 40% من استثمارات البلد فقط".
</IMG>لا محاباة لدى الهيئة
</IMG>
الرئيس التنفيذي لخدمات المستثمرين علي شنيمر
من جهته قال المهندس علي شنيمر، الرئيس التنفيذي لخدمات المستثمرين في الهيئة العامة للاستثمار، لـ"العربية.نت: "بالنسبة للانتقادات فيمكن مساءلة الجهات التي تصدرها عن مبرراتهم، أما المحاباة فالهيئة محكومة بالواقع التنظيمي لها الذي يركز على الاستثمار الأجنبي، أما المستثمر السعودي النامي فيستفيد من صندوق المئوية وعن طريق المراكز. والهيئة طبعاً بالنظر لحجم الاستثمارات في البلد لا يمكن خدمتها كلها، وجارٍ التوسع و9 مراكز رئيسة تحاول بكامل طاقتها".
وعن مدى التشكيك في التقارير التي تصدرها الهيئة وأنها "إنشائية" قال: "كل التقارير التي تصدر من جهات أخرى غير الهيئة، وهي محايدة بحسب ما أعتقد ولها آلياتها. الهيئة لا تقدم الخدمة بنفسها حتى نكون في قلب الحقيقة، ولكن من خلال المراكز وهي تسعة مراكز تعمل بكامل طاقتها".
وعن جانب آخر أضاف شنيمر: نحن نمثل الجهات الحكومية داخل المراكز في تقديمها للخدمات الشاملة، والخدمات المقدمة تقدم للمستثمر الأجنبي حسب الأنظمة المحكوم بها، فالأنظمة الحكومية تطبق على الجميع وبنفس الاشتراطات للجهات الحكومية الأخرى. الهيئة من الناحية التنظيمية مهمتها المساعدة على إيجاد بيئة جاذبة للاستثمار، أما الناحية التنظيمية والتنسيق وعندما يجري الترخيص لجهة أجنبية يطبق عليها ما يطبق على المنشآت الحكومية".
وعن التراخيص للمستثمرين الأجانب المقيمين، قال شنيمر "هذا كان في السابق، ولكن تم التعديل في النظام بحيث يجب أن يكون الترخيص للقادم من الخارج، وإذا كان سبق له الحضور للسعودية فيطلب منه إحضار خطاب عدم ممانعة من آخر كفيل له في السعودية. أي شركة أجنبية يشترط عليها تطبيق نسبة السعودة مثلها مثل المنشآت السعودية، وفي حالة المخالفة فهي عرضة للعقوبة النظامية ولا يتم الترخيص إلا بعد إحضار هذه الجهة لخطاب من "العمل" وإحضار البرنت لإثبات إذا كان حقق النسبة من السعودة وإلا يحرم من الخدمة. أما الاستثمار في المدن الاقتصادية فمسموح للأجنبي والمواطن بنفس الدرجة ولا توجد تفضيلات ولكن أنظمة تطبقها الهيئة".
علينا تشجع الهيئة
من جهته يقول الكاتب فواز العلمي في عموده بصحيفة "الوطن" الجمعة 6 أغسطس 2010: "المدن الصناعية من أهم الحلول الجذرية للتحديات التي تواجه السعودية".
مضيفاً "الحلول الجذرية لهذه التحديات تصب في ضرورة توسيع قاعدتنا الإنتاجية.. وفتح قطاعاتنا الخدمية للاستثمار الأجنبي لتوطين التقنية وإثراء القيمة المضافة المحلية. لذا لجأت الهيئة قبل خمس سنوات لإنشاء خمس مدن اقتصادية بمواصفات عالمية وبتكلفة أولية فاقت قيمتها 100 مليار دولار. علينا تشجيع الهيئة العامة للاستثمار والوقوف إلى جانبها، ودعمها بكامل قوانا لتؤدي دورها المميز وتحقق أهدافنا التنموية".
وحققت المملكة المركز الثامن والعشرين من قائمة 133دولة في العالم وفق ما جاء في تقرير التنافسية العالمية الذي أصدره أخيراً المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس.
كما سجلت المملكة المركز التاسع عالمياً من حيث الاستقرار الاقتصادي محققة أرقاماً قياسية من حيث جودة مؤسساتها وبناها التحتية وكذلك من حيث الخدمات الصحية والتعليمية التي تقدم للمواطن.
يُذكر أن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في السعودية كشفت أن نسبة البطالة بين السعوديين وصلت إلى 10.5%، بعدما ارتفع عدد السعوديين العاطلين عن العمل من الجنسين إلى نحو 448 ألف فرد، 44.2% منهم من الحاصلين على الشهادة الجامعية (البكالوريوس).
المفضلات