الرؤية المستقبلية

يتوقع أن يحقق النظام المالي السعودي مزيداً من النمو وأن يكتسب مزيداً من القوة والكفاءة خلال السنوات القادمة. ولن ينحصر ذلك في توسع إطار المؤسسات فحسب، بل يتوقع حدوث تحسن هام أيضاً في الجودة النوعيـة للخدمات المقدمة من المؤسسات المالية. ولعل القوة المحركة وراء هذا التقدم هي التطورات والاتجاهات العالمية، والعوامل المحلية كالنمـو السكاني السريع، وتنوع الاقتصاد، وتزايد وعي وذوق المستهلكين، وبرامج التخصيص، وتزايد دور القطاع الخاص.



وتتمتع سوق رأس المال السعودية بقدرات كامنة للمساهمة بصورة كبيرة في النمو الاقتصادي. وتؤكد الأبحاث بقوة بأن أية سوق رأس مال ذات أداء جيد بالنسبة لحجمها وسيولتها، تؤثر إيجابياً في النمو الاقتصادي. ويتم تحقيق ذلك من خلال الجمع بين المدخرين والجهات التي تقوم باستثمار الأموال بطريقة تساند دور المصارف وبذلك تضفي نسقاً متكاملاً للنظام المالي ليتمكن من ممارسة دوره في دعم عملية النمو الاقتصادي.



ولابد أن تمارس سوق رأس المال دوراً كبيراً في تلبية متطلبات التمويل طويل الأجل لمختلف القطاعات الاقتصادية. ولمواجهة هذا التحدي، تدرس الحكومة صياغة عدد من التشريعات و الأنظمة لتسهيل وتنظيم نمو وأداء القطاع المالي.



وأهم هذه التشريعات "نظام سوق رأس المال" الذي يهدف إلى توفير إطار قانوني وتنظيمي لتنفيذ كافة النشاطات ذات الصلة بالسوق المالية كتداول الأسهم والسندات والأوراق التجارية وصناديق الاستثـمار وغيرها. وسيحدد هذا النظام الهيكل التنظيمي، ويحدد القواعد، ويضمن المساواة في التعامل لكافة المشاركين في السوق. ووفقاً للمشروع المقترح حالياً سيتم إنشاء هيئة لسوق رأس المال وسوق مستقلة للأوراق المالية. وستتولى الهيئة تنظيم عمل السوق المالية، كما ستتمتع بصلاحيات إصدار التراخيص والرقابة على المؤسسات التي لا تتلقى ودائع، وتنظيم طرح الأسهم للاكتتاب العام.



وسوف يسهم ترخيص المؤسسات التي لا تتلقى ودائع بزيادة عدد المشاركين في السوق، وطرح مجموعة واسعة من الخدمات للعملاء من الأفراد والشركات. ونتيجة لذلك سوف تواجه مصارفنا القائمة منافسة أكبر في بعض مجالات الأعمال. ولذلك فعليها ألا تكتفي بممارسة نشاطها التقليدي، بل عليها أن تطور دورها ليس كمقرض لقطاع الشركات والأفراد فحسب، بل أن تمارس نشاط الوساطة المالية.



وعندما يتم تسهيل الدخول إلى سوق رأس المال وأصبح بوسع جميع المؤسسات الحصول على رأس المال، فيجب عليها إدراك حجم التزاماتها. وينبغي على الجهات المصدرة للأسهم التركيز على زيادة صافي أصول المساهمين والحرص على الشفافية الكاملة. وسيؤدي طلب المزيد من الشفافية إلى إحتمالية إنشاء مؤسسة تقييم محلية.



ومع تزايد استخدام سوق رأس المال، يتوقع أن تزيد نسبة القيمة الرأسمالية لسوق الأسهم الحالية إلى الناتج المحلي الإجمالي المنخفضة نسبياً في الوقت الحاضر من نحو 39 في المئة إلى 100 في المئة خلال السنوات القادمة.



وقد شهد العام الماضي إدخال بنية أساسية جديدة لسوق رأس المال. ويجري العمل في المرحلة الثانية من تطويرها. وستسهم في تعزيز الخدمات لإتاحة تداول كافة أنواع الأوراق المالية بما فيها حقوق المساهمة، وسنـدات الـدين، وصناديق الاستثمار المشتركة. وستمكن خدمة "TADAWUL" أيضاً المستثمرين في أي من دول الخليج من تداول الأسهم في أي من الأسواق الخليجية. وهذا سيشجع تدفقات رأسمالية بقدرٍ أكبر داخل المنطقة مما يساعد على إبقاء مدخرات المنطقة في استثمارات محلية، وفضلاً عن ذلك، تدرك المملكة العربية السعودية أهمية الدور الذي يمكن أن يمارسه استثمار رأس المال الأجنبي في تسريع النمو الاقتصادي، ولذلك تم إصدار نظام الاستثمار الأجنبي الجديد في عام 2000م ليمهد الطريق للشركات الأجنبية للقيام باستثمارات مباشرة في معظم القطاعات الاقتصادية في البلاد سواء بمشاركة محلية أو بمفردها.



ومن ناحية أخرى يجري إتخاذ إجراءات لفتح سوق الأسهم تدريجياً للأجانب. فقد سُمح للأجانب في عام 1997م بالاستثمار في سوق الأسهم السعودية من خلال صندوق الاستثمار السعودي (SAIF) المدرج في السوق المالية في لندن. كما سُمح للأجانب اعتباراً من شهر نوفمبر 1999م بالمشاركة في سوق الأسهم السعودية من خلال صناديق الاستثمار المشتركة المفتوحة التي تطرحها المصارف السعودية. ويسمح لمواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المشاركة مباشرة في سوق الأسهم السعودية. ولا توجد قيود على الاستثمار من قبل الأجانب في الأوراق المالية الحكومية.



وسيصدر قريباً " نظام التأمين" لتنظيم أعمال التأمين التي شهدت نمواً سريعاً خلال العقد الماضي. وستؤدي إعادة تنظيم سوق التأمين بعد إصدار نظام للتأمين إلى إنشاء وتسجيل شركات التأمين في المملكة، وبالتالي سيزيد من الطلب على الأدوات الاستثمارية بالريال السعودي نظراً لأن شركات التأمين تسعى لتحقيق توازن بين أصولها وخصومها، وتعد أحد الأدوات الهامة للادخار.



ولعل من الأهمية بمكان القول بأن التغيرات التي ذكرت آنفاً ستؤدي إلى إيجاد المزيد من فرص التوظيف في النظام المالي. ويتعذر التنبؤ برقم دقيق للوظائف الجديدة التي يمكن إيجادها، غير أن المقارنات مع دول أخرى تشير إلى أن مصارفنا حققت مستويات رفيعة من السعودة في غضون فترة زمنية قصيرة. كما تشير الدلائل إلى إمكانية مضاعفة عدد العاملين في القطاع المصرفي مستقبلاً إما من خلال دخول مؤسسات مصرفية جديدة، أو من خلال المؤسسات المصرفية القائمة.



وتبذل جهود أيضاً لإعداد أنظمة ولوائح لتنظيم نشاط التجارة الإليكترونية والعمل المصرفي الإليكتروني. وليس أمام الأسواق المالية خيار إلا أن تستعد وتشترك كلياً في هذا النشاط. إن الأعمال المصرفية بواسطة شبكة الانترنت الشائعة حالياً ما هي إلا مقدمة لنشاط واسع النطاق. وتمثل التجارة الإليكترونية، بمافيها نشاط مؤسسة تجارية مع مؤسسة أخرى، ومؤسسة تجارية مع مستهلك وأثرها على القطاع المالي، تحدياً كبيراً يتطلب وضع إطار قانونيٍ وتنظيميٍ ملائم في أقرب وقت لحماية المصارف وعملائها أيضاً.



وهناك مشروع لإصدار لوائح وأنظمة لنشاط "التأجير التمويلي" الذي يمثل مجال عمل حديث للمصارف السعودية بعد منح ترخيصين لشركتين مشتركتين (سعودية-أجنبية). وستتطلب الأنظمة الفصل بين نشـاط التأجير التجاري والتأجير المنتهي بالتمليك لسلع استهلاكية كالسيارات ومبيعات التقسيط. كما يُنظر في إعداد مجموعةٍ من التشريعات والأنظمة لحماية المستهلكين. وتشمل مثل هذه التشريعات "النـزاهة في عملية الإقراض" والتحكيم في المطالبات الصغيرة وغيرها.



علاوة على ذلك، ستتم بلورة " المعايير والمبادئ الجديدة " المقترحة من قبل المنظمات والمنتديات الدولية كلجنة بازل للرقابة المصرفية، والمنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية (IOSCO)، والجمعية الدوليـة لمراقبي التأمين (IAIS) وغيرها، إلى لوائح وأنظمة محددة لتطبيقها في السوق المالية السعودية إذا وجدت ملائمة.



إضافة إلى الأنظمة واللوائح، ستتم تقوية إطار المؤسسات وتوسعته. وليس من المستبعد قيام تحالف بين مصارف سعودية وبعض المصارف الإقليمية والدولية لتحقيق تحالف استراتيجي أو المشاركة في مجالات محددة كصناديق الاستثمار، والوساطة في تداول الأسهم وغيرها. وستشهد شركات التأمين اندماجاً لتعزيز رأسمالها، وقد تتعاون مع مصارف تجارية للاستفادة من شبكتها التوزيعية. ويحتمل أن تنضم شركات أخرى إلى شركتي التأجير التمويلي التي تم الترخيص لهما مؤخراً. ويوجد حالياً بضع شركات استثمارية تقدم نشاطها إلى عدد محدود من العملاء. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تظهر، بموجب التنظيمات الجديدة، مؤسسات جديدة تنفرد بمجال محدد من الخدمات، بما في ذلك سماسرة الأسهم، وشركات الرهن العقاري، ومؤسسات إدارة الأمانات والأوراق المالية وغيرها. من جهة أخرى، هناك جهود قائمة لإنشاء صندوق لدعم مؤسسات الأعمال الصغيرة لتشجيـع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تتوقع الحكومة أن بإمكانها تحقيق نمو اقتصادي هام وتوفير فرص عمل للقوة العاملة المتزايدة.



كما يتوقع أن يطرح القطاع المالي منتجات وخدمات جديدة كالأوراق التجارية القصيرة الأجل، وسندات الشركات، والاستشارات بخصوص عمليات الاندماج والتملك وغير ذلك. كذلك سيزيد الطلب على بعض الخدمات كتوظيف الأموال الخاصة واصدارات رأس مال جديدة والعمليات المركبة.



ورغم المنجزات التي تحققت في سوق رأس المال حتى الآن، إلا أنه لا يزال هناك عدد من التحديات، وفي مقدمتها التوجيه الفعال للمدخرات الخاصة إلى الاقتصاد بواسطة سوق رأس المال. فسوق الأسهم السعودية توجه حالياً المدخرات في الغالب إلى الشركات ذات رؤوس الأموال الكبيرة، غير أن عدداً قليلاً نسبياً من الشركات قد اتجه إلى السوق المحلية، أو تمكن من الحصول على تمويل منها. وهذا الوضع يختلف إلى حد كبير عن الحالة في الدول المتقدمة.



وثمة تحد آخر ظهر، عبر السنوات الخمسين الأخيرة - ولاسيما خلال العقد الماضي- عندما حلت أسواق رأس المال العالمية مكان المصارف التقليدية في ممارسة دور الوساطة المالية بين مقدمي رأس المال والمقترضين. وبالنسبة للبلدان الأكثر تقدماً في عملية تقليص دور الوساطة المالية التقليدية، كالولايات المتحدة الأمريكية، لا تزيد حصة المصارف من إجمالي تمويـل الشركات حالياً عن نسبة 30 في المئة فقط.



ويلاحظ تقلص دور عملية الوساطة المالية ليس في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل في جميع أرجاء البلدان المتقدمة والنامية. فالنموذج الأوروبي للمصارف المرتبطة بنشاط مجموعات من الشركات الصناعية ونظام "كيريستو" المصرفي في اليابان قد أخذا في البروز. ومع أن المصارف السعودية تواصل دورها التقليدي، إلا أن من الضروري أن تُكيـف دورها ليس فقط كجهات مقرضة لقطاع الشركات بل كوسطاء ماليين أيضاً.



ومع إطلالة العام 2020م، ستشهد بنية السوق المالية السعودية تغيرات مثيرة. وأتوقع أن تشمل بعض الملامح الجديدة لهذه البنية ما يلي:

- زيادة في عدد المشتركين في السوق مما يؤدي إلى ظهور وبالتالي طرح مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات المالية.

- ومن هذه المنتجات المطلوبة جداً الإقراض العقاري الذي سوف ينمو بشكل كبير اذا توفرت المتطلبات التنظيمية والتنفيذية للرهن العقاري.

- ارتفاع الوعي بالهندسة المالية لدى المواطنين مما يسهم في تطور صناعة الخدمات المالية الاستشارية التي تعتبر رافداً هاماً من روافد التنمية المالية.

- تحول عدد كبير في الشركات العائلية والمقفلة الى شركات مدرجة في السوق مما يوفر بدائل جيدة للاستثمار وتنويع المخاطر.

- دخول شركات صغيرة ومتوسطة وكبيرة الحجم إلى السوق المالية بأدوات دين جديده مثل السندات والصكوك مما يؤدي إلى زيادة عدد أدوات الاستثمار المتنوعة.

- ازدياد الطلب على خدمات شركات التصنيف المالي وبالتالي ظهورها في السوق السعودية.

- ظهور سوق مالية إقليمية متكاملة على المستوى الخليجي وربما العربي.

- ازدياد فرص التوظيف في مجموعة واسعة من المجالات المالية.

- ظهور عملة موحدة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وما يترتب على ذلك من تناغم في السياسات النقدية والمالية وانعكاسات ذلك على تطور واندماج الأسواق المالية.





أما الامر الذي لن يتغير بإذن الله فهو ان مؤسسة النقد العربي السعودي سوف تظل ملتزمة بدورها في خلق بيئة مواتية وجذابة لتحقيق النمو من خلال حرصها على سلامة النظام المالي والمحافظة على استقرار الأسعار المحلية وسعر الصرف.



عضوية المملكة في منظمة التجارة العالمية

تثار حالياً بعض التكهنات حول الآثار المحتملة على النظام المالي للمملكة بسبب عضويتها المرتقبة في منظمة التجارة العالمية. و لاريب أن عضوية المملكة بالمنظمة ستتطلب، بين أمور أخرى، انفتاحاً أكثر في القطاع المالي أمام المؤسسات الأجنبية. وبالتالي قد يقتضي ذلك نهج سياسة تساعد وتوجه المصارف السعودية لاتخاذ تدابير مناسبة تمكنها من مواجهة التنافس الدولي بنجاح. غير أن من المهم في هذا الصدد الإشارة إلى أن القطاع المصرفي بالمملكة يتمتع أصلاً بوفر رأسمالي. و يتنافس مع المصارف الأجنبية لأن المقيمين يتمتعون بحرية الوصول إلى الخدمات المالية من أية سوق أو مؤسسة في العالم. ومع ذلك، قد تكون هناك ضرورة لتطوير منتجات أكثر وأفضل لارضاء رغبات العملاء. إن السياسة الحالية التي تسمح بإندماج المصارف بهدف تقويتها ستعزز قدراتها لمواجهة المنافسة مع المصارف الأجنبية.



ولتفهم القضية بصورة أكمل، يجدر طرح بعض الحقائق الأخرى. إن المملكة في الأصل لها شراكة أجنبية هامة في القطاع المالي على شكل مساهمين أجانب وشركاء في شركات مصرفية سعودية-أجنبية مشتركة، وشركات التأجير التمويلي، وقطاع التأمين. المعروف أن المملكة لاتمارس أي تمييز بين مقدمي الخدمات المالية السعوديين وغير السعوديين. وتسري نفس الرقابة المفروضة على مقدمي الخدمات المالية السعوديين وغير السعوديين على حدٍ سواء. وتُمنح معاملة وطنية متساوية لكافة المشاركين في السوق الذين منحوا تراخيص لمزاولة العمل بالمملكة. علاوة على ذلك، تنص اتفاقية منظمة التجارة العالمية والاتفاقيات الدولية الأخرى أنه يجوز لدولة ما أن تحد من دخـول مؤسسات ما إلى السوق لأسباب احترازية. وستواصل المملكة في المستقبل إعطاء أهمية فائقة لسلامة واستقرار السوق المالية. لذلك، سيسمح بدخول مشاركين جدد إلى السوق بشكل منظم لضمان عـدم حـدوث أي أثر سلبي على نظام السوق.

ص/خ 254