رابعاً: معوقات تطبيق نظام الضمان الصحي التعاوني
رغم الجهود التي بذلها مجلس الضمان الصحي برئاسة معالي وزير الصحة في إعداد اللائحة التنفيذية لنظام الضمان الصحي التعاوني والتي صدرت خلال شهر يونيو 2002م، إلا أن عملية التطبيق تواجه بعض الصعوبات التي تشكل في جوهرها معوقات لعملية التطبيق، والتي يمكن رصدها فيما يلي:
أ- عدم تنظيم سوق التأمين السعودي
إن سوق التأمين السعودي حالياً غير منظم حيث لا يوجد نظام لتسجيل الشركات أو تأهيلها أو حتى الرقابة على نشاطها. وهذه المشكلة تضع على عاتق مجلس الضمان الصحي التعاوني مسؤولية العمل نحو تأهيل شركات التأمين غير المؤهلة للعمل في مجال الضمان الصحي التعاوني في المملكة. ويزيد من صعوبة المشكلة اللائحة التنفيذية للنظام اشترطت ضرورة أن تكون شركات التأمين المشاركة مرخصة كما أن المادة السابعة عشرة من نظام الضمان الصحي نصت على أن تطبيق الضمان الصحي التعاوني يتم عن طريق شركات تأمين تعاونية سعودية مؤهلة تعمل
بأسلوب التأمين التعاوني على غرار ما تقوم به الشركة الوطنية للتأمين التعاوني. وتنبع الصعوبة أصلاً من كون الشركات التي تمارس التأمين في المملكة غير مرخصة (باستثناء التعاونية للتأمين) كما أن معظمها غير تعاوني. في الوقت نفسه فإن النظام التعاوني في نشاط التأمين لا يغري أصحاب رأس المال على الاستثمار في مثل هذا النوع من الشركات لأن الأرباح المتحققة لا تؤول إليهم بالإضافة إلى أن التأمين الصحي بطبيعته لا يحقق نسب عالية من الأرباح لارتفاع معدلات الخسائر التي يحققها. إذن الترخيص لشركات التأمين عموماً للعمل في المملكة وتأهيل شركات تأمين ذات صفة تعاونية للمشاركة في تفعيل النظام يتطلب المزيد من الوقت والجهد، وإيجاد آلية تجتذب المستثمرين في هذا القطاع من خلال إجراء تعديلات جوهرية على مفهوم التأمين التعاوني.
ب- التباين في أسعار التأمين الصحي
الخطوة الثانية لتطبيق نظام الضمان الصحي هي ما يتعلق بالتغطيات التأمينية التي يوفرها نظام الضمان الصحي التعاوني وأسعار تلك التغطيات. فهذه الخطوة أيضاً أضافت صعوبات أخرى لمهمة مجلس الضمان الصحي الذي بات عليه أن يفاضل دائما بين تغطيات الوثيقة الموحدة التي صدرت مع اللائحة التنفيذية وبين التغطيات الأوسع التي تلبي احتياجات بعض الفئات. فتعدد فئات المستفيدين من الضمان الصحي التعاوني وتفاوت مستوياتهم واحتياجاتهم التأمينية يتطلب أيضاً توفير المستويات الأعلى من التغطية التي يرغبون فيها. في الوقت نفسه فإن عملية التسعير يجب أن تراعي التفاوت في التغطيات وتعدد البرامج وخبرات شركات التأمين الصحي.
فعملية التسعير تعد واحدة من أصعب المشاكل التي يفرضها تطبيق نظام الضمان الصحي التعاوني، لأن هناك رؤى متعددة حول مستويات أسعار البرنامج الصحي وكيفية سداد القسط. ويبقى دور مجلس الضمان الصحي ضرورياً وحيوياً في المفاضلة بين مستويات الأسعار التي تطرحها شركات التأمين وفقاً لمستويات التغطيات المطلوبة، ومراجعة تلك الأسعار من وقت لآخر وفق ما تقتضيه طبيعة الخدمة، مع الوضع في الاعتبار العوامل التالية المؤثرة على عملية تسعير برامج الضمان الصحي التعاوني:
- الحالات المرضية المغطاة تأمينياً سواء السابقة لبدء التغطية أو التالية له.
- عدد المؤمن عليهم المشمولين بالتأمين.
- معدلات الخسارة في التأمين الطبي السائدة في السوق.
- التكلفة الفنية والإدارية للخطر.
- تكلفة وشروط إعادة التأمين إن وجدت. حيث يعاني السوق الدولي في الوقت الحاضر انحساراً في أعداد الشركات العالمية الراغبة في ممارسة التأمين في هذا المجال بسبب ما تواجهه من خسائر في أوروبا وأمريكا الشمالية.
ج- اعتماد المستشفيات:
اعتماد المستشفيات المشاركة في تفعيل نظام الضمان الصحي التعاوني يجب ألا ينظر إليه من الناحية الطبية فقط بل لابد أن يتضمن عامل التأهيل المالي والإداري. فتطبيق النظام يتم بغرض تقديم خدمة صحية جيدة للمؤمن عليهم، ولأن النظام يتيح عدداً كبيراً من المستفيدين فإن هذا الوضع يتطلب وجود قدرات صحية متميزة لدى مقدمي الخدمة الصحية وكذلك قدرات مالية تساعدهم على التوسع والتطوير للوفاء بمتطلبات الرعاية الصحية التي يحتاجها هذا العدد الكبير من المستفيدين. أيضاً مشاركة مقدمي الخدمة الصحية في النظام يتطلب الالتزام بمعايير صحية موحدة والتنسيق بين كافة الأطراف (المستشفيات وشركات التأمين والمستفيدين ومجلس الضمان الصحي) لوضع آلية متفق عليها للتعامل مع النظام سواء في عمليات سداد الأقساط أو تكاليف الرعاية للمستشفيات وإدارة محفظة التأمين والرقابة على أداء جميع الأطراف. وفقاً لهذه المعايير يمكن القول أن عدد قليل من المستشفيات الحكومية والخاصة هو المؤهل بالفعل للمشاركة مباشرة في النظام أما العدد الأغلب فيحتاج بعض الوقت لتوفيق أوضاعه كما يجب اتخاذ واعتماد معايير يتم من خلالها التمييز بين المستشفيات المعتمدة أو المؤهلة اعتماداً على مستوى جودة الخدمات المقدمة في كل منها. وتجدر الإشارة إلى أهمية مشاركة مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية والمستشفيات التابعة لجهات حكومية أخرى في تفعيل النظام لأن ذلك يتيح استفادة المؤمن لهم من الخبرات والإمكانات الواسعة لتلك المستشفيات من جهة، كما يتيح للمستشفيات الاستفادة من النظام كقناة تمويل جيدة طالماً أن عملية التشغيل ستتم وفقاً لأسس اقتصادية.
خامساً: منافع الضمان الصحي التعاوني
بعد التعرف على نظام الضمان الصحي التعاوني ورغم وجود معوقات تفعيل هذا النظام التي أشرنا إليها آنفاً فمن الضروري التأكيد على أن هذا النظام يحقق الكثير من المنافع لكل من القطاع الصحي وسوق التأمين السعودي إجمالاً. ومن أهم المنافع التي نتوقعها من تطبيق نظام الضمان الصحي التعاوني ما يلي:
1- دعم الرعاية الصحية في القطاع الخاص
الانتقال من نظام يوفر رعاية صحية مجانية في المستشفيات الحكومية إلى نظام يلزم بالعلاج لدى المستشفيات الخاصة ذات التكلفة الصحية العالية عملية صعبة على معظم المستفيدين الذي لا يتمتعون بملاءة مالية تؤهلهم للحصول على الرعاية الصحية المطلوبة دون عناء خاصة المقيمين. ويشكل التأمين الصحي وسيلة جيدة تتيح لهم إمكانية تلقي العلاج الطبي المطلوب مهما بلغت قيمته نظير قسط سنوي بسيط نسبياً، وبالتالي يسهل هذا النظام عملية انتقال الرعاية الصحية للقطاع الخاص دون مشاكل حقيقية.
2- تخفيف العبء عن المستشفيات الحكومية
كانت ميزانيات المستشفيات الحكومية تتآكل باستمرار نتيجة الضغط الشديد من العمالة الوافدة على خدماتها وباتت تكلفة الرعاية الصحية التي تقدمها المستشفيات الحكومية للمقيمين تشكل عبئاً كبيراً على إمكانيتها مما أدى إلى حرمان المواطن من الحصول على حقه في مستوى جيد من الرعاية الصحية من جهة وعدم قدرة المستشفيات الحكومية على تطوير خدماتها من جهة أخرى. من هنا فإن نقل مسؤولية تقديم الرعاية الصحية للعمالة الأجنبية إلى القطاع الصحي الخاص في إطار نظام الضمان الصحي يخفف العبء عن المستشفيات الحكومية ويتيح لها استخدام مخصصاتها المالية في تنفيذ المهام الكثيرة المسؤولة عنها.
- إتاحة قناة تمويل للقطاع الصحي
إن تطبيق نظام الضمان الصحي يعني في حقيقته تشغيل المستشفيات الحكومية والخاصة وفقاً لأسس اقتصادية لأن شركات التأمين مقابل الأقساط التي تحصل عليها من المستفيدين ستقوم بسداد تكلفة الرعاية الصحية بغض النظر عن قيمتها أو عن القدرة المالية للمستفيد. وبما أن عدد المشمولين بالتأمين قد يصل في المستقبل إلى 33 مليون مستفيد (سعوديون ومقيمون) فإن مستوى تشغيل المستشفيات بمختلف قطاعاتها من المتوقع أن يصل إلى الطاقة التشغيلية القصوى. كما أن هذا المصدر المالي الضخم يمكن هذه المستشفيات من تطبيق خطط تطويرية بعيدة المدى ويساعدها على تقديم خدمات صحية ذات جودة عالية.
4- تطوير برامج للاستثمار في القطاع الصحي
إن الاشتراكات المتحصلة من الضمان الصحي التعاوني سوف تتيح لشركات التأمين الصحي التعاوني تكوين ميزانيات ضخمة يمكن استغلالها في الاستثمار بالعديد من الأنشطة وخاصة في المجالات الصحية بعدما تكون قد تكونت لديها خبرة كافية عن طبيعة المشروعات في القطاع الصحي. وهذا يشكل إسهاماً مهماً في تطوير القطاع الصحي من جهة، واستفادة الاقتصاد الوطني من عوائد تلك الاستثمارات من جهة أخرى.
5- ترسيخ روح التعاون والتكافل بين فئات المجتمع
يقوم التأمين الصحي التعاوني في الأساس على فكرة التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع، وهذا يعني أن التوسع في نشاط التأمين الصحي التعاوني يؤدي إلى نقل عبء تكلفة الرعاية الصحية من الحكومة إلى المجتمع بكافة طبقاته وسكانه (سعوديين وغير سعوديين) في إطار نظام تعاوني تكافلي منظم ودقيق مما يجسد روح التعاون والتكافل بين جميع الأفراد ويشجع في الوقت نفسه على تكرار التجربة في قطاعات أخرى.
6- تنظيم سوق التأمين السعودي
تأهيل شركات تأمين لممارسة التأمين الصحي والاشتراك في نظام الضمان الصحي التعاوني ربما يتحول إلى نواة حقيقية لإعادة النظر في وضع السوق ككل وفتح المبادرات
لتنظيمه ووضع اللوائح والنظم التي تضمن استقراره وربما يعجل بتلك الخطوة سعي المملكة للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وانخراطها في النظام العالمي الجديد. إن عملية تنظيم السوق من شأنها تحقيق الكثير من الإيجابيات أهمها دخول شركات تأمين وطنية للسوق وتشغيل كوادر وطنية في مجال التأمين والاحتفاظ بأموال التأمين داخل المملكة وتوفير الحماية التي يحتاجها المجتمع بواسطة شركات محلية ورفع مستوى الوعي التأميني داخل المجتمع ورفع معدلات الإنفاق الفردي على التأمين وتخفيف عبء المسؤوليات الاجتماعية عن كاهل الحكومة.كما أن للجهود التي تبذلها شركات التأمين ومقدمي الخدمة بالمملكة لإعداد وتطبيق معايير موحدة لأداء عملية التأمين الصحي بالغ الأثر في عملية رفع المستوى.
7- إتاحة فرص وظيفية جديدة
إن التوسع في نشاط التأمين الصحي في المملكة بإنشاء الكثير من شركات التأمين السعودية، و زيادة الاستثمار في القطاع الصحي بالإضافة إلى تطور الكثير من الأنشطة المصاحبة، من المتوقع أن يتيح فرص توظيف للشباب السعودي تقدر بعشرات الآلاف ليس على مستوى سوق التأمين الطبي فحسب بل تمتد إلى سوق التأمين السعودي ككل باعتبار أن عملية تنظيم السوق ربما تكون من ابرز نتائج تطبيق نظام الضمان الصحي التعاوني.
8- رفع مستوى جودة الخدمات الصحية
من المعلوم أن تقديم الخدمات الصحية يتم عن طريق التأمين الصحي التعاوني ضمن منظومة متكاملة ثلاثية الأبعاد، وتشكل شركات التأمين والمؤمن عليهم ومقدمو الخدمة الطبية أطراف هذه المنظومة. ومع أن المستفيدين ومقدمي الخدمات الصحية هما الطرفان الأساسيات في الخدمة إلا أن وجود شركات التأمين كطرف ثالث يضمن وصول الخدمات الصحية المتفق عليها في وثيقة التأمين الصحي من مقدم الخدمة الصحية إلى المؤمن له بالجودة والمستوى اللائق، ومما لاشك فيه أن هذه الأطراف ستعمل في نهاية الأمر على تحسين جودة الخدمات الصحية.
هذه بعض الأدوار التي يمكن أن يؤديها التأمين الصحي التعاوني في المملكة والتأثيرات الإيجابية التي من المتوقع أن تنعكس على مستوى الخدمات الصحية في حالة الاستمرار في إعطاء هذا النوع من التأمين الدعم اللازم لتفعيله وبالتالي الوصول به إلى معدلات النمو التي نتوقعها له خلال العشرين سنة القادمة.
المفضلات