هل العالم بحاجة إلى كتاب جديد حول «وال مارت»؟ لقد أوحى أكبر بائع تجزئة على وجه الأرض بكثير من مجلدات الكتب من جانب المعجبين المتحمسين اللاهثين، ومن قبل أصحاب النقد المر، حيث خط بذلك نهوضه إلى الهيمنة في الولايات المتحدة، وفي الخارج منذ أن افتتح سام والتون متجراً للبيع بأسعار مخفضة في شمال غرب ولاية أركنساس في عام 1962. يحب المعجبون كفاءة هذا المتجر الكبير وأسعاره المتدنية، بينما يندب خصومه نموذجه الخاص بتدني الأجور، ويرون فيه الانقطاع المفاجئ لمحن الفلسفة الاستهلاكية الأمريكية الحديثة. بالتالي، فإن نيلسون ليشتنشتاين يواجه في كتابه «ثورة التجزئة» × تحدي تجارة التجزئة الكلاسيكي الخاص بتمييز منتج ما على رف عرض مزدحم. وإن المكون الخاص في هذه الحالة هو خبرة المؤلف كمؤرخ شؤون عمالية، حيث إنه يدرس في جامعة كاليفورنيا في سانتا برباره، الأمر الذي يتيح له تقديم منظور مناسب جيداً من حيث التاريخ، إضافة إلى أفكار جديدة حول الجدل الرئيس الدائم الخاص بمتجر «وال مارت» العظيم. طرح السؤال فيما إذا كان «وال مارت» جيداً أو سيئاً للولايات المتحدة على هيلاري كلينتون في المراحل الأولى من الترشح للرئاسة الأمريكية، فأجابت بحكمة: نعم، ولا. لكن بالنسبة إلى ليشتنشتاين، فإن المسألة هي كأنك تسأل ما إذا كانت أمريكا جيدة لأمريكا، كما أنه يستدعي الانتقادات من جانب شركات السكك الحديدية في أواخر القرن الـ 19، أو الثناء الذي نالته شركة فورد للسيارات لأنها دفعت أجوراً أعلى من المعدلات السائدة في السوق إلى عمال مصنعها. وهو يكتب أن في أمريكا: «أن التقريع اللاذع، أو المديح المسرف لشركة معينة مملوكة من جانب القطاع الخاص كان في الغالب بديلاً لمزيد من النقاش العام حول نظام الشركة نفسها».
يجادل هذا الكتاب بأن «وال مارت» هو أمريكا، من حيث إن نموه يعكس الظروف الاقتصادية والسياسية الأوسع نطاقاً التي كانت تسود في الولايات المتحدة، وفي العالم في نهاية القرن العشرين. ومنحت الابتكارات التقنية مثل جداول عرض معلومات بيع التجزئة والأسعار للمستهلكين، والاتصالات بواسطة الأقمار الصناعية، بائع التجزئة هذا الأدوات التي احتاج إليها لتكوين إمبراطورية تجزئة. وأدى التحول نحو بيئة تنظيمية أقرب إلى دعه يعمل، وكذلك البيئة التجارية منذ الثمانينيات، إلى توفير شروط التوسع. وقدم بروز الصين كمصنع للعالم مزيداً من فرص النمو، كما أن القوة الشرائية لدى «وال مارت» منحته القدرة على استغلال الفرص الناشئة.
يغطي الكتاب بصورة محتمة أرضاً ممهدة جيدا, بينما يتابع نمو «وال مارت» من سلسلة ريفية صغيرة في منطقة فقيرة إلى كيان عالمي هائل، وإن أكثر الأمور إثارة هو تركيز في الوقت المناسب على علاقات العمل في هذه الشركة، والثقافة المعادية للانتماء إلى نقابات العمال. وهو حسن التوقيت بسبب الجهود الحالية من جانب الديمقراطيين في الكونجرس لتحويل ميزان القوى في علاقات العمل لكي يعود باتجاه حركة نقابات العمال، بعيداً عن أصحاب العمل. يذكر ليشتنشتاين كيف ساعد جون تيت، التنفيذي المتشدد في معاداة نقابات العمال، ووالتون في البداية على محاربة تحرك تنظيمي من جانب نقابة عمال تجارة التجزئة في متاجرة في ولاية ميسوري في أول السبعينيات. كان تيت أستاذاً متقناً لأساليب «تجنب النقابات» التي أصبحت جزءا من ترسانة أصحاب العمل عبر الولايات المتحدة. وكان كذلك ناجحاً للغاية، حيث أخبر عمال «وال مارت» بفخر في عام 2004، حين كان في الـ 86 من عمره، أنه كان جزءا من السبب الذي جعل المنتمين إلى النقابات يمثلون 9 في المائة من قوى العمل الخاصة في الولايات المتحدة، مقابل أكثر من 30 في المائة في الخمسينيات.
غير أن ذلك كان قبل خمس سنوات، حيث إن اتحاد نقابات عمال البقالات UFCW تخلى عن محاولته ضم عمال متاجر «وال مارت» في الولايات المتحدة إليه، وكان يتابع حملة سياسية أوسع نطاقاً ركزت على النقاش العام حول نموذج الأجور المتدنية في الشركات. والآن، بعد انتخاب باراك أوباما كرئيس للولايات المتحدة، فإن الاتحاد يقول إنه بعث بالمنظمين مرة أخرى، بعد بروز اهتمام متجدد من جانب موظفي تلك المتاجر. إن قدرة اتحاد UFCW على النجاح في شمول عمال «وال مارت»، ما زالت مسألة بعيدة عن التحقق، إذ إن «وال مارت» وغيره من تجار التجزئة يحركون جماعات الضغط من جانبهم بقوة لضمان بقاء الأمور على حالها. غير أن هذا النشاط العملي يبدو أثناء ذلك أقل قابلية للهزيمة. وقد شهدت الأزمة الاقتصادية «وال مارت» وهو يتفوق على كل منافسيه الرئيسين فيما يتعلق بنمو المبيعات، بينما يتوجه الأمريكيون الحريصون على حسن إنفاق أموالهم بأعداد كبيرة إلى متاجره العملاقة. غير أن ليشتنشتاين يجادل بأن هذه مكاسب أجل قصير، حيث إن العالم الجديد الذي شكله الانهيار العظيم في عام 2008، سوف يكون مختلفاً عن الظروف التي انتعش خلالها «وال مارت» في فترته الأولى. وهو يجادل كذلك بأن زبائنه يزدادون سعياً للعودة إلى التنظيم والمسؤولية الاجتماعية. يقلل الكتاب من أهمية الجهود التي قام بها «وال مارت» خلال السنوات الثلاث الماضية لتحسين سجله الخاص بالبيئة، والقضايا الاجتماعية، ولكن ليشتنشتاين يتنبأ بصورة صحيحة بأن تاجر التجزئة هنا سوف يستمر في التكيف مع الظروف المتغيرة اجتماعياً وسياسياً. هز «وال مارت» في هذا الصيف، على سبيل المثال، صناعة مبيعات التجزئة بالاتحاد مع نقابة عمال الخدمات SEIU لتبني فكرة أن يصبح أصحاب العمل في الولايات المتحدة مجبرين قانونياً على تقديم شكل ما من أشكال التأمين الصحي. إن مثل التفكير هو بمثابة لعنة حرمان بالنسبة إلى معظم منافسيه، كما أنه بعيد للغاية عن تفكير سام والتون، وجون تيت.
بقلم - جوناثان بيرشال