ايلول ٢٠٠٩ كان ينقص شيعة لبنان في جنوبه وضاحية عاصمته الجنوبية وجنوب أميركا وكل افريقيا كارثة صلاح عزالدين حتى تكتمل مأساتهم المتشعبة، من عدوان إسرائيلي مستمر ومهدد في كل لحظة بمزيد من التهجير والدمار وخروج قوة الأمر الواقع التي خطفتهم وهي حزب الله عن مؤسسات الدولة لوصم الشيعة بأنهم فوق القانون، ومحاولة فرض نظام شمولي ديكتاتوري على مناطق حياتهم لعزلهم عن انتمائهم الإسلامي والوطني.
والمأساة تتكرر إنما هذه المرة بأحجام أضخم، فبعد مأساة شركة الجواد لصاحبها خليل حسّون الذي هبر ملايين الدولارات من فقراء الشيعة باسم الارتماء في أحضان حزب الله وحراسه ومشايخه وفتاويهم.. ثم اعتقله الحزب وجرمه كالخاروف المذبوح ليحصل الحزب على ماله وليترك العظام للمودعين الفقراء المخدوعين.. ها هو حزب الله يعتقل صلاح عزالدين ويجرمه كالخاروف المذبوح من كل ما يملك من مال نقدي وأسهم وأراض ومبانٍ ومؤسسات في لبنان وخارجه.. ثم يسلمه للدولة وهو لا يملك شروى نقير كما يقال.
من هو صلاح عزالدين؟
انه رجل يجمع الذين تحدثنا إليهم من المودعين والأقارب والمعارف بأنه من خيرة الأوادم، وأنه عامل خير من الدرجة الأولى، وانه إنسان مؤمن طيب انطلق كالسهم في المحيط المليء مادياً من صاحب دار الهادي للنشر ومنظم حملة باب السلام للحج إلى واحد من أصحاب المليارات الذي تتقاطر إليه الشخصيات الشيعية من حزبيين في حزب الله وحركة أمل ومغتربين في عموم بلاد الاغتراب الشيعي، وفقراء باعوا ما يملكون من عقارات في قراهم، ومودعين سحبوا ودائعهم من مصارف يغلب على أصحابها الطابع المذهبـي الشيعي وغيرها من المصارف، وقابضي تعويضات على بيوتهم المهدمة خلال عدوان تموز 2006، ومقترضين من المصارف رهنوا كل ما يملكون من أجل الحصول على قروض أودعوها شركة صلاح عزالدين أملاً في أرباح خيالية بدأت بـ40% حتى استقرت على ما بين 17 إلى 20% كل ستة أشهر و20 يوماً (لماذا 20 يوماً؟) الإجابة: انها المدة الفاصلة بين الاستحقاق كل ستة أشهر ويوم الدفع!!) اقبل عليه مؤمنو الشيعة الملتزمون تحت ثلاثة اعتبارات أساسية:
الاعتبار الأول هو حجم العائد المادي الضخم الذي كان يعطيه. الاعتبار الثاني هو حجم التغطية السياسية والحزبية من الثنائية الشيعية حزب الله وحركة أمل بما يعنيه من ضمانة أكيدة للمال وصاحبه.
الاعتبار الثالث هو حجم التغطية ((الشرعية)) من فتاوى كبار كبار رجال الدين الشيعة الذين وصفوا أعمال عزالدين بأنها خارج نظام الفائدة وان مردودها شرعي.
تحرك عزالدين في البيئة الشيعية التي تكاد تنغلق على نفسها منذ عدوان تموز/يوليو 2006، وسط هيمنة كاملة للثنائية الشيعية، وهو أتقن اللعبة فأحاط نفسه بهالة أمنية وفرتها له الثنائية من خلال الحراسات والاستعراضات والتبرعات التي كان يقدمها لكل المؤسسات الحزبية والأمنية والاجتماعية والخيرية.. للجميع دون استثناء.. فزوج ابنته من ابن نائب سابق في حزب الله حتى ان مسؤولاً أمنياً في الحزب هو و. ص. كان من خلاّنه وصاحب ملايين الدولارات في دورة عزالدين المالية، ومسؤولاً أمنياً في حركة أمل هو أ. ب كان أيضاً صاحب ملايين في هذه الدورة، ومسؤولاً آخر هو ع. ح كان صاحب ملايين.. لكنه تنازل أمام المحقق عن حصته حتى لا يتهم بأنه بات من اصحاب الملايين وهو ذو راتب متواضع بسيط.
الاهم الاهم ان شيخاً قطرياً معروفاً وظّف لديه 180 مليون دولار، فكان احد المستثمرين العرب الذين طمعوا في المردود السريع الذي يعطيه عز الدين.
كبر حجم صلاح عز الدين، وبات مقصداً لكل جمعية خيرية في منطقة قضاء صور طلباً لمساعدة، وهو كان يمني النفس بالنيابة والوزارة.. بعد ان اقنعه قياديو الحزب والحركة بأنه بات قاب قوسين او ادنى من أي منهما، حتى ان بعض اقاربه كانوا تحدثوا علناً قبل انتخابات حزيران/يونيو الماضي بأنه قريباً سيكون في مجلس النواب وربما الحكومة!
وعلى هذه الطريق تبرع بسخاء للجمعيات التي يشرف عليها حزب الله وحركة امل ومراجع دينية اخرى كانت توفر له الفتوى عند اللزوم.. كلها على طريق النيابة.. والوزارة بعد ان توافرت له الوجاهة التي جعلت نواباً من حزب الله هم ح. ح. ح. وع. ف وح. ح. وع. ع. وم. ف. وشقيقه ح. اشبه بمرافقين له يزورونه ليضعوه في الاجواء السياسية كنوع من الوجاهة، وأهل بلدته معروب يرون سيارات النواب بلوحاتها الزرقاء على باب قصره الذي يصفه البعض بأنه من قصور الاحلام والحكام.. فيزدادون فخراً واعتزازاً بابن بلدتهم المقصود من النواب بالزيارة وخطب الود.
وسقطت الامبراطورية
دار الزمان دورته.. وسقطت امبراطورية صلاح عز الدين.. المالية التي يقدر البعض حجم استثماراتها الوهمية بـ 2 مليار دولار.. كيف؟
اشاعات عديدة انطلقت.. وكما يقول المثل بعد ان تسقط البقرة يكثر السلاخون.
فمن قائل بأن الامبراطورية المالية لصلاح عز الدين سقطت بعد ان اضطر حزب الله الى سحب امواله المقدرة بـ 500 مليون دولار كان سلمها لعز الدين لتشغيلها له، لحاجته الى السيولة.. اثر تعثر الدفع الايراني بسبب ازمة ايران الاقتصادية.
ومن قائل بأن انكشاف عمل عز الدين في تبييض العملة ادى الى الانهيار.. خاصة في ضوء الحرب الاميركية على هذه الجريمة التي يعاقب عليها القانون.
ومن قائل بأن الصهيونية العالمية كشفت علاقة عز الدين بحزب الله فحاربته في مشاريعه التي توسع بها في افريقيا وأوروبا والاميركتين حتى أفلسته وأسقطت امبراطوريته.
ومن قائل انها الانهيارات التي شهدتها البورصة في العالم اثرت على استثمارات صلاح عز الدين فيها.
ومن قائل انها التجارات الخاسرة في مواد هبطت اسهمها وأسعارها في ميادين العمل ولم يستطع صلاح تداركها.
ومن قائل انها ساعة كشف الحقيقة بأن عز الدين كان يلبس طربوش هذا على رأس ذاك حتى سقط الطربوش وبانت القرعة، فمال هذا كان يعطيه لذاك، والتبرعات كلها من اموال المودعين، وعندما تكاثر عدد المودعين الذين يريدون اموالهم كشف المستور وسقطت ورقة التين.
بين هذه وتلك حلت الكارثة الاقتصادية على شيعة لبنان، وكان أفضل معبر عنها قول الإمام عبد الأمير قبلان: بأنها كارثة اقتصادية على الشيعة بحجم كارثة حرب تموز/يوليو 2006.. مع الفارق ان كارثة 2006 كانت من صنع اسرائيل اما كارثة 2009 فهي صنع شيعي 100%.
ماذا فعل حزب الله،
بعد ان بلغت اسماع أمن حزب الله بأن صلاح عز الدين بات عاجزاً عن تسديد الفوائد.. وانه يكثر من الاختفاء عن الانظار حتى لا يلبي طلبات المودعين.. خطف الحزب الحاج صلاح، واستدعى خبراء المحاسبة في الحزب وفي شركة عز الدين، وسهروا ليالي وأمضوا اياماً وهم يجردون كل ما يملك الرجل في لبنان والخارج من سيولة نقدية وايداعات مصرفية وعقارات ومبان وشركات وأسهم ورهونات وألزموه ان يوقع على تنازلات عنها بلغت قيمتها مئات ملايين الدولارات، وبعد ان حصلوا على اموالهم.. سلموه الى الدولة اللبنانية، بعد ان عقدوا معه صفقة بأن يسلم لهم كل شيء مقابل ان يكتفى بتوجيه تهمة الافلاس التقصيري بدل الافلاس الاحتيالي، والفارق بين النوعين هو ان الافلاس الاول عقوبته تبدأ بثلاثة اشهر سجن وحدها الاقصى هو ثلاث سنوات.. بينما الافلاس الاحتيالي يمكن ان يصل السجن عقوبة لها الى سبع سنوات.
مؤامرة على الشيعة؟.. ام دود الخل منه وفيه.
المفضلات