سأتجاوز فصول شركات التأمين فهي تحتاج إلى روايات وليس مقالات، وسأتجاوز الشركات التي باعها رجال أعمال كبار على المواطنين بأسعار خرافية بفضل علاوات الإصدار العجيبة وسأتناول فصلا صغيرا من تلك الفصول المدهشة لأنه فصل (حكومي) تستحق الحكومة من أجله أن نشره عليها ونعاتبها ونطالبها بالعدل والتكفير عن الذنب وهو فصل شركة معادن.
شركة معادن أنشأتها الحكومة (بدون ذكر تفاصيل) وكان رأسمالها أربعة مليارات ريال وفي عام 1429 تم زيادة رأسمالها ليكون تسعة مليارات ومئتين وخمسين مليون ريال، حدد سعر السهم بعشرة ريالات، للحكومة منه 50% بسعر عشرة ريالات للسهم، والباقي تم طرحه في الاكتتاب بسعر عشرين ريالا منها عشرة ريالات سعر السهم والعشرة الأخرى علاوة إصدار أي أن حصة الحكومة حسبت لها بعشرة ريالات للسهم وحصة المواطن بعشرين ريالا مع أن قرار مجلس الوزراء الخاص بطرح الشركة ورد فيه ضرورة مراعاة المركز المالي للشركة عند تحديد سعر الاكتتاب للمواطن ولم يكن المركز المالي عند الطرح حسب تقديري يبرر كل هذه الزيادة.
ودخل المواطن هذا الفصل من فصول مسرح اللامعقول في السوق المالي السعودي لتتوالى عليه المشاهد المؤلمة، فقد وقعت الواقعة (الأزمة المالية العالمية)، وسعر السهم انهار بعد حصول الأزمة إلى نصف السعر الذي دفعه المكتتب أي إلى ما يقارب العشرة ريالات، والشريك الأجنبي الذي كان سيساهم في مشروع الألمنيوم انسحب وترك الشركة في (حيص بيص) وحين انتعشت الأسواق بعد الانهيار وبدأ سعر سهم الشركة يصعد مع غيره جاء المشهد الممعن في (اللامعقول) فقد أصدرت الشركة المالية (الأهلي كابتال) التابعة للبنك الأهلي التجاري المملوك في غالبيته للحكومة، تقريرا قيَّمت فيه سعر سهم شركة معادن بعشرة ريالات، وبررت لتقييمها بأمور حددتها، وقد صدر هذا التقييم في وقت كان فيه سعر سهم الشركة في صعود فتوقف ذلك الصعود ثم اتجه السعر نزولا في حركة سريعة تشبه الانهيار تأثرا بذلك التقرير.. أي أن الشركة (الحكومية) الأهلي كابتال التي يملكها البنك الحكومي الأهلي التجاري (حين لاحظت كما يبدو) أن سعر السهم يصعد فوق العشرة ريالات (وخشيت فيما يبدو) أن يتورط أحد فيشتري السهم بأكثر من قيمته الحقيقية فأصدرت تقريرها المذهل أي أن (الحكومة) في الواقع ممثلة في الأهلي كابتال أرادت (توعية) المتداولين في السوق المالية كي لا يشتروا سهم معادن بأكثر من قيمته الحقيقية 10 ريالات (والدليل على صحة هذا الاستنتاج) أنه لم يصدر بعد خروج هذا التقرير على حد علمي أي اعتراض أو إيضاح أو حتى تعليق لا من الشركة ولا من وزارة المالية ولا من صندوق الاستثمارات العامة ولا من وزارة البترول ولا حتى من البنك الأهلي الحكومي الذي تتبعه شركة الأهلي كابتال الحكومية.. وكل هذا حصل قبل شهر رمضان الكريم ثم عاد سعر السهم للصعود, وفوجئ الجميع بأن الحكومة (ممثلة في التأمينات الاجتماعية) كانت تشتريه بعد انخفاضه نتيجة تقرير الحكومة وبشكل شبه سري، حيث اتضح أن (تداول) لا تحدث ملكية التأمينات يومياً كما يقضي به النظام.
بالله عليكم هل هناك (لا معقول) أكثر من هذا (اللامعقول) الذي حصل في ذلك الفصل من مسرح اللامعقول في سوق المال السعودي.. تبيع الحكومة سهم شركة معادن على المواطن بـ (20) ريالا مع أنها بالنسبة لحصتها من الأسهم دفعت 10 ريالات للسهم، وحين انهار سعر السهم بعد حصول الأزمة تم ترك السهم لمصيره حتى بلغ عشرة ريالات، وحين بدأ سعره يتحسن مع حركة الأسهم الأخرى تأتي الحكومة (متمثلة في الشركة التابعة للبنك الأهلي التجاري الذي تملكه الحكومة) لتقيم سعر السهم بعشرة ريالات فقط ولتقول للمتداولين بشكل غير مباشر لا تشتروه بأكثر من سعره الذي يستحقه وهو عشرة ريالات، وحين انخفض بدأت تشتريه الحكومة ممثلة في التأمينات الاجتماعية بتلك الطريقة... هل هذا معقول أم لا معقول..؟؟
طبعا الحكومة معنية بمعالجة هذا الفصل (اللا معقول) ولأن حالة اللا معقول لابد أن تعالج بالمعقول، ولأنه يتعذر أن يعاد للمواطن مبلغ العشرة ريالات التي دفعها زيادة عما دفعته الحكومة، فإن الحل المنطقي في رأيي أن تقوم الحكومة بتعويض عموم المواطنين في المستقبل بدفع عشرة ريالات إضافية عن كل سهم من أسهمها لتتساوى هي والمواطن فيما دفع، على أن يذهب المبلغ إلى بند الاحتياطي العام للشركة كما حصل للمبلغ الإضافي الذي دفعه المواطن، وإن قيل إن في هذا ظلماً للحكومة فإن الرد أن الظلم قد حصل للمواطن، والظلم بالسوية عدل في الرعية، وحتى لا يقول لي أحد من الحكومة أو من غيرها إن الحكومة قد قدمت في الأصل ما استدعى علاوة الإصدار كالمناجم والغاز الرخيص إن وجد وغير ذلك وأن المواطن لهذا لم يظلم،
فإني أقول... قولوا هذا لشركتكم الحكومية الأهلي كابتال وليس لي.
فهي أعلم مني. فهي التي قالت إن السهم لا يستحق أكثر من عشرة ريالات بناء على مبررات قدمتها.
الوطن السعودية ـ 12/10/2009
المفضلات