http://abdulhamid.net/archives/1614
أبدأ من حيث انتهى كل من تقرير صحيفة الرياض (عدد 15334) الجمعة 18 يونيو، الذي أشار إلى أن القطاع الخاص في السعودية قد طرد 147.6 ألف مواطن ومواطنة خلال عام 2009م، فيما أستقدم ووظّف 821.2 ألف غير سعودي خلال نفس العام، وتعقيب وزارة العمل على التقرير في صحيفة الرياض (عدد 15342) السبت 26 يونيو، الذي أوضح (أن انخفاض عدد العاملين السعوديين لا يعني أن القطاع الخاص استغنى عن خدماتهم، وأنه تم استبعاد بعض بيانات العاملين المكررين والتي يوجد فيها أخطاء أو غير مكتملة كوجود خطأ في تسجيل رقم الهوية أو الإقامة وطلب تحديثها وتصحيحها من قبل المنشآت، وأن عدد قضايا الفصل المسجلة خلال عام 2009م تبلغ 540 قضية فصل منها 477 قضية للسعوديين, وفيما يتعلق بتأشيرات الاستقدام فانخفضت للموافق عليها لمنشآت القطاع الخاص خلال عام 2009م بنسبة 21 في المائة إلى 982,4 ألف تأشيرة مقابل 1,2 مليون تأشيرة خلال عام 2008م).
بناءً عليه، أقول للأخوة في وزارة العمل أنكم
(طمأنتمونا) أن الأمر مجرد معالجة لأخطاء متمنياً ألا تكون ناتجة عن (تلاعب أو تدليس) في نسب السعودة من قبل القطاع الخاص، وأنه لم يوظف في الأصل أولئك 147.6 ألف مواطن ومواطنة حتى يطردهم، مع بقاء حق التساؤل من قبلنا جميعاً حول ما يلي:
(1) لماذا نتج عن هذه الأخطاء أو البيانات غير المكتملة كل هذا الانخفاض الكبير في العمالة الوطنية، مقابل هذا الارتفاع الأكبر في العمالة الوافدة؟ وما هو تفسير ذلك؟
(2) هل اكتشفتم الأسباب الحقيقية الكامنة خلف تلك الأخطاء الفادحة، وأنها لا تدخل تحت مظلة التلاعب أو تزوير الأرقام؟
(3) هل هذا الاكتشاف للأخطاء في إحصاءات سوق العمل السعودية، يعني أن إحصاءات السنوات السابقة غير صحيحة هي أيضاً؟ وأننا في مواجهة رصيد من المعلومات الزائفة عن سوق العمل، ومن ثم فنتيجة أية سياسات أو برامج لإصلاحها أصبحتْ محتومة؛ أي أن الفشل حليفها؟!
(4) وإذا كانت كذلك فأين هي الإحصاءات الصحيحة؟ وهل سيتم تعديل إحصاءات السنوات السابقة؟ ومتى ستعلن؟
(5) أمّا إذا كانت الأخطاء تتعلق بالسنة الأخيرة فقط، فهل تفسير كل تلك الفروق الفادحة الحجم محصورٌ فقط في أنه مجرد (أخطاء في بعض بيانات العاملين المكررين، أو أنها غير مكتملة كوجود خطأ في تسجيل رقم الهوية أو الإقامة وطلب تحديثها وتصحيحها من قبل المنشآت)؟
(6) كيف يمكن لنا الجمع والموائمة بين تعقيب الوزارة أعلاه حول انخفاض العمالة المستقدمة للقطاع الخاص بنسبة 21 في المائة إلى 982.4 ألف تأشيرة، وبين تصريح معالي نائب وزير العمل د. عبدالواحد الحميد أمام وزراء العمل لمجموعة العشرين في مؤتمر العمل الدولي بدورته (99) الذي عُقد في جنيف بمنتصف الشهر الماضي (بثته واس)؛ بأننا استقدمنا 1.5 مليون عامل من الخارج؟
(7) أخيراً وليس آخراً، هل من تفسيرٍ لديكم أو لدى أي من أجهزة القطاع المالي والاقتصادي لدينا حول السبب في ارتفاع حجم وقيمة تحويلات العمالة غير السعودية إلى الخارج إلى الضعف تقريباً بالمقارنة مع إجمالي فاتورة أجورهم السنوية! فحسب بياناتكم (المصححة) وصلت فاتورة الأجور السنوية الإجمالية على سبيل المثال لا الحصر للعامين الأخيرين 2008م و2009م إلى 65.2 مليار ريال، ونحو 57 مليار ريال على التوالي! فيما أوضحتْ بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي (ميزان المدفوعات) أن حجم تلك التحويلات (المرصودة) فقط عبر أنظمة القطاع البنكي وصلتْ لنفس العامين إلى أكثر من 78.5 مليار ريال، وأكثر من 94.4 مليار ريال على التوالي. قد نصدّق جدلاً أن كل ما تتحصّل عليه العمالة غير السعودية تقوم بتحويله كاملاً إلى بلدانها، والله أعلم من أين تنفق على متطلبات المعيشة في بلادنا! ولكن من أين أتتْ هذه الزيادة الكبيرة ممثلةً في الفرق بين الدخل السنوي والتحويلات إلى الخارج؟!
هل هذا ينبأ عن خطأ ما؟! هل فيه إشارة إلى أن (اقتصاد الظل) منتشرٌ إلى هذا الحد في اقتصادنا الوطني؟! أم أن هذا يُشير إلى أن فاتورة الأجور المقدمة إليكم من القطاع الخاص هي أيضاً منغمسة من الرأس إلى أخمص القدمين في وحل التزوير وإخفاء المعلومات الصحيحة؟! ومن ثم فليس صحيحاً أن متوسط أجر العامل غير السعودي يتراوح بين 1000 ريال ونحو 765 ريال!! أفتونا أو غيركم من أعضاء الفريق الاقتصادي والمالي لدينا في حيرتنا هذه إن كان لدى أيٍّ منكم إيضاحاً أو تفسيراً!
لقد
(طمأنتمونا) أن نسب السعودة الخجولة التي ظنناها فوق 13.3 في المائة طوال السنوات القليلة الماضية، لم تتعدَّ كونها سراباً من النسب الأكثر خجلاً، حيث لم تتجاوز 9.8 في المائة! وأنها لم تكن تعبّر إلا عن (وهماً كبيراً) بأن القطاع الخاص كان مبادراً تجاه مسؤولياته وأدواره العملاقة الملقاة على عاتقه تجاه الاقتصاد الوطني والمجتمع السعودي. وأنكم
(طمأنتمونا) بأن القطاع الخاص لم يستقدم 821.2 ألف عامل غير سعودي حسبما تم فهمه خطأ، بل إنه استقدم 1.5 مليون عامل من الخارج حسب تصريح معالي نائب وزير العمل د. عبدالواحد الحميد المُشار إليه أعلاه، وأنه حسب تأكيده في بقية تصريحه ضمن أعمال المؤتمر الدولي، أن التحويلات المالية للعمالة الوافدة لدينا قد أسهمتْ في تعزيز اقتصادات بلدانهم، وبذلك فأنكم
(طمأنتمونا) مرة أخرى أن التسرّب المالي للاقتصاد الوطني ممثلاً في التحويلات السنوية للعمالة غير السعودية للخارج غير مقلقة على الإطلاق، رغم أنها وصلتْ خلال العام الماضي فقط إلى 94.5 مليار ريال (عُشر الاقتصاد الوطني)، ووصل مجموعها خلال الفترة 2000م-2009م إلى نحو 621 مليار ريال، وعليه (فلا قلق ولا يحزنون) جرّاء هذه الحقائق الدامغة! حتى وإن حملتْ في رحمها أرقاماً بهذا الحجم ترحل مغادرةً إلى الخارج، أو حتى حملتْ في رحمها أن 147.6 ألف مواطن ومواطنة لم يتم توظيفهم من الأصل، وأنهم لا زالوا يتمتعون بسنوات انتظار أن يلتفت إليهم القطاع الخاص بأي وظيفةٍ كانتْ. وأن لا قلق لدينا جميعاً حتى وأن تدفق على سوقنا خلال أعنف سنةٍ على اقتصادات العالم منذ ثمانية عقود نحو 1.5 مليون مقيم، إنها حقائق رقمية تقول واثقةً بمليء الفم
(أطمأنّوا)..
هل أُذكركم بأن اقتصادات البلدان التي تتقدّم سلّم الاستقدام لدينا، هي أيضاً أول اقتصادات البلدان التي تتهم شركاتنا بإغراق أسواقها؟!
هل أذكركم بأن القطاع الخاص لدينا هو القطاع الأكثر دلالاً واهتماماً من قبل الحكومة على مستوى العالم بدءاً من دعمه اللامحدود منذ مطلع السبعينيات الميلادية إلى الوقت الراهن؛ منحته الأراضي المجانية، ودعمته عبر صناديقها التنموية بمبالغ ناهزتْ خلال العشرين عاماً الأخيرة نحو 315 مليار ريال، وتحفيزه الكبير عبر إرساء المناقصات الحكومية عليه، وتسخير أغلب موارد القطاع البنكي لأجله (نحو 724 مليار ريال حتى نهاية مايو 2010م)، ورغم كل ذلك فلم تتعدَّ مساهمته تجاه سعودة العمالة فيه أكثر من 9.8 في المائة؟!
هل أُذكركم أن أولويات السعودة وتوظيف شبابنا وبناتنا الذين دُفع لقاء تعليمهم وتأهيلهم تريليونات الريالات طوال العقود الماضية، سيعقبه فعلياً تعزيز اقتصادنا، وتحسين دخل الأفراد، ودرء الكثير جداً مما لا يُعد ولا يُحصى من المفاسد والمهالك والأهوال عن مجتمعنا واقتصادنا؟!
هل أُذكركم بحرقة أبٍ وأمٍّ على ابن لهما أو بنت قد يكون راتبه مصدر رزقهم الوحيد؟ أم هل أُذكركم بالنتيجة النهائية لجحود هذا الابن أو البنت بعد سنواتٍ من التعليم والبحث عن عملٍ ثم لا يجده؟!
أصدقكم القول يا وزارة العمل الموقرة بعد الله عز وجل، أن كل ما تقدّم ذكره أعلاه لا يدعو أبداً إلى الطمأنينة تجاه اقتصادنا وسوق العمل لدينا!!
المفضلات