عكاظ
لقد اصبح البترول أحد المتغيرات الكبرى التي تلعب دورا حاسما في صراع القوى العالمية لأنه يعتبر مرتكزا رئيسيا من مرتكزات الاستراتيجية الدولية المعاصرة.. ويرجع ذلك في المقام الأول الى ان البترول كسلعة استراتيجية أولية لايمكن ان تضاهيه في قيمته الاقتصادية والعسكرية سلعة اولية اخرى ومن ثم ينظر الى البترول على انه عصب القوة الاقتصادية للمجتمعات الصناعية كلها بلا استثناء.. وانقطاعه.. عنها إنما يعني الحكم عليها بالموت الاقتصادي.. ومن هنا يظهر حرص هذه الدول المستمر على تأمين مواردها البترولية من داخل وخارج أوبك وبأسعار مناسبة ومفيدة لها.
لهذا فإن استخدام سلاح النفط ليس مجديا في هذا الوقت لتغير الظروف عما حدث في عام 1973م عندما قامت الدول العربية بقطع البترول واستعمال سلاح النفط ليس مجديا في هذا الوقت لتغير الظروف عما حدث في عام 1973م عندما قامت الدول العربية بقطع البترول واستعمال سلاح النفط ضد امريكا والدول الغربية.
ولكن هذا السلاح ليس فعالا الآن, لأن نفط أوبك كان يمثل ثلاثة ارباح الانتاج العالمي والآن اصبح يمثل حوالى ربع الانتاج العالمي, فكميات كبيرة من البترول اصبحت تنتج من خارج السوق العربية, ولهذا فإنه يمكن سد نقص البترول العربي في حالة قطعه من مصادر أخرى في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا وروسيا.
***
ولابد من الإشارة الى الآثار السلبية التي نتجت عن استخدام هذا السلاح في السابق منها.
- أن الدول الصناعية المستهلكة أسست وكالة الطاقة العالمية التي ركزت على الانفاق والبحث والتطوير لمصادر طاقة بديلة لتقلل من الاعتماد على نفط أوبك في ظل توفر التكنولوجيا المتقدمة وتفادي ما حدث في السبعينات.
- كما كونت هذه الدول مخزوناً استراتيجياً مرتفعاً من النفط يكفي لاستخدام 6-12شهراً ويعتبر سلاحاً استراتيجياً يتحكم في الأسعار والانتاج.
- منذ تلك الفترة وحتى الآن اصبحت الدول المستهلكة تتحكم في اسعار النفط وهبطت الاسعار من 37دولاراً للبرميل الى أقل من 20دولاراً ووصل في بعض الفترات الى 9 دولارات للبرميل وذلك أثر سلبا على ميزانيات الدول المنتجة للنفط خاصة الدول العربية.
***
أما الخسائر الاقتصادية والسياسية المترتبة على هذا التوجه حاليا فإنها ستكون فادحة بالنسبة للدول العربية المصدرة للبترول ومن هذه الخسائر:
- تعاني المملكة والدول العربية المنتجة للنفط من العجز المستمر في ميزانياتها وتعتمد على الايرادات من البترول في دفع الرواتب وتمويل احتياجاتها الاساسية, وقطع النفط سيساهم في تفاقم العجز وتعطيل برامج التنمية الشاملة.
- حاجة المملكة والدول العربية للاستثمارات الاجنبية وخاصة الامريكية فيما يتعلق بالنفط والغاز وغيرها من الاستثمارات لتنويع مصادر الدخل وعليه فإن قرار مقاطعة الولايات المتحدة سيضعف الجذب الإستثماري لهذه المنطقة وتوجيهه لدول أخرى.
- التزام المملكة الواضح بتأمين إمداد مستقر وآمن للنفط يؤكد مصداقية السياسة السعودية, وأن مبادرة سمو ولي العهد التي تحولت الى مبادرة عربية هي خيار استراتيجي للسلام في الشرق الأوسط وأن المملكة لن تعالج الأزمة بأزمة أخرى, ولكن تعالج الأمور بحكمة ودبلوماسية وتراعي المصالح المشتركة.
- تعتبر المملكة أكثر الدول العربية التزاما بدعم القضية الفلسطينية ماديا ومعنويا طوال السنوات السابقة فإذا قطعت المملكة النفط فلايمكنها من الاستمرار من دعم القضية الفلسطينية لأن النفط هو المورد الرئيسي لايرادات المملكة وبانقطاع هذا المورد سينقطع الدعم المادي.
- قرار قطع النفط عن امريكا سيعطي امريكا المبررات لاتخاذ قرارات معادية للدول العربية المصدرة للنفط خاصة بعد احداث 11 سبتمبر وما تبعها من آثار سلبية.
لهذا فإن القرار الذي اتخذته المملكة ودول أوبك بعدم استخدام سلاح النفط كسلاح سياسي واستخدام الدبلوماسية والحوار بدلا عن ذلك يعتبر قراراً مدروساً وبعيداً عن العاطفة وله أبعاده السياسية والاقتصادية الإيجابية على المدى القصير والطويل.
وقفة:
شكر وتقدير لسعادة رئيس قسم الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور يحيى محبوب وفقه الله لدعمه المتواصل لطلبة الدراسات العليا.
عصام مصطفى خليفة*
المفضلات